هدم
المخيمات الفلسطينية بين الملكية الخاصة وإشراف الأونروا
حي
الزيب.. بين مرارة اللجوء ورعب التهجير!
الخميس،
03 تموز، 2014
"أنا
إنسان".. بضعة أحرف حفظها اللاجئ الفلسطيني في لبنان عن ظهر قلب لكثرة ما
نادى وصرخ بها في وجه القهر والذل واللجوء.. صراخه وصل عنان السماء وشقّ جدران
المخيم الذي ضاق بساكنيه، لكنّه لم يستطع اختراق الآذان المطالَبة بمعاملته كإنسان
غير منقوص الحق، كباقي الدّول التي تعامل اللاجئ السياسي كمعاملتها لمواطنيها، له
ما لهم وعليه ما عليهم.. لكن هنا في لبنان للأسف يختلف الوضع كليّاً، فاللاجئ
الفلسطيني هنا أسباب حياته قليلة جداً، وهي العودة ثم العودة.. أمّا أسباب موته
فقد وُلدت معه: فلسطيني، لاجئ، عاش في مخيّم، فقير، مهمّش، مهجّر.. أسباب موته
أكثر من أسباب حياته!
مئات
العائلات التي تسكن مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا جنوبي
لبنان يعيشون بترقّب صامت لمصيرهم الذي تتقاذفه الويلات من حين لآخر، باعثةً القلق
والفزع في نفوسهم. فمرةً يهتزّ أمن المخيم من جرّاء القتل الذي يطيح بشباب في ربيع
أعمارهم، ومرّةً ينسب للمخيم افتراءات كاذبة تعتبره "وكر إرهاب"! لينتهي
الأمر مؤخراً برفع دعوى على حيّ كامل في المخيم بدعوى "احتلال أرض الغير
واستثمارها وبيعها"!
السيد
أحمد البزري رفع دعوى قضائية على أهالي حيّ الزيب الواقع جنوب غرب المخيم الذي
يسكنه نحو 300 عائلة. تلك الدعوى اعتبرها الأهالي غير منصفة لأنّ البزري رفع دعوى
"شخصية" على ثلاث عائلات ليضمن نجاح قضيته وهو ما جعل الحي بأكمله ينتفض
خوفاً من تهجيرٍ ثانٍ لا يعلمون أبعاده. تلك القضية نغمة جديدة لم تكن على بال
أهالي الحي والمخيم كله، حيث استشعروا خوفاً من أن تفتح الأبواب لملاّك أراضٍ أخرى
تقوم عليها أحياء أخرى من المخيم.
"الأوراق
قانونية ونحن وضعنا قانوني 100%". بهذا الجواب أوضحت لنا لجنة قاطع الزيب بعض
الحقائق حول هذه الدعوى. فالوجود الفلسطيني في المخيم، حسبما ذكرت، ليس مخالفاً
للقانون أبداً فهو موجود ضمن إطار يخضع لكل إجراءات وكالة الأونروا، وسكانه مسجلون
في دائرة اللاجئين فيها. كما أنّ الدولة اللبنانية تحمي الوجود الفلسطيني على
أرضها، فالأراضي التابعة للأونروا ويقطنها اللاجئون الفلسطينيون هي مخيمات ومحمية
من قبل القانون اللبناني. لذلك فإنّ القضية ليست بالهيّنة حتى لو كانت الأوراق
التي يحملها البزري قانونية بالكامل، فليس من المعقول تهجير حي بأكمله خُلق وتربى
وعاش فيه منذ خمسينيات القرن الماضي.
لجنة
الحيّ حمّلت الأونروا كامل المسؤولية في هذه القضية الإنسانية الأكثر منها حقوقية
أو قانونية، ذلك أنها المسؤول الأوّل عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وباعتبار
أنّ الفصائل السياسية الفلسطينية لا تستطيع تحمّل مسؤولية كهذه.
