القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

ثلث اللاجئين في برج البراجنة يعانون من اضطراب في الصحة النفسية

ثلث اللاجئين في برج البراجنة يعانون من اضطراب في الصحة النفسية

الثلاثاء 12 نيسان 2011
سعدى علوه - السفير

تعرّف «منظمة الصحة العالمية» الصحة النفسية والعقلية بأنها «حالة من العافية التي تسمح للفرد بتحقيق قدراته والتعامل مع ضغوطات الحياة اليومية والعمل بإنتاجية تمكنه من إفادة مجتمعه»، مؤكدة أنها «ليست مجرد انعدام المرض».

ووفقاً لتعريف المنظمة الدولية، واستنادا إلى معاييرها المعتمدة في تقييم الصحة النفسية للفرد والجماعات، أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» و»الجامعة اللبنانية الأميركية» أمس أن «واحداً من كل ثلاثة بالغين في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت، يعاني من اضطرابات في الصحة النفسية».

والرقم هو جزء من مجموعة معطيات أبرزتها نتائج دراسة استقصائية أجرتها المنظمة والجامعة في المخيم ومحيطه، بهدف تحديد كيفية تحسين الخدمات للمجتمع في المستقبل، نظراً للنقص السائد في خدمات الصحة النفسية الموجودة حاليا.

ولعل أهم ما توصل إليه البحث هو أن نسبة 96 في المئة من الذين شخصوا أنهم يعانون من اضطراب الصحة النفسية، أو من الذين يعتبرون بحاجة إلى الدعم النفسي، لم يحصلوا على الخدمات المختصة المناسبة.

وتُبرز الفجوة ما بين المعاناة من اضطرابات نفسية وبين إمكانية الحصول على مساعدة مختصة، إهمال الصحة النفسية للفلسطينيين منذ نكبة العام 1948 وحتى اليوم، إذ اقتصرت خدمات «الأونروا» على تقديم الخدمات الأساسية، من صحية وتربوية وتوزيع بعض المساعدات، على حساب الذيول النفسية لتهجير الفلسطينيين من وطنهم، وتشتيتهم في بقاع الأرض.

وتثبت نتائج الدراسة، وفق ما رأى بعض المشاركين الفلسطينيين في النقاش الذي تلى عرضها، أن احتلال الاسرائيليين فلسطين وتهجير أهلها عنها كوطن وأرض وحياة وذكريات، بالإضافة إلى تجريدهم من ممتلكاتهم ومصادر عيشهم والمردود الاقتصادي وإرغامهم على العيش في منفى لانهائي، لم تمر مرور الكرام على اللاجئين، مؤكدين أنهم ضحايا إسرائيل التي تتحمل بالدرجة الأولى مسؤولية ما حصل ويحصل لهم.

وبالإضافة إلى المسؤولية الإسرائيلية الأساسية والجوهرية في التسبب بمعاناة الفلسطينيين، يرد العيش في مخيمات الظروف الصحية والحياتية والخدماتية السيئة، والمعاناة من البطالة والنقص في الكهرباء والمياه والعزل الاجتماعي، وهي أمور تحفر في الصحة النفسية للفلسطينيين، لتزيد من المعاناة النفسية بوجوهها المتعددة، وفق معطيات «أطباء بلا حدود» التي تدير منذ نهاية العام 2008 برنامجاً للصحة النفسية للفلسطينيين والأهالي اللبنانيين الأكثر ضعفاً في مخيم برج البراجنة في لبنان والمناطق المحيطة به. وهنا، تبرز مسؤولية الدولة اللبنانية المضيفة التي تحرم الفلسطينيين من العمل في عدد كبير من المهن وتمنع عليهم حق التملك.

وتؤكد المنظمة في تقرير أعدته عن منطقة عملها (مخيم البرج ومحيطه) أن «الاكتئاب في هذه البيئة يعد أمراً شائعاً جداً حيث يصيب ثلث المرضى تقريباً (ممن تمت معاينتهم)».

