رمضان فلسطينيي سورية في لبنان.. لا تنسوهم فالمعاناة ما زالت قائمة
بقلم: محمد عيسى
خاص لاجئ نت
هموم وآلام، ظلمٌ وظلام، كل هذا وأكثر يواجهه فلسطينيو سورية المهجرون إلى مخيمات
لبنان. يأتي رمضان المبارك وحياتهم تزداد صعوبة في ظلِّ واقعٍ مأساويٍ كبيرٍ بعد نزوحهم
قسراً من مخيماتهم في سورية إلى لبنان، هذه النكبة الجديدة التي تشبه نكبة أهلنا في
عام 1948 حيث نُصبت الخيام لهم في بعض التجمعات، والتحفوا السماء، وعَلَا صراخُ الأطفال
وضجيجهم، وتسابق الناس إلى المؤسسات الإغاثية الكثيرة لكن دون فائدة حقيقية تذكر.
المعاناة كبيرة في هذه المأساة الجديدة، فجهود الأونروا مخجلة، بل هي تتهرب
من مسؤولياتها في كثيرٍ من القرارات لا سيما القرار الأخير الذي يقضي بتقليص المساعدات
المالية ابتداءً من شهر تموز 2015م.
وفي انتظار العودة التي تبدو طويلة وصعبة، حلَّ عليهم شهر رمضان المبارك ليكشف
بعضاً من معاناتهم التي تزداد يوماً بعد يوم وما زالوا ينتظرون حلاَ جذرياً لخلاص قضيتهم.
حططنا رحالنا في مخيم نهر البارد، هذا المخيم الذي لجأ إليه نحو (600) عائلة
فلسطينية من مخيمات سورية وسط ظروف إنسانية صعبة، بهدف تسليط الضوء على مرارة هجرتهم
لعل تحقيقنا يطرق أسماع المعنيين.
المأوى ليس مأوى
يعيش أكثر من 100 عائلة من اللاجئين في منطقة «بركسات الحديد» التي كانت مخصصة
لمنكوبي مخيم نهر البارد سابقاً. بدأوا صيام شهر رمضان مع حرٍّ شديدٍ ومأوىً حديدي
يشوي أجسادهم في فترة الظهيرة، (فالباراكس) لا يقيهم حرّ الصيف ولا برد الشتاء القارس.
دمعت عينا اللاجئ الفلسطيني أبو محمد (50 سنة) حين قال: ها قد جاء رمضان الثالث
وأنا بعيد عن بيتي في مخيم اليرموك، الألم يعتصر قلبي رزقني الله تعالى ثمانية أولاد
ولا أدري كيف أؤمن لهم قوتَ يومهم وتكاليف تعليمهم وكسوتهم، قُصِفَ بيتي بصاروخ طائرة.
آخ. بنيته بعرق جبيني، لطالما اقتصدنا وحرمنا أنفسنا حتى نبنيه وها أنا اليوم مهجر
إلى لبنان أعاني مرارة النكبة وبيتي أصبح ركاماً.
وتابع قائلاً: المرض هدّني وتكاليف العلاج عالية وباهظة والمساعدات الإنسانية
ضئيلة، ورمضان المبارك جاء وأنا بالكاد أؤمن إفطاراً وسحوراً لأولادي، فأين المؤسسات
الإغاثية والفصائل التي تقول إنها تمثل الشعب الفلسطيني؟! الواقع سيئ، ونسأل الله أن
يرزقنا الصبر.
مأساة أخرى
أم علي (38 سنة)، المهجرة من مخيم سبينة في ريف دمشق، علمت بحضورنا فجاءت على
عجل لتبثّ همها وتذرف دمعها أسىً وحزناً على مصابها تقول: (أنا أرملة وعندي أربع بنات
صغار، قتل زوجي في مثل هذه الأيام منذ عامين عندما كان في طريقه للعمل، رصاصة قناص
حرمتني وبناتي منه، يمرُّ رمضان وأستذكر تلك الأيام القاسية، ولا يوجد مساعدات إغاثية
إلا ما ندر، وإن وجدت فنحصل عليها بعد مشوار من الذل والانكسار على أبواب الجمعيات،
بنتي الصغيرة روان (5 سنوات) مريضة بالربو، وجوّ مخيم نهر البارد لا يناسبها بسبب الرطوبة
العالية وكلفة الدواء عالية من أين أحصل عليها؟!
وتتابع: (تركت في مخيمي قلبي وروحي، فقد استشهد أبي وأخواي في قذيفة هاون، واستشهد
زوجي، وها أنا اليوم أحضن بناتي الصغار على أمل العودة.
معاناة لا توصف
دخلت علينا اللاجئة تماضر أم أحمد (43 سنة) قالت وهي تبكي: (في رمضان قبل عامين،
كنا في منزلنا مطمئنين، والسعادة تملأ بيتنا. والآن نصوم ونحن مهجرون مشرودن ولا نقدر
أن نقضي أبسط حاجاتنا إلا بشقِّ الأنفس، فزوجي مشلول لا يستطيع العمل ولا يوجد من يُعيل
أسرتنا، ولا يوجد أي عمل لنعيش منه، أصبحت أشحد حتى لا أموت من الجوع. أين الجمعيات
الإغاثية وأين القيادات التي تتكفل بالنازحين؟! هل جاء أحدهم وسألنا ماذا ستفطرون بعدَ
يومٍ متعب تحت أشعة الشمس الحارقة؟ كثيرةٌ تلك الأيام التي لا نجد فيها ما نأكل.
ألم وأمل
تجولنا في المخيم والتقينا بذاك الشاب الفتي عدنان (22 سنة) رحب بنا مبتسماً
وقال: الحمد لله نحن بخير سندرس ونعمل ونقوى ونعود أفضل مما كنّا، أنا معيل لأسرتي
عندي 5 أخوات وأنا وحيدهم ووالدي في عداد المفقودين أدرس في كلية اللغة العربية في
الجامعة اللبنانية وأعمل بعد الدوام على (بسطتي) المتواضعة، رمضان شهر خير وبركة، نعم
لقد كان رمضان في مخيم الحسينية تحفُّهُ أجواء العبادة والطاعة والهمة في ظلال أسرتي،
كنت أذهب مع والدي إلى المسجد لنصلي التروايح، أما اليوم فأنا وحيد لا يرافقني أحد،
رمضان حافزٌ لي على التغيير والتطوير وطلب العون من الله، وأملي بالله كبير وأنا على
يقين أن العودة لمخيمي ثم لقريتي في فلسطين قريبة وقريبة جداً.