خزاعة .. شهادات
توثق 12 يوماً من الكارثة والبطولة
الأربعاء، 22 تموز، 2015
بعد عام من العدوان الصهيوني
على قطاع غزة، لا تزال بلدة خزاعة شرق خان يونس جنوب قطاع غزة، تضمد جراحها النازفة،
فيما تروي آثار الدمار في شوارعها وبيوتها وأراضيها حكاية عدوان سافر جابهته على مدار
12 يوماً ببسالة استثنائية؛ لتصنع ملحمة بطولية سجلت بمداد طاهر من الدماء في سجل التاريخ.
بداية المأساة
ويستذكر الدكتور كمال قديح
(41 عاماً) الذي عايش تفاصيل المأساة بدايات الحكاية بتاريخ (17-7-2014) عندما ألقت
طائرات الاحتلال منشورات على البلدة، تطلب من السكان إخلاءها، وهو الطلب الذي لم يستجب
له سوى أعداد قليلة من أصل قرابة 14 ألف نسمة يسكنون البلدة الريفية؛ رغم أنه جرى تحديد
موعد بعد ثلاثة أيام لبدء عملية كبيرة في البلدة.
وقال قديح لمراسلنا:
"مرت ليلة (20-7) بهدوء، وهو ما طمأن الناس سكان البلدة، حتى أن جزءاً ممن غادرها
عادوا إليها بعد الاتصال بمن بقي في البلدة".
حالة الهدوء سرعان ما تبددت
مساء اليوم التالي، عندما أطلقت طائرات الاحتلال الحربية، صاروخاً استهدف الطريق العام
المؤدي للبلدة بحيث قطع حركة السيارات عن بلدة عبسان الكبيرة، بالتوازي مع قصف مدفعي
استهدف الأطراف الشرقية للبلدة مع إطلاق غازات سامة وخانقة.
دفعت هذه التطورات أعدادًا
إضافية من الأهالي لمغادرة البلدة، خاصة أن القصف اشتدت وتيرته في اليوم التالي
(22-7) الذي تميز باستخدام القذائف المسمارية والغازية؛ فيما بدا محاولات محمومة لإجبار
السكان على الرحيل، وهو الأمر الذي لم يستجب له الآلاف الذين أصروا على الصمود في منازلهم.
اقتحام البلدة
ويكمل المهندس إياد النجار
في حديثه لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" جانباً من الرواية: "مع أذان
عشاء (22-7) أصبحت أصوات الانفجارات عنيفة وضخمة وفي وسط البلدة، وبالكاد استطاع عدد
ممن استطاعوا الوصول للمسجد لأداء صلاة العشاء المغادرة إلى المنازل الملاصقة للمسجد،
وبدأت من حينه ليلة ساخنة وقاسية بكل معنى الكلمة، أصوات انفجارات تسمع ولا يعرف ما
هي الأهداف".
ومع تقدم ساعات المساء والليل،
بدأ الأهالي يدركون أن قوات الاحتلال اقتحمت البلدة من الجهة الغربية، حيث قامت تلك
القوات بالتوغل عبر عملية التفافية انطلاقاً من شرق منطقة الفخاري وعبر منطقة أبو طعيمة
في عبسان الكبيرة، جنوب شرقي البلدة، ومن ثم الالتفاف ومحاصرة البلدة من جهتها الغربية،
حيث تم إقامة مركز تجمع كبير على مساحة تقارب 3 كم2، وإحاطته بالسواتر الرملية.
الحصار ومحاولة
الجلاء الأولى
وعاد الدكتور النجار يستكمل
فصول المأساة، خاصة أن عيادته باتت محور الأحداث، فمع ساعات الصباح أضحت قوات الاحتلال
داخل البلدة وعلى أسطح بعض منازلها، وباتت محاصرة من جميع الجهات.
وقال: "صباح الأربعاء
(23-7) كان الوضع مخيفاً والناس في حالة توتر وقلق، حوالي ثلاثة آلاف شخص تجمعوا، اتصلنا
على الصليب، أردنا الخروج، قلنا طالما أن الصليب موجود على مدخل البلدة فلنتوجه له
ولا ننتظره، وأن الخيار الأفضل هو التحرك نحو مدخل خزاعة بشكل جماعي".
بدأ المواطنون بالتحرك بشكل
جماعي، خلع الشباب ملابسهم العلوية خشية التعرض لإطلاق نار من الاحتلال، تم رفع رايات
بيضاء، وكان التجمع يضم فئات متنوعة من كبار السن والشباب والأطفال والنساء.
وقال: "انطلقنا بالفعل
وعندما وصلنا مدخل خزاعة تفاجأنا بعدم وجود سيارات للصليب الأحمر، أو الإسعاف، في المقابل
وجدنا هناك 4 دبابات لقوات الاحتلال وتمركز لقناصة الاحتلال في عدد من المنازل العالية
بالمنطقة".
مجزرة
دقائق مرت لتبدأ قوات الاحتلال
بإطلاق النار المباشر باتجاه مئات المواطنين المتجمعين بشكل عشوائي من اتجاهات متعددة،
لتبدأ محاولة النجاة والفرار فيما استشهد من استشهد (مسن والمقعدة غدير النجار) حيث
بقيا في المكان حتى تم انتشالهم في وقت الهدنة بعد قرابة 10 أيام، بينما أصيب حوالي
30 شخصا جرى نقلهم لعيادة الدكتور قديح.
بدا التأثر على الدكتور
قديح وهو يتذكر هذه اللحظات، وقال: "عملت على تقديم الإسعاف بمساعدة بعض المتطوعين،
اتصلت على الإسعاف وكذلك الصليب الأحمر، وأبلغتهم بالعدد الكبير من الإصابات وأن بينها
إصابات خطيرة، وأن جميعهم مدنيون وبينهم أطفال ونساء حوامل، دون جدوى".
استهداف العيادة
لم تتوقف الأمور عند هذا
الحد؛ فقد أقدمت طائرات الاحتلال مساء اليوم نفسه وأثناء معالجة المصابين بإطلاق صاروخين
في فناء العيادة، حيث كان يتكدس الجرحى ليصاب الطبيب بجروح، ويستشهد شقيقه أحمد
(23 عاماً) بينما كان يساعده، كما أصيب ما لا يقل عن 30 شخصاً جددًا، من ضمنهم بعض
الجرحى الذين أصيبوا بإطلاق النار صباحاً، ما تسبب بمضاعفة إصاباتهم.
لم تكتف قوات الاحتلال بما
حدث، فبدأ قناصة الاحتلال المتواجدين في منزلين مجاورين بإطلاق النار بشكل متقطع باتجاه
مكان تواجد الجرحى في العيادة، قبل أن تعاود طائرات الاحتلال بدون طيار، قصف محيط المكان
بصاروخ أدى إلى استشهاد المواطن رامي رائد رتبي قديح (20 عاماً)، وإصابة الطفل بدر
حاتم عميش (قديح)، وتم نقله إلى عيادتي، وكانت إصابته خفيفة.
هروب وسط النيران
وتدخل الشاب محمد قديح ليكمل
تفاصيل المأساة: "مع اشتداد وتيرة القصف، هربنا من العيادة عبر النافذة إلى المنزل
المجاور، ومنه إلى المنازل المجاورة جنوباً، وتوجه غالبيتنا إلى منزل عبد المالك محمد
أبو رجيلة والحاج كامل محمد قديح، وأخذنا معنا الجرحى".
"كررت قوات الاحتلال
استهدافها للمنزل الذي لجأ إليه الفارّون من الموت من زقاق إلى آخر، وفجر الخميس ألقت
قوات الاحتلال قنبلة غاز على المنزل، ما تسبب بحالات اختناق واحتقان شديدة، وحرقة في
العينين لغالبية الموجودين، الذين كان عددهم حوالي 250 شخصاً على الأقل".
وتابع "بعد ساعتين
أطلقت طائرة بدون طيار صاروخاً على مدخل المنزل ما أدى إلى فتح الباب الحديدي بشكل
عشوائي، ما تسبب بإصابتنا بحالة فزع وخوف، فبدأنا الهرب مجدداً من المنزل والمنزل الآخر،
وتوجهنا إلى شارع صلاح الدين المجاور الذي يقع جنوب العيادة".
قصف متكرر أثناء
الفرار
بدأت الأعداد تتزايد حتى
وصلت قرابة 1500 شخص، يسيرون على الطريق وسط رؤية محدودة بسبب الغاز الذي أطلقته قوات
الاحتلال، وأثناء المسير أطلقت طائرة دون طيار صاروخاً في محيط المشردين الهاربين،
فأصيب الطفل المصاب أصلاً بدر حاتم عميش بشكل مباشر في البطن، وخرجت أجزاء ما أحشائه،
حيث استشهد لاحقاً بعد عدة ساعات.
وأضاف "واصلنا المسير،
مئات الأمتار، في الطريق شاهدنا أعدادًا كبيرة من الدبابات.. الطريق كانت وعرة جداً
بسبب حركة الدبابات عليها.. طلب منا جنود الاحتلال التوقف ومن ثم الجلوس على الأرض،
لاحظنا أنهم يقومون بتصويرنا بواسطة كاميرات كانت معهم.. بعد 10 دقائق، سمحوا لنا بالمسير".
وتابع "سرنا حوالي
3 كم باتجاه منطقة عبسان الكبيرة حيث بدا أننا نقترب من النجاة وخلال ذلك تجدد القصف
في محيطنا ليستشهد المسن إسماعيل حسن خليل أبو رجيلة (61 عاماً)، والمواطن نافذ سليمان
قديح (45 عاماً)، وابنته دولت (24 عاماً)، ولما وصلنا أطراف عبسان قدمت سيارات إسعاف
ونقلت بعض كبار السن والجرحى إلى المستشفى، لينتهي هذا الفصل من مأساة تهجيرنا القسري
عن بلدتنا".
حصار وصمود
ومع خروج غالبية سكان البلدة
بقي العشرات منهم محاصرين في منازلهم لم يستطيعوا الخروج منها وعاشوا الأهوال وسط القصف
والتدمير الممنهج الذي استخدمت فيه قوات الاحتلال لأول مرة البراميل المتفجرة، واستمرت
البلدة محاصرة بالكامل حتى تاريخ (3-8) سمح خلالها مرتين لطواقم الإسعاف بالمرور لانتشال
جثامين الشهداء التي وجدت في الشوارع.
بعد انسحاب الاحتلال من
البلدة تجلت فصول المأساة عن تدمير أكثر من 400 منزل بشكل كلي، و720 بشكل جزئي، وتدمير
6 مساجد، بينما أحصي استشهاد 85 مواطنا من سكان البلدة، وتدمير بنيتها التحتية بالكامل.
ومع كل الدمار الذي حل بالبلدة،
يشعر السكان بالفخر للصمود الأسطوري الذي أبداه السكان والأداء المبهر للمقاومين الذين
صمدوا في قلب المعركة رغم قطع خطوط الإمداد لتنجلي الحقائق عن عمليات نوعية للمقاومة
كادت إحداها تنجح في أسر أحد الجنود لولا أن تدخلت قوات الاحتلال لتقصفه مع المقاومين
لتمنع عملية الأسر.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام