القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

دراسة: مأساة الأردنيين من أصل فلسطيني ما زالت تتفاقم

دراسة: مأساة الأردنيين من أصل فلسطيني ما زالت تتفاقم
سحب الجنسية من مواطنين أردنيين مقيمين في الضفة الغربية يخالف القانون
 

الإثنين، 04 حزيران، 2012

خلصت دراسة قانونية تناولت الوضع القانوني للأردني من أصل فلسطيني إلى نتائج غير مسبوقة أو لا يعرفها الرأي العام بخصوص واحدة من أكثر القضايا التي تثير نقاشاً حاداً في الأردن، وخصوصاً بعد موجات الربيع العربي والحراك الداخلي.

وتؤكد الدراسة التي أُعلنت باسم المبادرة الأردنية لمواطنة متساوية، إلى أن مأساة الأردنيين من أصل فلسطيني، وتحديداً من أبناء الضفة الغربية، ما زالت تتفاعل وتتفاقم؛ فصلاحية سحب جواز السفر تنازل مجلس الوزراء عنها لدائرة المتابعة والتفتيش التابعة لوزارة الداخلية، وهذه الدائرة تتوسع في تحديد شروط سحب الجنسية، والأهم أغلق القضاء في وجه أي دعوى قضائية يقيمها مواطن أردني ضد قرار سحب جنسيته، بمقولة أن الأمر يتعلق بشؤون السيادة.

وصدرت الدراسة عن اللجنة القانونية التابعة للمبادرة الأردنية من أجل مواطنة متساوية بقلم الدكتور أنيس القاسم، وتكشف الدراسة التي حصلت مجلة «العودة» على نسخة منها قبل نشرها رسمياً تفاصيل وحيثيات لم تكن معروفة للرأي العام في الضفتين قبل ذلك.

ووضعت الدراسة خلفية للحدث عندما سردت تفاصيل ما حصل عام 1948، حيث دخل الجيش العربي الأردني فلسطين في19/5/1948، وأعلنت الأحكام العرفية في المناطق الفلسطينية التي وقعت تحت سيطرة الجيش وعُيِّن عمر مطر حاكماً عسكرياً للمنطقة، وأصبحت تدار بقانون الدفاع الصادر في عام 1935. وبتاريخ 20/12/1949، صدر عن مجلس الوزراء قانون إضافي لقانون الجنسية الأردني الصادر في عام 1928. نص التعديل في المادة الثانية منه على أن "جميع المقيمين عادة عند نفاذ هذا القانون في شرق الأردن أو في المنطقة الغربية التي تدار من قبل المملكة الأردنية الهاشمية ممن يحملون الجنسية الفلسطينية يعتبرون أنهم حازوا الجنسية الأردنية ويتمتعون بجميع ما للأردنيين من حقوق ويتحملون ما عليهم من واجبات”.

وقالت الدراسة: بعد مراجعة أعداد جريدة "فلسطين” خلال فترة إصدار تعديل قانون الجنسية، لا يوجد هناك أية إشارة إلى أن وجهاء أو مخاتير أو رؤساء البلديات في الضفة الغربية أو بعضهم طلب من الحكومة الأردنية إكساء الفلسطينيين بالجنسية الأردنية. وفي حال غياب ما ينقض هذا القول، فإن النتيجة الحتمية للتعديل، وهو أنه تمّ فرض الجنسية الأردنية فرضاً على الفلسطينيين. كذلك إن الأثر القانوني المباشر لفرض الجنسية الأردنية على الفلسطينيين هو أنه تمّ ـ عملياً ـ شطب الجنسية الفلسطينية التي نظمها قانون الجنسية الفلسطيني الصادر في عام 1925.

واستطردت الدراسة في الحديث عن تثبيت وقائع ما حصل عام 1948 ولاحقاً عامي 1949 و1950 بقرار وحدة الضفتين عبر قانون الجنسية الأردنية وتعديلاته لعام 1954 الذي جاء ليكرس القناعة الدستورية بأن الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية (حازوا) الجنسية الأردنية بقرار دستوري ناضج، ويمكن ببساطة هنا ـ حسب الدكتور علوان ـ ملاحظة أن مفردة (حازوا) تختلف تماماً عن مفردة (منحوا)، حيث كشفت الدراسة لأول مرة عن هذا الموضوع بعد إصرار عشرات السياسيين والمثقفين على (منح) السلطات الأردنية الجنسية لأبناء الضفة الغربية، الأمر الذي أثبتت الدراسة أنه ليس صحيحاً إطلاقاً، بسبب القوة الدستورية لتعبير (حازوا).

وتطرقت الدراسة إلى البعد الدستوري الإيجابي الذي وضع ضمانات في مسألة الجنسية، وحتى في مسألة سحبها.

وتفحصت الدراسة خطاب الملك حسين الشهير الذي أعلن فيه بتاريخ 31/7/1988 فكّ الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، ولاحظت أن الملك حسين هنا تقصّد أن لا يأخذ خطابه شكل الوثيقة القانونية بمعنى ترجمته على شكل تشريع أو على شكل قرار مجلس وزراء، ما يبقي الخطاب سياسياً. لكن مجلس الوزراء بعد الخطاب، وبتاريخ 20/8/1988 أصدر تعليمات لاحظت الدراسة أنها ما زالت سريا، ولم تعلن في الجريدة الرسمية ولا في بلاغ رسمي ولا من طريق الناطق الرسمي باسم الحكومة.

وقالت الدراسة بهذا الصدد: يفهم من مجموع ما تمت لملمته من تصريحات من أن الأردنيين المقيمين عادة في الضفة الغربية لم يعودوا أردنيين، أي إنهم جُردوا من الجنسية الأردنية في ليلة واحدة من دون مقدمات أو تمهيد أو تحذير أو تنبيه. وقد تأثر بهذه التعليمات أكثر من مليوني شخص، هم المقيمون في الضفة الغربية؛ إذ أصبحوا عديمي الجنسية. حاولت الحكومة الأردنية أن تتستر على هذه الجريمة بمقولة أنهم أصبحوا "فلسطينيين”، إلا أن هذا القول لا يستقيم وصلاحية الدولة في تحديد جنسيه الآخرين. فالأردن يستطيع أن يحدد جنسية "الأردني”، إلا أنه لا يستطيع تحديد جنسية المصريين أو الألمان أو الأتراك، وبالتالي لا يملك صلاحية تحديد جنسية هؤلاء بأنهم فلسطينيون.

ومن المهم ملاحظة أن سحب الجنسية الأردنية من مواطنين أردنيين مقيمين في الضفة الغربية قد تمّ بالمخالفة للإجراءات الواردة في قانون الجنسية الوارد ذكرها أعلاه، وبالمخالفة لمعايير القانون الدولي الخاصة بالجنسية، كذلك جُرِّد هؤلاء الأردنيون من جنسيتهم، وهم واقعون تحت الاحتلال الإسرائيلي، ما يحرمهم الحماية الدبلوماسيه للدولة الأردنية، وهي دولة ذات سيادة وطرف في اتفاقيات جنيف.

وفندت الدراسة بعد تفسيرات الإدارة الأردنية التي تقول بأن السلطات تسحب الرقم الوطني فقط، لا الجنسية، حيث يظهر قانون الأحوال المدنية الأردني أن الرقم الوطني هو الجنسية عملياً؛ لأن القانون ينص على أن الرقم الوطني لا يمنح إلا للأردني، بمعنى أن فقدانه يعني أن المعنيّ لم يعد أردنياً.

وتدّعي الأجهزة أن ما تقوم به من إجراءات هو دعم للأشقاء الفلسطينيين في الصمود في وجه العدو الصهيوني الذي يخطط لإخلاء الأراضي المحتلة من سكانها وإفساح المجال للاستيطان الصهيوني. لا جدال في صحة هذا القول، إلا أنه في الواقع يحتاج إلى تفسير من الأجهزة لكي تشرح لنا كيف يمكن إحباط المخطط الصهيوني بتجريد الأردني من أصل فلسطيني من حقوق المواطنة، ولا سيما أن الأجهزة تمنح هذا المواطن حق الإقامة في الأردن من دون حقوق المواطنة. ولا تجهد الأجهزة نفسها في أن تشرح لنا كيف تُحارَب المخططات الإسرائيلية بينما الأردن دخل في تعهد دولي في نطاق معاهدة وادي عربة بتوطين اللاجئين الفلسطينيين. أي إن ما تقوم به الأجهزة هو تقويض لالتزام دولي تعهدته الدولة الأردنية. فكيف يستقيم هذا الموقف من تلك التعهدات القانونية الدولية؟

وتقول الأجهزة – تتابع الدراسة- إنها تفرق في تصرفاتها بين حملة البطاقة الخضراء عن حملة البطاقة الصفراء، وتعتبر الفئة الأولى فلسطينيين بحكم الإقامة الاعتيادية في الضفة الغربية؛ فهؤلاء يجرَّدون من جنسيتهم، بينما تتمتع الفئة الثانية بكل ما للأردنيين من حقوق وما عليهم من التزامات. إن الوقائع والممارسة العملية تدحض هذا القول؛ إذ إن حملة البطاقة الصفراء والمقيمين في الأردن يتعرضون لتهديدات ومضايقات ومناورات من الأجهزة، تجعل من حياتهم قلقاً مستمراً. وهنا يثور السؤال المؤلم: ما هي الضمانة التي لا ينتهي فيها الأمر مع حملة البطاقة الصفراء كما انتهى مع حملة البطاقة الخضراء؟

إن هذا السلوك للأجهزة المسؤولة عن موضوع سحب الجنسية من أردنيين من ذوي أصول فلسطينية منافٍ للدستور والقانون، ويتنافى مع العلاقات التاريخية التي تجمع الناس على ضفتي الأردن. إنه سلوك يؤدي إلى ضعضعة الوضع الداخلي وتشقق النسيج الاجتماعي، ما يسهّل على العدو التاريخي التسلل من خلال هذه التشققات لابتزاز الأردن، مسؤولين وقادة ونخباً وطنية.

وقالت الدراسة: هكذا تتمثل مأساة الأردنيين من أصول فلسطينية في القرارات التي تصدر عن الدولة الأردنية من دون التشاور مع الجانب الفلسطيني أو التنسيق معه. ففي 20/12/1949، أفاق الفلسطينيون، فإذا هم أردنيون. وفي 20/8/1988 أفاق الفلسطينيون ـ الأردنيون، فإذا هم بلا جنسية.

وبحكم ارتباط وحدة الضفتين عام 1950 وما ترتب عليه من وحدة جغرافية على الضفتين معاً، وما ترتب عليه من منح الجنسيات للاجئين الفلسطينيين في عهد وحدة الضفتين، صدر دستور عام 1952 الذي يمثل العقد الاجتماعي بين السكان في ضفتي النهر تجسيداً وتطبيقاً لقرار وحدة الضفتين.

وشرّع في عهد وحدة الارتباط (وحدة الضفتين)، فلا حاجة إلى قانون ليشير إلى موضوع الارتباط؛ لأن الدستور في جميع بنوده مبنيّ على قرار وحدة الضفتين وله قوة قانونية أعلى من القانون. وهنا نتطرق إلى المادة الأولى التي تنص على أن (المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه، والشعب الأردني جزء من الأمة العربية...). بناءً عليه، إنّ الأرض الأردنية حسب الدستور الأردني لعام 1952 هي الضفتان الشرقية والغربية، والشعب الأردني المشار إليه في الدستور الأردني هو سكان الضفتين معاً.

بناءً عليه، فقد مُنحت الجنسية الأردنية للاجئين الفلسطينيين في الأردن، وأصبحوا يعاملون على أنهم مواطنون أردنيون بالقانون ويطبق عليهم ما يطبق على المواطن الأردني.

ومع ذلك المنح للجنسيات، غُيِّب تماماً وضع قانون يساعد على ضمان حقوق اللاجئين الذين لم يمنحهم الارتباط الجنسية، ومنهم أبناء قطاع غزة.

كذلك يحظى أغلب اللاجئين الفلسطينيين في الأردن بحقوق مواطنة كاملة، ويبقى الذين هجّروا إلى غزة في عام 1948 ومن ثم إلى الأردن عام 1967 من دون التمتع بكامل الحقوق الاجتماعية والمدنية.

ورغم قرار الضم، وتجنيس اللاجئين الفلسطينيين، إلا أن حقوق المواطنة بحسب حقوقيين يرون أنها ما زالت في جانب منها نظرية؛ فاللاجئون الفلسطينيون ما زالوا يتمتعون بوضعية سياسية وقانونية خاصة؛ إذ لا يشاركون، على سبيل المثال، بالانتخابات البلدية والقروية. وحتى النظام الانتخابي النيابي يحد من تمثيل الأردنيين من أصل فلسطيني في مجلس النواب.

المصدر: أحمد سعد الدين – مجلة العودة العدد الـ57