وتستند نتائج البحث على مقابلات مع 748 من البالغين الذين يعيشون في 283 أسرة، ما أنتج 194 تقييماً نفسياً. وتشير النتائج إلى أن نسبة 29 في المئة من سكان المخيم يعانون من اضطراب نفسي واحد على الأقل، وتشمل الاضطرابات الأكثر شيوعاً اضطرابات المزاج (21 في المئة)، تليها اضطرابات القلق (13 في المئة) والذهان (3 في المئة).

وتتلاقى نتائج الدراسة مع نتائج أكدتها دراسات سابقة، تظهر ارتفاع معدل انتشار المحن واضطرابات الصحة النفسية، نفذتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا»، والجامعة الأميركية في بيروت.

وقدم، امس، الباحث الرئيسي للدراسة الاستقصائية، الدكتور أوغوستو يوسا، النتائج التي توصلت إليها الدراسة، والتي أجريت بين حزيران وتشرين الثاني 2010، بحضور السفير الفلسطيني في لبنان عبد الله عبد الله، ووكيل الجامعة اللبنانية للشؤون الأكاديمية الدكتور عبد الله صفير، وشخصيات فلسطينية ولبنانية من جمعيات ومنظمات أهلية ودولية عدة.

وشدد المشاركون في اللقاء الذي عقد في «الجامعة اللبنانية الأميركية»، على الحاجة الماسة للبدء في معالجة الفجوة المنتشرة في العلاج مقارنة بالإصابات، كما عرضوا خططا لدمج خدمات الصحة النفسية في نظام الرعاية الصحية الأولية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين سواء مع الخدمات الصحية المقدمة من «الأونروا»، أو عبر مراكز متخصصة ومنفصلة داخل أو خارج المخيمات. وأكد ممثل عن «الأونروا» شارك في اللقاء، ان الوكالة ستعقد بعد حوالى شهرين مؤتمراً عاماً تبحث فيه الخدمات المقدمة للاجئين، مؤكداً انه سيتم ايلاء الصحة النفسية أهمية خاصة، واستمرار التعاون مع المنظمات التي يمكن ان تساعد في تقديم المساعدة نظراً للكلفة المرتفعة للعلاجات والأدوية المستعملة.

وتشير المنظمة في تقريرها إلى انها قدمت العلاج لأكثر من ألف شخص ضمن البرنامج القائم على نهج مجتمعي يجمع بين رعاية الطب النفسي والعلاج النفسي والدعم الاجتماعي والمجتمعي، لتعزيز الصحة النفسية الجيدة في بيئة يعاني أهلها من نسبة بطالة تصل نسبتها إلى حدود الستين في المئة. كما تعيش نسبة مماثلة دون خط الفقر، بحسب إحصائيات «الأونروا». ومعظم الذين تلقوا العلاج هم من النساء الفلسطينيات واللبنانيات المتراوحة أعمارهن ما بين 25 و 40 سنة (نسبة 60 في المئة).

وتعد منظمة مخيم برج البراجنة، المحصور بين المطار وضواحي بيروت الجنوبية، المنطقة السكنية الأكثر كثافة في العاصمة، إذ انه يؤوي حوالى ثمانية عشر ألف شخص يعيشون في رقعة لا تتجاوز مساحتها كيلومتراً مربعاً واحداً فقط.

وبعد التوقف عند الحساسية الاجتماعية للحديث عن الصحة النفسية، تمكن فريق العمل من المساهمة في التخلص من حاجز المحرمات، وبدأ الناس يتحدثون علناً عن متاعبهم.

ويقول بيير باستان، وهو مستشار «أطباء بلا حدود» في جنيف المعني بالصحة النفسية، ان فريق المنظمة «لا يكتفي بوصف الأدوية، لكن نحاول توفير الرعاية البيولوجية والنفسية والاجتماعية الشاملة، إذ إن العوامل المسببة للمرض تكون ذات طبيعة بيولوجية ونفسية واجتماعية». ويشير باستان إلى أنه «تجري معالجة العامل البيولوجي بالأدوية من قبل الطبيب النفسي، بينما تتم مقاربة العامل النفسي من قبل المعالج النفسي الذي يتعامل مع المريض ومع أقاربه متى أمكن ذلك»، مشدداً على ضرورة «معالجة الأوضاع الاجتماعية أيضاً لمساعدة المريض على التحسن».

