سيدة «القمح» تتحدى موقع «كسوفيم»!
الجمعة، 29
أيار، 2015
منذ عشرة أيام تتردد السيدة "أم منار"
في الوصول إلى سنابل القمح المحاذية لبوابة موقع "كسوفيم" العسكري أكبر مواقع
الاحتلال على حدود غزة الشرقية؛ فإطلاق النار المتقطع على المزارعين يزيد من مخاوفها
في الوصول إلى أرضها.
أخيراً حسمت أمرها، واصطحبت صغارها متوجهة إلى
أرضها التي لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن الموقع العسكري الشهير بأبراجه التي تفتح
النار بشكل آلي على كل متحرك في المنطقة المحاذية لبوابته الرئيسة.
تنحني "أم أمنار" لدقيقة
مختفيةً وسط السنابل الذهبية وتعتدل قابضة على حزمة من القمح لا يظلّلها سوى منطاد
المراقبة والتصوير الذي نصبه الاحتلال فوق المنطقة بينما يفتح البرج العسكري المقابل
لأرضها بين حين وآخر قبته الصفراء مشهراً رشاشاً معروف محليًّا اسم "يرى ويطلق".
حصاد مبكر
معظم المزارعين في المنطقة المقابلة للموقع على
بعد 300 متر حصدوا قمحهم هذا الموسم مبكراً، خوفاً من طائرات الاحتلال الزراعية التي
أتلفت محاصيل الخضروات الشهر الماضي، ولم تبق سوى "أم منار" التي تعد أرضها
الأقرب لميدان إطلاق النار.
على هضبة مرتفعة زرعتها بالقمح يلهو أطفال
"أم منار" لا يشاركها فعلياً في الحصاد سوى ابنتها "تغريد" التي
عادت منذ قليل من آخر امتحان مدرسي فتوجهت مباشرة للوفاء بعهد قطعته مع أمها لمشاركتها
الرحلة.
وعملاً بتقاليد المنطقة الحدودية؛
ترفض "أم منار" التقاط صورة لها ولو من بعيد وتخفي نصف وجهها بغطاء رأسها،
مؤكدةً أنها المرة الأولى التي تزرع فيها تلك الأرض منذ انتهاء الحرب.
وتضيف في حديث لمراسلنا: "لم نتمكن من وضع
السماد؛ لذا فإن حبوب القمح ضعيفة نسبياً رغم أن موسم الأمطار كانت خصباً، وقد سبق
وصولنا إطلاق النار بجوارنا ونحن في الأيام العادية لا نصل هنا؛ والآن لا بفصلنا سوى
عشرات الأمتار عن الجيش".
لم تكد تنهي عبارتها حتى تحركت
قبة الموقع العسكري وبرز من هامتها رشاش آلي من عيار ثقيل وهو أمر اعتادته "أم
منار" التي تنشغل منذ يومين بالحصاد لا يسليها سوى أطفالها الذين وصلوا لمنطقة
محرمة عليهم منذ انتهاء الحرب.
شاي الظهيرة
وزادت موجة الحرّ الشديدة التي ضربت قطاع غزة
من مشقة رحلة الحصاد ما دفع "أم منار" لاصطحاب إبريق شاي تنوي شربه في استراحة
الظهيرة لأنه يبدد العطش- كما تقول.
وتتابع: "اليوم سأظل هنا في الظهيرة المنطقة؛
فالمنطقة خالية من فمعظم الناس على مسافة أبعد من أرضي حصدوا مبكرا خوفاً من طائرات
الاحتلال التي رشت مبيدات قبل شهر وخوفاً من قنابل الإنارة التي تحرق القمح والشعير
الجاف".
تمسح العرق المتصبب من جبهتها وتقول إن الاحتلال
حرق محصولها قبل 3 سنوات، لكنها هذه السنة قررت زراعة القمح للاستعانة على مصروف أسرتها
المكونة من 10 أفراد معظمهم أطفال.
على بعد أمتار من حصّة "أم منار" في
الحصاد تغرق الطفلة "تغريد" 13 سنة في مهمة اضطرارية فكونها أكبر أشقائها
لم ترض أن تترك أمها وحيدة تقوم بالمهمة الشاقة والخطرة في آن واحد.
وتقول: "عدت للتو من آخر امتحان
مدرسي.. الحصاد هنا صعب وخطير وكثيراً ما يطلقون النار حولنا، وأحياناً أهرب من المكان
لكننا لا بد أن نحصد القمح فقد تأخرنا ونخشى أن يجرفوا الأرض لأنها قريبة جداً منهم
ونخاف أن يحرقوها بقنابل الإنارة".
وتتوسط الطرق الطينية المتعرجة
من أثر تجريف الاحتلال المتكرر للمنطقة الحدودية مكعبات من "التبن" جهزها
المزارعون ليبيعوها لتجار الماشية بعد أن أوشكوا على ختام موسم حصاد القمح والشعير.
أكثر من يعرف تفاصيل زراعة الحبوب في المنطقة
المحاذية لموقع "كسوفيم" هو المهندس أحمد عبد الهادي، مدير وزارة الزراعة
بمحافظة الوسطى، والذي بدا مستبشراً بموسم القمح هذه السنة.
ويؤكد عبد الهادي أن بعض الأراضي الحدودية في
قرية وادي السلقا الحدودية أنتجت 200 كيلو قمح للدونم الواحد حسب الإحصاءات الأولية
بينما زادت الكمية في الأراضي التي رواها المزارعون بمياه زيادة عن مياه الأمطار.
ويضيف: "كل الأراضي المقابلة لموقع كسوفيم
موسمها جيد باستثناء بعضها الذي لم يتمكن المزارعون من رعايتها جيداً بسبب خطورة المكان
وتعرض بعض المحاصيل لمبيدات رشتها طائرات الاحتلال الزراعية".
ودأب مزارعو الحدود في كل
سنة على الاحتفال بموسم القمح الذي بدا جيداً هذا العام لكن بعضهم يبدي تخوّفاً منذ
أيام بعد أن تعرض قطاع غزة لموجة غارات ليلية قد تتبدد معها إذا تكررت أحلام الموسم.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام