"توتة الدار"
تسأل عن صاحبها "أبو عرب"
وديع عواودة-الناصرة
كبقية شعبهم يكن فلسطينيو الداخل حبا
وتقديرا كبيرين للفنان إبراهيم محمد صالح (أبو عرب) وقد هزهّم نبأ رحيله في غربته
في سوريا ومساء اليوم الجمعة ستشهد قريته المهجرة السجرة مسيرة شعبية ووقفة حزن.
وفي مدينة الناصرة وبلدة عرابة
البطوف افتتح المتبقون في الوطن من أهالي قريته المهجرة السجرة بيتي عزاء وتواصلت فعاليات شبابية وفنية
لتنظيم مهرجان فني على ترابها اليوم الجمعة تكريما لذكراه.
المربي سعيد بكارنة -أحد أقرباء
الراحل- يوضح للجزيرة نت أن وفودا شعبية وسياسية من مختلف أراضي 48 ما زالت تتوافد
على بيتي العزاء في الداخل كما في بقية بيوت العزاء في الضفة وغزة والشتات.
ومن جهتها تؤكد الفنانة سلام أبو
آمنة أنها تتلقى عشرات المكالمات يوميا من كافة أنحاء البلاد بالداخل تبدي رغبتها
بالمشاركة في مهرجان "توتة الدار" الذي ستنظمه فعاليات ثقافية في الداخل
نهاية الشهر الجاري تكريما لفنه ونضاله.
وصية
وتقول إنها ستغني على أرض السجرة
اليوم بدون عزف أجمل قصائده مثل "يا يما لو أجا العيد"، و"ما نسيتك
يا دار أهلي" و"طلت البارودة والبطل ما طل". وفي القصيدة الأخيرة
كان الراحل قد رثى زميله وابن قريته الفنان الراحل ناجي العلي.
وكان أبو عرب قد حقق حلما كبيرا
راوده منذ 64 عاما بزيارة نادرة لقريته "السجرة" في قضاء الناصرة في
أبريل/نيسان 2012 فتوقف عند خرائب منزله ومنزل ناجي العلي وعلى ترابها أوصى أبناءه
وأحفاده بسوريا والإمارات وبقية الشتات بالسعي للعودة للوطن واستعادة الحق.
"قلبي يخفق أسرع من السيارة
ويكاد يفّر من بين ضلوعي"، قال أبو عرب وهو داخل المركبة بالطريق من بلدة
كفركنا المجاورة إلى قرية السجرة، لافتا أنه كان قد زارها بالمنام قبل عشرة أيام.
وفعلا طابق الواقع الحلم وزار مسقط
رأسه وتوقفت مركبته قبالة عين ماء السجرة التاريخية فغسل وجهه ونهل منها وهو يقول
إن البحر الأبيض المتوسط لا يطفئ حنينه للدار ولمراتع الطفولة والصبا.
وأضاف "البعد ما يطفي ناري
والقرب يزيدها وبعد جرح الوطن ما في جروح". وقتها رافقت الجزيرة نت "أبو
عرب" في زيارته لمسقط رأسه محاطا بالعشرات من أهالي بلدته المهجّرين وأمضى أجمل ساعاته معهم تحت أفياء "توتة
الدار".
ناجي العلي
فور وصوله سجرة التوت تحسّس أغصانها
بأنامله برفق واستنشقها استنشاق الأم لابنها العائد بعد طول غياب.
عدت للسجرة بعد 64 عاما فهل سمعت ما
قالت توتة الدار للطير العائد؟ سألنا الشاعر الذي ورث الشعر عن جده من والدته
الشاعر الشيخ علي الأحمد ومن عمه محمود، فأجاب بالغناء مرتجلا "فتحنا لك برغم
الغربة نادي وعشبك من دموع الغربة نادي كأنها توتي علي تنادي حبابي ليش طولتو
الغياب..".
وهكذا أنشد مرتجلا بصوت حزين شجي يوم
وقف قبال خرائب منزل زميله وابن قريته الفنان الشهيد ناجي العلي "أوف.... أوف
أيام الدهر يا ناجي لو إنك لو إنك حزين وسمع هالوادي لو إنك لو إنك قبل ما تغادر
كحلت عيونك بشوف التراب".
أبو عرب -شاعر ومنشد الثورة
الفلسطينية- الذي وظف فنه في خدمتها، ألف ولحن وغنى نحو 300 من القصائد الوطنية
وأغاني العتاب والمواويل ودّع بلدته عند مغادرتها وهو يناجي عين الماء فيها بلهجة
وداع تقطر حنينا وحزنا، ولم يفارق العين قبل قوله مناجيا: يا عين الميّ كان الشجر
جاري، لكن الزمن بالظلم جاري، بعد نبعك يا عين المي جاري، بعد ما تغربوا شمول
الحباب".
لوعة الغياب
الشيخ إبراهيم السجراوي -أحد أتراب
طفولة أبو عرب وجاره في السجرة قبل نكبتها- يقول للجزيرة نت إنه يتذكر الراحل طفلا
مع نظارة يقرأ كتابا في أفياء سجرة توت عملاقة بساحة منزل حجري جميل محاط بحديقة
في حي المرحان.
السجراوي الذي التقى جاره الراحل في
2012 بعد ستة عقود للمرة الأولى والأخيرة يقول إنه زار السجرة صباح هذا اليوم
"فكانت أشجارها هذه المرة أكثر حزنا وبدت سجرة التوت إياها وكأنها تجهش
بالبكاء".
ويتابع "رغم بعده ستة عقود ونصف
كان أبو عرب يشير بدقة لافتة لمواقع المسجد، والمدرسة والكنيسة والعين ومعاصر
الزيتون وبقية خرائب القرية التي شهدت معارك ضارية في عام 1948 ويصحح معلوماتنا نحن الباقين في الوطن".
بطريق عودته زار أبو عرب كفركنا
المجاورة، لكنه لم يتمكن من تحديد قبر والده الشهيد المدفون في مقبرتها العليا،
وبعين دامعة استذكر أنه سبق ولم يتعرف على مدفن ولده "معن" في قبر جماعي
بجنوب لبنان بعد شهور من استشهاده خلال اجتياح 1982 إلا بعد شهور.
واستعاد أبو عرب أنفساه وهدوءه
النفسي بعد الزيارة المشحونة للسجرة عندما التقى الفنانة سلام أبو آمنة وأنشد معها
مووايل العتاب.
المصدر:الجزيرة