تجمّع «الشبريحا»: لا يستفيد من تقديمات «الأونروا»..
والمعاناة تطاول حتى الصحّة ولكن البوصلة نحو فلسطين دائماً..
الأربعاء، 29 شباط 2012
آلآفٌ من سكان التجمّعات الفلسطينية على الأراضي اللبنانية، يعانون الحرمان حتى من أبسط الحقوق الإنسانية التي كفلتها النُظم والقوانين والشرائع الدولية التي تعنى بحقوق الانسان، وكأن الإنسان الفلسطيني لا يكفيه حرمانه من أرضه، حتى أصبح مشرّداً، ومجزّءاً بين من يحق له الاستفادة من الرعاية الدولية والمحلية بحسب القانون الدولي، وبين تجمّعات سكّانية لا تستفيد من المساعدة الاجتماعية، خلافاً لما يتمتّع به أبناء المخيمات.
وللوقوف عند هذه المعاناة الاجتماعية، والظروف الصعبة التي يواجهها سكان التجمّعات في المناطق الجنوبية، زارت «البناء» أحد تجمّعات المعاناة، الكائن في الشبريحا (قضاء صور)، والتقت رئيس «تجمّع شباب الشبريحا»، الناشط عامر كلم، الذي ألقى الضوء على المأساة التي يعانيها سكان التجمّع.
كلم
وفي مستهل حديثه إلى «البناء» قال كلم: «وكأن تجمّع الشبريحا في جزيرة ما في المحيط الهندي، بعيداً عن أعين الدولة اللبنانية، ولا يخضع لسيادتها، أو أنّ سكانه هجّروا وشرّدوا من القطب الشمالي ليستثنوا من خدمات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم «الأونروا»، أو انه ليس جزءاً من الشعب الفلسطيني المعذّب المحروم من أرضه، ليشطبوه من خدمات الفصائل الفلسطينية ونفوذها على غرار المناطق اللبنانية التي تخضع للسيادة والحكم اللبنانيين أو المخيمات المغلقة الملتزمة بها «الأونروا» والفصائل الفلسطينية».
عن التجمّع
وأضاف كلم: «هو تجمّع فلسطيني ساحلي يقع في جنوب لبنان، يتبع لقضاء صور، ويخضع عقارياً لبلدية العباسية. يحدّه من الشرق بلدة العباسية ومن الغرب البحر المتوسط ومن الشمال قدموس والبرغلية، ومن الجنوب منطقة الحمادية. يسكنه فلسطينيون من قرى شمال فلسطين مثل: ترشيحا وصفد والجب يوسف ـ قضاء عكا، وأغلب هؤلاء السكان يتحدّرون من عشائر أهمها: عشيرة المواسي وعشيرة السمنية وعشيرة الصويلات وعشيرة القديرات. عدد سكان التجمّع 3000 نسمة تقريباً.
المعاناة
وتابع كلم: «التجمّع عانى ولا يزال يعاني الحرمان الخدماتي والانمائي منذ نشوئه في مطلع خمسينيات القرن الماضي، وتتهرّب الدولة اللبنانية من واجبها تجاهه بحجّة أنّه تجمّع فلسطيني لا تشمله الرعاية البلدية».
وأضاف: «نحن نطالب بأبسط الحقوق الانسانية، أقلّه على الصعيد البيئي وجمع النفايات من الشوارع، التي أصبحت تتهدّد السكان بعواقب صحية لا تحمد عقباها! أما «الأونروا» فتتهرّب من واجبها تجاهه بحجة أنه ليس مخيماً، ولا تشمله خدماتها الاساسية، والفصائل الفلسطينية لا تبالي بنا، ولا تقوم بواجبها تجاهه كونه تجمّعا لا توجد فيه قيادات وأصحاب نفوذ على غرار المخيمات الأخرى».
وأردف قائلاً: «في النتيجة، إن تجمّع الشبريحا والتجمعات الأخرى، تقع تحت مطرقة الدولة اللبنانية وسندان «الأونروا» والفصائل من ناحية التقصير والاهمال الخدماتي ... هناك مشاكل عديدة في هذا التجمع لو عمدنا إلى تعدادها، فلن نستطيع إحصاءها. وتساءل: «إلى متى يبقى هذا الحال على حاله؟ ومن المسؤول أولاً وأخيراً عن كل هذه المآسي والحرمان؟».
بوصلةَ!
وأكّد كلم في سياق حديثه أنه «إذا كان المخطّط والمراد هو إلهاؤنا وتذويبنا في مشاكل المخيمات وزواريبها لننسى قضيتنا الأساس وهي عودتنا إلى ديارنا التي شرّدنا منها، فإننا نقول وبالفم الملآن: نحن أبناء فلسطين لن نرضى بالتوطين ولا التهجير إلى مشارق الارض ومغاربها لننعم هناك! فقلناها قبل عام بالدم وليس بالقول والشعر، قلناها هناك خلال إحياء «يوم النكبة» في مارون الراس في 15 أيار الماضي، ستبقى البوصلة متجهة إلى هناك، وستبقى أنظارنا شاخصة تنظر وتنتظر ساعة النصر والعودة إلى فلسطين لنصلّي في رحاب الأقصى، ولنقرع أجراس كنيسة القيامة من جديد».
حتى الطب!
