سكان «اليرموك» يختبرون نزوحاً
ثانياً في مخيمات لبنان
السبت، 22
كانون الأول، 2012
في احد منازل مخيم شاتيلا للاجئين
الفلسطينيين في بيروت، تقول ام خليل وهي تحمل طفلها «الفلسطيني يتحمل دائما، لكن الاطفال
لا يفهمون معنى التحمل ... وان تعجز عن ان توفر لهم الحليب او الحفاضات، او ان يعيشوا
حياة صعبة».
مثل الكثيرين من مواطنيها، عرفت
ام خليل هجرات متعاقبة. عائلتها قدمت الى سوريا من شمال فلسطين في العام 1948 ضمن موجات
الهجرة الضخمة التي اعقبت اعلان قيام دولة اسرائيل. واضطرت هي في الايام الاخيرة الى
مغادرة منزلها في مخيم اليرموك في جنوب دمشق، جراء الغارات الجوية والاشتباكات بين
معارضي نظام الرئيس بشار الاسد والموالين له.
وعبر الى لبنان في الايام الاخيرة نحو 2,800 نازح فلسطيني من مخيم اليرموك،
واقامت ام خليل في منزل مستأجر في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت. وحال
ام خليل كحال ام محمد، التي تشكو من ارتفاع كلفة المعيشة في العاصمة اللبنانية «ليس
لدينا اي شيء على الاطلاق ... المعيشة هنا صعبة جدا جدا». تضيف «بيوتنا كلها راحت في
اليرموك. الناس هنا اعطونا فرشة وغطاء وبعض الاغراض».
في منزل صغير شبه مظلم يستأجره
في شاتيلا، يقول احمد (60 عاما) «نحن الفلسطينيون نتنقل طوال الوقت. اعتدنا على التهجير».
وفي هذا المنزل الذي انتقل اليه مع عائلته يضطر احمد الى «الاقتصاد في استهلاك الكهرباء»،
بعدما كان يعيش «في وضع جيد» في دمشق. ومع
تسرب مياه الامطارالى داخل المنازل في المخيم حيث تتبلل الفرش الصغيرة، يتخوف احمد
من شتاء صعب على عائلته المؤلفة من سبعة افراد، لا سيما وانها لا تملك سوى اربعة اغطية. كانت اميرة تبيع مثل الاغطية الشتوية في مخيم درعا
للاجئين بجنوب سوريا، الذي غادرته قبل شهر بعدما وزعت كل بضاعتها على العائلات الباقية
في المخيم، الاكثر تضررا جراء النزاع . وتقول
وهي تحمل ابنتها الرضيعة التي لا يزيد عمرها عن ثلاثة اشهر «عندما سقطت قذيفتان الى
جانب المنزل، قررت الرحيل. قمت بذلك من اجل الاطفال، من اجل ابنتي الصغيرة التي لم
اتمكن من توفير الحليب لها مدة 15 يوما».
وفي المنزل المؤلف من غرفتين
والذي يبلغ بدل ايجاره الشهري 300 دولار ويأوي العائلة التي تضم اربعة ابناء، يقول
سالم زوج اميرة «التهجير؟ هو حياتنا منذ العام 1948». ويحاول سالم بصعوبة توفير مقومات الحياة لعائلته
وبدل الايجار، في ظل تكلفة معيشية اكثر ارتفاعا في لبنان، وصعوبة الحصول على عمل دائم،
ما يدفعه الى مزاولة وظائف موقتة لبضعة ايام شهريا. وبحسب وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين «الاونروا»، قدم اكثر من عشرة آلاف لاجىء فلسطيني الى لبنان جراء النزاع
السوري المستمر منذ منتصف آذار2011. لكن عمليات النزوح تزايدت بعد اعمال العنف التي
شهدها مخيم اليرموك هذا الاسبوع، ما دفع نحو 2,800 فلسطيني للعبور الى لبنان في اربعة
ايام. الكثير من هؤلاء يشعرون بانهم متروكون.
ويقول سالم «ثمة هيئات لاغاثة
النازحين السوريين في لبنان، وثمة مساعدات
للاجئين الفلسطينيين في لبنان، لكن لا شيء يقدم للفلسطينيين الذين قدموا من سوريا الى
لبنان». ويوضح اسامة، وهو صديق فلسطيني لسالم
مقيم في لبنان، «بالنسبة للفلسطينيين في سوريا، التهجير الثاني اكثر صعوبة. جده (في
اشارة الى سالم) هاجر من فلسطين الى سوريا، وهو شخصيا لم يعرف تهجير العام 1948، لكنه
الآن يختبر ما عاشه اجداده».
ومع هذه الموجة الجديدة، يكتشف
هؤلاء اللاجئون الصعوبات التي يعانيها اترابهم في لبنان، من صعوبة الحصول على عمل،
الى الكلفة المعيشية المرتفعة والظروف القاسية في المخيمات. وبعكس اوضاعهم في لبنان، تمتع فلسطينيو سوريا بالحقوق
نفسها للمواطنين السوريين، بحسب ما يقول الكاتب الفلسطيني سلامة كيلة، الذي طرد من
سوريا بعدما اعتقل وعذب على ايدي اجهزة المخابرات. ويشير الى انه في حين يمنع على الفلسطينيين مزاولة
مهن عدة في لبنان، يحتل احدهم منصب مساعد وزير الدفاع في سوريا. وبسبب هذا الاندماج
القوي في المجتمع، اندفع الفلسطينيون وسط النزاع السوري. ويقول كيلة هامش معرض للكتاب العربي في بيروت «الفلسطينيون
يعيشون كل ما يجري في سوريا. وبعكس المسنين، يشعر الجيل الشاب انه سوري بقدر ما هو
فلسطيني». ويتحسر محمد (23 عاما) الذي يقيم
في شاتيلا مع زوجته الحامل وطفلهما البالغ من العمر تسعة اشهر، على حياته في اليرموك.
ويقول «في سوريا، كنا نعامل تماما كالسوريين»، ويشير على سبيل المثال انه «في حال ارتكاب
فلسطيني مخالفة ما، كان يوقف مثله مثل اي سوري».
ويعتبر هذا الشاب المؤيد للرئيس
السوري بشار الاسد ان المقاتلين المعارضين «قضوا على بلد عرفنا فيه الامان والمعيشة
غير المكلفة». لكن الفلسطينيين ما زالوا مجمعين، رغم الدمار واعمال العنف، على العودة
الى سوريا «قبل العودة طبعا الى فلسطين».
المصدر: جريدة الدستور الاردنية