القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان: هل ثمة غطاء دولي وعربي لنزعه؟


الخميس، 03 كانون الثاني، 2025

هل بات الوضع مهيّأً لسحب سلاح الفصائل الفلسطينية داخل مخيمات لبنان؟ عاد هذا السؤال ليطرح في الأوساط السياسية والأمنية اللبنانية، خصوصاً بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل حيّز التنفيذ، وتصريح مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، بشأن القرار 1701، والذي أكد فيه أن الاتفاق يشمل لبنان بأكمله، وليس جنوب الليطاني فحسب، ويتناول مسألة نزع سلاح جميع المجموعات المسلّحة بما يشمل السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها.

ومما زاد من الحديث عن الموضوع كمسألة مطروحة لحلها بشكل نهائي، تسلّم الجيش اللبناني قبل أيام ثلاثة مراكز عسكرية كانت تابعة لفصائل فلسطينية في البقاع الغربي والبقاع الأوسط، وفي منطقة راشيا، عقب سقوط النظام السوري الذي كان داعماً لهذه الفصائل.

تكتسب قضية السلاح في المخيمات الفلسطينية أهمية خاصة نظراً لتداعياتها على أكثر من صعيد، فهي لا تقتصر على الجانب الأمني والعسكري، بل تمتد لتشمل جوانب سياسية واجتماعية واقتصادية وإنسانية. وتُطرح هذه القضية اليوم في سياق إقليمي ودولي مُعقّد يتّسم بالتوتّر المستمر بين لبنان وإسرائيل، وخصوصاً بعد الحرب، وتدخّل قوى إقليمية ودولية في الشؤون اللبنانية. كذلك تُطرح في ظل وضع داخلي لبناني هشّ تشوبه انقسامات سياسية حادة، وأزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة، مع استمرار أزمة الشغور الرئاسي.

أبو العردات: سنلتزم القرارات التي تتخذها السلطات اللبنانية

وفي هذا السياق، يقول أمين سر حركة "فتح" في لبنان فتحي أبو العردات، تعليقاً على مستقبل السلاح، إن الحركة كانت دائماً تحت سقف القانون، وهي على علاقة جيدة بالقوى الأمنية اللبنانية.

ويضيف في حديث لـ"النهار" أن قرار تنظيم السلاح داخل المخيمات شأن لبناني. "نحن لا نتدخل في هذا الشأن، بل سنلتزم بالقرارات التي تتخذها السلطات اللبنانية لضمان أمن البلاد واستقرارها. فنحن ضيوف هنا في هذا البلد الذي استضافنا لسنوات، وبالتالي الحركة تبدي استعدادها لبحث كافة سبل التعاون الممكنة مع الدولة".

وعن عودة الحديث عن مسألة السلاح في ظل التطورات الأخيرة التي فرضتها الحرب، يقول أبو العردات إن تنظيم الأمر "كان ولا يزال يحتاج إلى الكثير من جلسات الحوار والتواصل للوصول إلى السبل الممكنة، وسبق أن تم الحديث بشأنه مع الدولة اللبنانية، إلا أن ظروفاً عدة طرأت وعطّلت الحوار القائم وأدّت إلى تأجيل الحديث في هذا الأمر".

وبشأن الظروف التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون داخل المخيمات، يعلّق أبو العردات أن "الأونروا معنية بتحسين الظروف المعيشية للاجئين. إلا أن الدولة اللبنانية أيضاً عليها حماية الحقوق الأساسية، كحقّ العمل وحق الامتلاك وحق التنقل والدراسة" وغيرها.

ويتابع: "نحن نعيش علاقة في هذا البلد بمنطق أن لنا بالطبع حقوقاً وعلى الدولة تأمينها، ولكن أيضاً علينا واجبات ويجب علينا الالتزام بها تجاه هذا البلد المضيف".

مشروع إسرائيلي - أميركي

الحديث عن نزع السلاح الفلسطيني "جزء من مشروع إسرائيلي – أميركي يستهدف تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال التوطين والتهجير"، يقول مسؤول "الجبهة الديموقراطية" في مخيم عين الحلوة فؤاد عثمان.

ويضيف في حديث لـ"النهار": "هذا المشروع يحاول استغلال الظروف السياسية والاقتصادية في لبنان للضغط باتجاه نزع السلاح. إلا أن رئيس الحكومة اللبنانية أشار إلى أن الأولوية الآن هي انتخاب رئيس جديد للبنان، وتأجيل البحث في قضية السلاح الفلسطيني إلى مرحلة لاحقة في إطار الحوار الفلسطيني - اللبناني".

ويتابع: "نحن كفلسطينيين نؤكد أن السلاح ليس للاستخدام العشوائي، بل للدفاع المشروع عن النفس. ولذلك، نؤيد تنظيم هذا السلاح ضمن آليات واضحة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، بما يضمن استقرار المخيمات وحمايتها من العدوان الإسرائيلي".