وتطرّق كلّم إلى موضوع رفض إعطاء تحويل طبي من قبل طبيب «الأونروا» إلى إحدى المواطنات التي كانت حالتها الصحية تستدعي دخولها المستشفى، معتبراً أنّ سبب رفض إعطاء التحويل عجّل بوفاتها الأسبوع الماضي. وفي تفاصيل الحادثة التي رواها انه قال: «يوم الاربعاء الماضي، اتصل بي جارنا صباحاً يبلغني أن زوجته مريضة جدّاً، وهي في حاجةٍ للذهاب إلى مستشفى. خرجت مسرعاً، وتوجّهت نحو منزله، وإذ بزوجته مغمى عليها، حملناها إلى السيارة، وتوجهنا بها مسرعين إلى مستشفى حيرام القريب من صور، وأدخلناها إلى الطوارئ، وفحصها الطبيب وقال لا نستطيع إدخالها إلى المستشفى حتى تعرضوها أولاً على طبيب «الأونروا». قلنا له أدخلها ونحن نجلب لك التحويل من «الأونروا». فأجاب أن قانون «الأونروا» لا يسمح بذلك. وبعد نقاش وجدال، حملناها إلى عيادة «الأونروا» في مخيم البصّ لنحصل على تحويل. دخلت أنا وزوجها إلى العيادة، واذ بدكتورة مناوبة هناك، قلنا لها معنا حالة طارئة في السيارة وهي بحاجة إلى تحويل للدخول إلى مستشفى. قالت أنزلوها إلى هنا لأراها، فأجبناعا أنها في الخارج وهي مغمى عليها بالسيارة ولا تتحمل إنزالها ومن ثم إعادتها إلى السيارة، تعالي وألقي عليها نظرة. فرفضت وقالت: «اذهبو إلى عيادة «الأونروا» التي تتبع لها، قلنا لها العيادة في الشبريحا لا تفتح يوم الأربعاء وهي تفتح فقط يوم الثلاثاء من كل أسبوع، فقالت اليوم الدوام في المعشوق اذهبوا بها إلى هناك ليراها الطبيب ويعطيكم تحويلاً».
وأضاف: «تشاجرنا معها وذهبنا إلى عيادة المعشوق، (دخيلك يا دكتور معنا حالة صعبة وبدها تحويل للمستشفى). فأجاب: «أنزلوها كي أراها»، وهنا أعدنا على مسامع الدكتور الحوار ذاته مع الدكتورة في البصّ، فأجاب: «ليش معصب؟»، وبعد شجار، حملناها إلى داخل العيادة، فحصها وقال: «لا أستطيع أن أعطيكم تحويلاً، خذوها إلى المستشفى الحكومي ليعطوها مصلاً، إنه رشحٌ خفيف وإسهال».
تشاجرنا معه مرّة أخرى، ونقلناها إلى المستشفى اللبناني الايطالي (نجم)، أدخلناها إلى الطوارئ، فخضعت لبعض الفحوصات، وكان ضغطها 6 على 4، وحرارتها 39، هنا طلبنا إدخالها إلى العناية المركّزة، لكن الأطباء ارتبكوا، فبعضهم قال أن الداء في رئتيها، وآخرون يتحدّثون عن ضغطها المنخفض، وفريق يوشوش بعضه البعض، وأخيراً، قالوا أنها تحتاج إلى جهاز تنفس اصطناعي وهو غير موجود في المستشفى، وطلبوا نقلها إلى مستشفى آخر».
وأضاف: «كل ذلك كان يجري ونحن في قسم الطوارئ. عندئذ حضر دكتور «الأونروا»، وبدأ يتصل بالمستشفيات القريبة، عسانا نجد هذا الجهاز. اتصل بمستشفيات: «جبل عامل» و«غسان حمود» و«لبيب» و«الهمشري» و«الراعي»، ولم يجد غرفة فيها هذا الجهاز (كما قال لنا)! ثمّ بدأت حالة المريضة تتدهور، واتجه لون أطرافها إلى الأزرق، وانتفخ رأسها وجسمها، وبدت عليها علامات الموت». وقال كلم: «انسحب دكتور «الأونروا»، وعندما فقدنا الأمل بإدخالها إلى العناية المركّزة، اتصلنا بمستشفى الرسول الأعظم في بيروت، فقالوا أن هناك غرفة فيها هذا الجهاز، اتصلنا بإسعاف مجهّز بأكسجين، وانطلقنا، وفي منتصف الطريق نفذ المصل الخاص بالضغط!! فمررنا بمستشفى علاء الدين قرب صيدا حيث زوّدونا بكيس مصل، أكملنا رحلة العذاب إلى بيروت، وعندما وصلنا وجدنا مجموعة من الأطباء في انتظارنا في قسم الطوارئ، أدخلوها وبدأوا بإجراء فحوصات وطرح الأسئلة. كانت دقات قلبها بطيئة جدّاً وضعيفة كما قال الطبيب. وبعدئذ قالوا أن حالتها صعبة جدّاً، وهي بحاجة إلى الصلاة والدعاء».!
نهاية الرحلة
وأضاف كلم: «وبعد ذلك بدقائق، توفيت المرأة. طلبوا منا فقط 1200.000 ليرة لبنانية في مستشفى الرسول الاعظم! وبعد توسلات واتصالات دفعنا 625 ألف ليرة لبنانية أجرة ساعة في المستشفى. صحيح أنّ الأعمار بيد الله ونحن نؤمن بذلك، إلا أننا أيضاً نؤمن بالأسباب، ونسأل: لماذا لم يدخلوها المستشفى في حيرام منذ البداية؟ لماذا لم يتعاملوا معنا في عيادتَي «الأونروا» في البص والمعشوق بإنسانية ولم يعطونا تحويلاً؟ لماذا لم يدخلوها العناية في المستشفى الايطالي اللبناني؟ لماذا لا نعامل كما تعامل الحيوانات في أوروبا ونحن ندّعي الإنسانية؟ أما السؤال الأخير، فمن هو المسؤول عمّا جرى مع المرحومة أم حسين البالغة من العمر 34 عاماً ولها أربعة أطفال أكبرهم له من العمر سنوات عشر؟».
المصدر: محمد غزالة – القدس للأنباء