القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

ثلاثة لاجئين فلسطينيين يعيشون فيلم "الحدود" بين لبنان وسورية

ثلاثة لاجئين فلسطينيين يعيشون فيلم "الحدود" بين لبنان وسورية

الأربعاء، 04 حزيران، 2014

تتراكم المشاعر في صوت اللاجئ الفلسطيني من سورية محمد (اسم مستعار)، فيخرج متعباً. "لا أدري إذا كنت سأحضر ولادة طفلي الثالث، الانتظار على الحدود طال".

يحاول محمد الاطمئنان إلى عائلته المقيمة في صيدا جنوبي لبنان من خلال الهاتف، "تنقطع التغطية كثيراً على الحدود، لكن سماع صوت زوجتي كاف لأعرف أنهم بخير بين أهلنا والجيران". يكاد يبكي عند سؤاله عن ابنيه، لكنه يختار الصبر.

مر قرابة الشهر على إقامة محمد وشابين آخرين شبه الجبرية على الحدود اللبنانية ــ السورية. يمنعهم واقع الحرب في سورية من عبور الحدود شرقاً، كما يمنعهم قرار صادر عن الأمن العام اللبناني من عبور الحدود غرباً، لا لشيء إلا لأنهم فلسطينيون لاجئون في سورية.

قطع الثلاثة نقطة المصنع بالإكراه كما يقولون. كانوا ضمن مجموعة اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الذين رحلهم جهاز الأمن العام اللبناني إلى سورية بعد اعتقالهم في مطار بيروت مطلع الشهر الماضي. ضجّ الرأي العام يومها بعدما أوقف عناصر الأمن العام المجموعة أثناء مغادرتها الى ليبيا بحجة حيازة جوازات سفر مزورة. لم تثبت الحجة/التهمة حتى اليوم، لكن الجميع أُجبروا على العودة إلى سورية.. إلى المجهول.

يختار محمد (اسم مستعار) أن يخفي وجهه أثناء الحديث في الغرفة التي منحهم إياها مالك احد المحال في نقطة المصنع للإقامة. يقول: "غادرنا سورية الى لبنان بعد تدمير منزلنا في مخيم اليرموك، وحاولنا العمل من دون جدوى، فقررنا الهجرة إلى ليبيا".

درس الثلاثة في مجالات علمية مختلفة: هندسة الكومبيوتر والغرافيك والتمريض. عملوا بهذه المهن في لبنان رغم قانون العمل اللبناني الذي يمنع الفلسطينيين من ممارسة المهن الحرة. "نبحث عن لقمة العيش، ولدينا من المقومات ما يعيننا على تأمينها"، يقول الشباب بصوت واحد لدى سؤالهم عن مستقبلهم.

يطرد محمد الذباب بأداة خشبية طوّرها ويكمل قصة الاعتقال "اتهمنا عناصر الأمن العام بحيازة تأشيرات دخول مزورة وهو ما نفيناه، ورغم ذلك أُجبرنا على توقيع مستندات من دون أن نقرأها، ثم وجدنا أنفسنا في المصنع".

يتدخل أيمن (اسم مستعار) للإشارة الى "المعاملة غير الإنسانية التي تعرضنا لها أثناء الاعتقال، إذ مُنع عنا الطعام والشراب ودخول الحمام لست وعشرين ساعة متواصلة". يذكر الشباب أن بين المعتقلين كانت هناك سيدة حامل، عُوملت كما غيرها من دون مراعاة وضعها".

بعد الاعتقال نقل عناصر الأمن العام المجموعة إلى المصنع وتولت باصات مدنية إيصالهم إلى سورية، "طلبنا من السائق إنزالنا عند المصنع لأن لا حياة لنا في اليرموك، منزلنا مدمر وخطر الاعتقال قائم في كل لحظة في الشام" أسباب كافية برأي محمد للانتظار عند نقطة المصنع على أمل الالتحاق بعائلته في لبنان.

هو حال عدد كبير من اللاجئين السوريين الفارين من جحيم المعارك في سورية، ليقابلوا الموت غرقاً في مراكب الهجرة غير الشرعيّة المتّجهة إلى أوروبا من المغرب العربي.

يطرد محمد الذباب باستمرار أثناء حديثه ولكن من دون جدوى. "حتى الذباب لا يرحّب بنا هنا"، يقولها ضاحكاً رغم انتفاء أسباب الضحك في الغرفة الوحيدة بين بحر من شاحنات النقل المنتشرة في نقطة المصنع. جمع الشبان الثلاثة أثاثاً قليلاً في الغرفة على قاعدة "من كل واد عصا".

"وصلت البطانيات عن طريق صديق، والمعلبات عن طريق صديق آخر يعمل في مجال الإغاثة"، يقول علي ليتابع حديثه بسخرية: "لدينا هنا دوام عمل رسمي! يبدأ مع دوام عمل مؤسسات الإغاثة وحقوق الانسان التي نتواصل معها يوماً، وينتهي معها". لا يبخل الشباب في دعوة زوارهم القلائل إلى البقاء على الغذاء، لا يهم إن كان الغذاء "علب سردين" ما دام يحضر الكرم.

يختنق الداخل إلى الغرفة بكمية الغبار المتراكم في الزوايا. كما تعميه أشعّة الشمس الحارقة عن رؤية التفاصيل. دقائق قليلة وتتبين كمية الغبار المتراكم في الزوايا. يوزع الشباب مقتنياتهم القليلة: حقائب السفر الموعود، وشواحن كهربائية خاصة بالطوارئ، إضافة إلى جبل من أعقاب السجائر الموزّعة في أرجاء الغرفة. وفي الفسحة الخارجية طوّر الشباب مجلسهم الخاص، من إطارات الشاحنات المرميّة، وبلوكات الحجر. أما الغسيل وتسخين الماء، ففي الخارج بطريقة بدائية للغاية.

يسيطر القلق على الشبّان في أحيان كثيرة، فالحياة في تلك النقطة "الميتة" من الحدود لا تختلف كثيراً عن الإقامة في عراء الصحراء. لا تيار كهربائياً يصل للغرفة المحاصرة بقوارير الماء العطشى للشتاء. "انتظرنا الشتاء حتى نملأ القوارير لنغسل ملابسنا" يقول محمد.

يتلّفت الشبان يمنة ويسرة مع كل سيارة تتوقف قرب غرفتهم، فصورة رأس النظام السوري بشار الأسد المرفوعة على لوحة إعلانية فوق الغرفة تجذب المارة الذين يتوقفون لتصويرها. وكأن الأزمة السورية لحقت بالشبان إلى لبنان لتزيد من مرارة الانتظار.

في المقابل، يعترف أحد ضباط الأمن العام في نقطة المصنع بأن "إجراءات الأمن العام الجديدة بحق اللاجئين الفلسطينيين لا تلقى قبولا، وهو أمر مفهوم نظراً للحالات الإنسانية العديدة التي نواجهها في الحرب".

المصدر: العربي الجديد