ويشير عثمان إلى أن "قضية السلاح الفلسطيني في لبنان لطالما كانت مسألة حساسة ومحل جدل واسع. هذا السلاح مرتبط تاريخياً بقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، ولا يمكن فصله عن هذه القضية المركزية. الفلسطينيون يعتبرون أن تجربة خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت عام 1982 خلال الاجتياح الإسرائيلي كانت درساً مؤلماً، إذ تعرض اللاجئون حينها لمجازر شنيعة. وفي الوقت الراهن، مع استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، يبرز سؤال مهم: إذا تم تسليم السلاح الفلسطيني للسلطات اللبنانية، ما الضمانات لعدم وقوع اعتداءات على المخيمات؟ الفلسطينيون ينظرون إلى سلاحهم كوسيلة للدفاع عن المخيمات ضد أي عدوان محتمل".

ويلفت عثمان إلى "ضرورة فتح حوار فلسطيني- لبناني شامل لتنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان، بعيداً عن الفوضى. هذا الحوار يجب أن يتناول القضايا الحقوقية والإنسانية، مثل حق الفلسطينيين في التملك، وحق العمل، وهم محرومون من مثل هذه الحقوق حتى الآن".

الحاجة إلى "ضمانات مهمة"

"الشعب الفلسطيني في لبنان تحت سقف القانون ولكنه يحتاج إلى ضمانات مهمة جداً، وهي مرتبطة بالعدو الإسرائيلي"، يجيب الصحافي والناشط الفلسطيني في لبنان زاهر أبو حمدة على سؤال "النهار" عن الأجواء المسيطرة داخل المخيمات بشأن سحب السلاح.

ويقول: "بالنسبة إلى الفصائل المسلحة فالحرب الأخيرة أثبتت أن إسرائيل يمكن أن تدخل إلى المخيمات الفلسطينية، لذا يحتاج هؤلاء إلى الدفاع عن أنفسهم بوجه إسرائيل، وهو أمر يسهل حلّه إذا طبّق القانون ودخل الجيش اللبناني إلى المخيمات وفق آلية معينة وتنسيق مع الفصائل، وأي قرار سياسي لبناني بحاجة لغطاء عربي".

ويؤكد أن ساكني المخيمات "يحتاجون إلى تطمينات بحصولهم على الحقوق الأساسية، إضافة إلى تطبيق الإجراءات الأمنية، مع مراعاة خصوصيات المخيمات كالسماح للأهالي بإدخال مواد البناء، وهو أمر ممنوع الآن في بعض المخيمات خصوصاً في الجنوب".

وبشأن العوائق التي تمنع تسليم السلاح، يرى أبو حمدة أنها "تتعلق بالشأن اللبناني. فالأطراف الفلسطينية كانت منفتحة على الحوار وتنفيذ الاتفاقات. أما اليوم فالأمر مختلف ومسألة السلاح أصبحت على نار حامية جداً، ويمكن تسليمه باعتباره سلاحاً فردياً لا يشمل معدات ثقيلة. وإذا انتهت الحاجة لأن تكون المخيمات بريداً سياسياً وأمنياً تستعمله الدولة اللبنانية والأطراف السياسية متى شاءت كما حصل في أحداث مخيم نهر البارد واشتباكات الضنية أواخر التسعينات، عندما حصل اتفاق غير رسمي لنقل المسلحين إلى داخل مخيم عين الحلوة، عندها يصبح التسليم سهلاً وممكناً".

محطات السلاح الفلسطيني في لبنان

تعود جذور حمل السلاح في المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى النكبة عام 1948، حيث وجد اللاجئون الفلسطينيون أنفسهم في وضع هشّ يفتقر إلى الحماية والأمن. في البداية، كان حمل السلاح يهدف إلى الدفاع الذاتي في مواجهة الاعتداءات والهجمات. ومع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 وتصاعد العمل الفدائي، اكتسب السلاح بعداً مهمّاً كأداة للمقاومة والنضال من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية.

شكّل "اتفاق القاهرة" عام 1969 نقطة تحوّل محورية، إذ منح الفلسطينيين حق إدارة شؤونهم داخل المخيمات، بما في ذلك حق حمل السلاح. وجاء هذا الاتفاق في سياق تصاعد العمل الفدائي انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، وتنامي قوة المنظمات الفلسطينية. إلا أن هذا الاتفاق أثار جدلاً واسعاً بشأن سيادة الدولة اللبنانية، وأدى إلى توترات واشتباكات متكررة بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية، بلغت ذروتها في الحرب الأهلية اللبنانية.

شكّل "اتفاق الطائف" عام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، محاولة لإعادة بناء الدولة اللبنانية على أسس جديدة، من بينها نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. إلا أن تطبيق هذا البند على المخيمات الفلسطينية بقي موضع خلاف، إذ يرى البعض أن سلاح المخيمات يشكل خروجاً على سيادة الدولة، بينما يعتبره البعض الآخر ضرورة للدفاع عن النفس في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية.

واليوم، السلاح موجود بشكل متفاوت في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وتسيطر الفصائل الفلسطينية المختلفة على مناطق نفوذها. وتثير هذه المسألة قلقاً لدى بعض الأطراف اللبنانية، التي تخشى من تكرار تجربة الماضي، واستخدام المخيمات كمنطلق لأعمال مسلحة داخلية كما حصل في مرات عدة.

علاقة "سلبية"

يتحدث الباحث والكاتب الفلسطيني صقر أبو فخر عن العلاقة بين الفلسطينيين في المخيمات والدولة اللبنانية، واصفاً إياهاً بـ"السلبية منذ عام 1948"، مضيفاً: "رغم أن الدولة اللبنانية رحبت باللاجئين على لسان رئيس الجمهورية آنذاك بشارة الخوري، لكن لم يطل الأمر حتى منعت السلطات الفلسطينيين من الوجود عند الحدود بسبب الخوف من أن يؤدي التسلل والتسلل المضاد إلى مشاكل مع إسرائيل. ووضعت الدولة مخفراً عند تخوم كل مخيم لمراقبة السكان حتى عام 1969 عندما انتفض الفلسطينيون على هذا الأمر، ليتم توقيع اتفاق القاهرة آنذاك وتصبح العلاقة محكومة بهذا الاتفاق. إلا أن الدولة اللبنانية لم تنظر يوماً بعين إيجابية للسلاح الفلسطيني الذي بدأ بكميات صغيرة وتحوّل ليكون غابة، خصوصاً بعد قيام الحرب الأهلية، إما انخراطاً في الحرب، إما للدفاع عن النفس، وإن كانت الدولة لا تدخل إلى المخيمات بل تبقى في الخارج، ما خفف في ما بعد من الاحتكاك المباشر مع الأجهزة الأمنية".

وقد أثّر السلاح على علاقة السكان بالمجتمع اللبناني سلباً وإيجاباً. فالعديد من الأحزاب اللبنانية تدرب منتسبوها داخل المخيمات، مما أدى لتكوين علاقات طيبة بأهالي المخيم، بحسب أبو فخر. ويقول: "يمكن أن نقول أن لا صدامات حصلت مباشرة مع المجتمع اللبناني، بل إن أحداثاً متفرقة حصلت مع أحزاب سياسية آنذاك، ولا علاقة مباشرة لها بالمجتمع اللبناني ككل".

وقد تغيّر التعاطي الرسمي تبعاً للتطورات الراهنة. وبحسب أبو فخر، "اختارت الدولة اللبنانية هذا الوضع الراهن مع وقف الحرب وسقوط النظام السوري لنزع سلاح بعض المعسكرات الفلسطينية خارج المخيمات، كقوسايا وأنفاق الناعمة التي أصبحت بلا قيمة فعلية بعد خروج إسرائيل عام 1982 من لبنان. في السابق، طالب الحزب بنفق الناعمة لحماية الطريق إلى الجنوب. أما اليوم، فأصبح لا يستعمل في المقاومة، ولا في حماية الطرق، لذلك تحرّك الدولة اللبنانية كان يجب أن يحصل منذ أعوام".

في الآونة الأخيرة، كثر الحديث في الشارع السياسي اللبناني عن السيناريوهات المحتملة للسلاح. وعن هذا الأمر يقول أبو فخر إن "الظروف الراهنة تتغير بكثرة، لكن الأمر الضاغط هو الوضع اللبناني والوضع السوري المستحدث، بالتالي لن يبقى سلاح في المخيمات، وليس من الضروري أن يبقى. لقد دعوت الدولة منذ أكثر من 20 سنة في مقالاتي المتكررة إلى الدخول إلى المخيمات لحماية سكان المخيمات من الاشتباكات الداخلية، وهذا هو الأثر السلبي للسلاح على السكان، وهو ما أثر سلباً على نظرة المجتمع اللبناني للمخيمات. لذلك السلاح الفلسطيني لم يعد يحمي الفلسطينيين. ومع الأخذ في الاعتبار تطبيق القانون في المخيمات وإعطاء الحقوق الكاملة للاجئين، صار الوقت يحتمل تنفيذ هذه الخطة الشاملة".

على رغم التطورات الأخيرة، مثل تسليم بعض المواقع خارج المخيمات وتصاعد الأصوات المطالبة بضبط السلاح وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار، لا يمكن الجزم بقرب تسليم السلاح في المدى القريب. فهل تستغل الدولة الظروف المحيطة لحل هذه المسألة الشائكة؟