وعلى
ضوء ذلك اجتمعت لجنة حي الزيب والفصائل التابعة للجنة الشعبية مع مدير وكالة
الأونروا في صيدا إبراهيم الخطيب، حيث قام الخطيب بالاتصال بمركزية الوكالة في
الأردن، وتبيّن أنّ الأرض التي يقوم عليها هذا الحيّ تقع ضمن المنطقة المستأجرة من
قبل الأونروا منذ عام 1948 و لمدة قدرها 99 عاماً، وبالتالي القضية هي من مسؤولية
الأونروا بالدرجة الأولى.
من
جهتها أوكلت مديرة «الأونروا» آن ديسمور محامية لمتابعة القضية مع النيابة العامة
والبزري مقدّم الدعوى وصاحب الأرض، لإيجاد حل لهذه القضية. وقد علمنا أنّ هناك
مجالاً ليتنازل البزري عن القضية إذا ما تمّ دفع 82 مليون ليرة مبدئياً لتسديد
الضرائب المتراكمة على أرضه منذ عام 1973؛ "أي العام الذي توقّفت فيه
الأونروا من دفع الإيجار" حسب قول البزري.
ماذا
يقول الأهالي؟
"عمر
طويل قضينا هون وهلأ بدهم يانا نتشرّد ونطلع من بيوتنا على آخر هالعمر"..
بهذه الكلمات عبّرت أم يوسف عن تعلّقها بمنزلها وحيّها الذي سكنته نحو 59 عاماً،
عاشت، وتزوّجت وأنجبت وزوّجت أحفادها فيه.. شاركته أفراحها وأتراحها لجوءها
وآلامها، هو منزلها الذي يؤويها وعائلتها من التشرّد في المنفى! غصةٌ مؤلمة كانت
بادية على وجهها الذي أتعبته مرارة المنفى وصقيع الغربة الذي لا يرحم! 67 عاماً
قضتها في لجوء أوّل، وهي في انتظار مصيرها ومصير عائلتها، خوفاً من أن يطالهم لجوء
ثانٍ يتشرّدون فيه مرة أخرى!
أما أبو
إبراهيم ذو الخمسين عاماً فقد اعتبر أنّ هذه القضية مخطط لها، وهي تتزامن مع
مطالبات الشباب الفلسطيني المستمرة بالهجرة إلى الدول الغربية نتيجة الحرمان
والإحباط الذي يعيشه الفلسطيني في لبنان. كما تتزامن مع مشاريع التوطين وإقحام
المخيمات في مشاكل وفتن تهدّد مصير اللاجئين.
إنّ من
يتجوّل في هذا الحي الذي يتجاوز 7 دونم لا يجد إلا المنازل المتلاصقة بخجل، وأزقة
ضيقة جداً بعضها يكاد لا يتسع إلا لشخص واحد! بعض المنازل حالتها مزرية من حيث
الهشاشة في البناء والتصدعات وبعضها تحتلّها الرطوبة الشديدة بسبب غياب أشعة الشمس
عنها.
ما بين هذا
وذاك ترى البراءة في عيون الأطفال الذين يركضون في الأزقة يمرحون ويلعبون لعلّهم
يعيشون طفولة مرحة كباقي أطفال العالم.
كثيرةٌ
هي المعاناة التي أتعبت كاهل اللاجئ الفلسطيني في لبنان، وقليلٌ هم الذين يكترثون
ويأبهون بذلك الإنسان الذي لم يرتقِ لذائقتهم بعد! لكن، مهما كثرت المعاناة وضاقت
الأحوال واختنق اللاجئ بعبرات الألم، فالصبر والإيمان بالعودة هما الدواء..
فمشاريع التوطين كثيرة لا تعدّ ولا تُحصى.. وثمة من يريد لرياح الفتنة أن تجتاح
المخيم وتقتلعه بساكنيه. لكن رغم كل ذلك ما زال هناك بصيص أمل علّه ينتشل من هو
منسي، من براثن الّلجوء..
المصدر:
شبكة العودة الإخبارية - هبة جنداوي