ووفقاً لمعطيات التقرير، فإن مخلفات عدوان تموز العام 2006 في لبنان «لا تزال أمراً حقيقياً للغاية»، حيث اكتشفت المنظمة أن «شخصاً من كل ستة أشخاص في البلاد يحتاج للرعاية النفسية، وهو أمر مقلق في بلد يعد الحصول فيه على الرعاية الصحية النفسية محدوداً جداً».

وأشار رئيس بعثة «أطباء بلا حدود» في لبنان، فابيو فورجيوني إلى أن «أوضاع العيش في المخيم متردية، والحياة اليومية شاقة، كما أن الأوضاع العامة التي يعيش فيها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان تبقى مزرية وبعيدة عن المعايير المقبولة». و»يؤدي التوتر الناجم عن العيش في هذه البيئة»، وفق تقرير «أطباء بلا حدود»، إلى «تفاقم الشعور بالصدمة والعزلة اللتين سبق وعايشهما العديد من المقيمين في المخيم».

ويرد فورجيوني القرار باستهداف السكان البالغين بالتحديد إلى «معاناة هذه الفئة من تجارب النزاع والنزوح السابقة والمؤلمة بشكل متكرر وحرمانهم من الحقوق الأساسية علاوة على معاناتهم للتكيف مع الطبيعة الدائمة لوضع كان من المفترض أن يكون موقتاً»، مشيراً إلى مساهمة «النهج المتعدد الاختصاصات في إحداث التغيير، خصوصاً أن المنظمة تتطلع إلى تحديد الدعم الاجتماعي والقانوني والاقتصادي ضمن شبكة واسعة من المنظمات الشريكة التي بوسعها تمكين المرضى من معالجة الأسباب الأصلية لمحنتهم ومعاناتهم».

يذكر أن المياه والكهرباء مؤمنتان في المخيم لبضع ساعات فقط في اليوم، ورغم النقص في المياه، إلا أنها تغمر غالباً أزقة المخيم، لأن تعطل أنظمة صرف المياه يسبب تجمّع المياه الفائضة والمتدفقة من الصهاريج وأعالي السطوح في الأزقة. وتبقى لفافات الأسلاك الكهربائية المتشابكة عالقة بين بنايات يسكن في غرفتها الواحدة ما يبلغ معدله أربعة أشخاص. وتضيف مشكلة المطر في فصل الشتاء والحرارة المحرقة في الصيف إلى مشاكل أوضاع العيش المكتظة.

فتوفّر فرق المنظمة، الرعاية والدعم الاجتماعي عن طريق زيارات منزلية وتقديم استشارات طبية في الغرف والعيادة المخصصة لذلك، في محاولة لجعل الرعاية الصحية النفسية جزءاً من الرعاية الصحية الأولية المتاحة في المرافق الطبية في أنحاء المخيم كلها. ويساعد النهج المذكور على نشر فكرة مفادها أن «الصحة النفسية الجيدة جزء من الصحة العامة للفرد كما أنها أساسية لرفاهيته، وذلك بسبب تأثيرها على تصرفات الأشخاص ونظرتهم للعالم وتفاعلهم مع الآخرين». كما تجاوز البحث الطرق التقليدية، بحيث استخدمت استراتيجية تشخيصية من مرحلتين، لتقييم انتشار اضطرابات الصحة النفسية والفجوة في علاجها عند البالغين (18 سنة وما فوق) عبر إجراء مقابلات مع ممثلي الأسر وأفراد من الأسر عن طريق استخدام تقنيات قياسية لتقييم الصحة النفسية، ومن ثم قيام معالج نفسي بتقييم سريري على عينة ممثلة لتأكيد الفحص الأولي.