بقاء الحالة العسكرية في مخيم نهر البارد
إجراء غير دستوري وهو يشكل مخالفة صريحة للشرعة الدولية لحقوق الإنسان
الجمعة، 29 حزيران، 2012
بيروت، لاجئ نت
أصدرت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان «شاهد» قراء قانونية بخصوص الحالة العسكرية في مخيم نهر البارد وصل شبكة «لاجئ نت» نسخة منه رأت فيه أن إزالة الحالة العسكرية عن مخيم نهر البارد بعد زوال أسبابها، هو الطريق الأقصر والأسلم والأفضل لتجاوز أزمة انسانية كبيرة قد تستثمر سياسياً هنا وهناك، وجاء التقرير على الشكل الآتي:
تقديم
تشهد سبعة مخيمات فلسطينية من أصل إثنى عشر مخيماً، تقييداً كبيراً على حرية الحركة والتنقل، أشبه ما يكون بالحصار الأمني، وتحاط مداخل هذه المخيمات الفرعية بالكتل الاسمنتية والأسلاك الشائكة، وتوضع نقاط تفتيش للجيش اللبناني عند تخومها.
بعد أحداث نهر البارد في 20/5/2007، انتقل التقييد على حركة الفلسطينيين إلى الشمال، وبات مخيم نهر البارد عنواناً جديداً لانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان من بينها حرية الحركة والتنقل. ووفق توصيف العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية فإن مخيم نهر البارد يعاني فعلياً من حصار أمني خانق على مختلف أوجه الحياة فيه.
في 15/6/2012 قتل الطفل الفلسطيني أحمد عادل أنيس قاسم (17 عاماً) برصاص الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد كما جرح خمسة أشخاص آخرين. إثر هذه الحادثة طرحت عدة تساؤلات قانونية حول هذا الأمر منها؛ هل أن إعلان مخيم نهر البارد منذ تاريخ 20/5/2007 منطقة عسكرية من قبل الجيش اللبناني هو إجراء دستوري يتوافق مع الدستور اللبناني ومؤسسات الدولة الرسمية (مجلس الوزراء ومجلس النواب)، وهل إعلان حالة الطوارئ في تلك المنطقة يتوافق مع المعايير الدولية، لا سيما ما ورد في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان؟ وهل يجوز من ناحية قانونية أن تستمر حالة الطوارئ لمدة خمس سنوات متواصلة، مع غياب الأسباب التى دعت إليها منذ فترة طويلة؟ ما هي المسؤولية الدولية تجاه الحكومة اللبنانية إزاء كل هذه الأوضاع؟
أولاً: قبل الدخول في الإجابة عن هذه التساؤلات لا بد من عرض تاريخي سريع عن أحداث مخيم نهر البارد.
في 20/5/2007 اعتدت عناصر من تنظيم فتح الإسلام على عناصر من الجيش اللبناني كانت تتمركز في مراكز محاذية لمخيم نهر البارد، ثم تطورت الأمور بشكل سريع جداً. رد الجيش اللبناني على مراكز تنظيم فتح الإسلام الموجودة في المخيم، ومن ثم دارت معارك ضارية بين الطرفين (الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام). خلال الأيام الأولى لبدء المعارك، غادر سكان المخيم مناطق القتال وتوجهوا إلى أماكن أكثر أمناً.
انتهت المعارك رسمياً في 3/9/2007، قتل من الجيش اللبناني حوالي 169 عنصراً، كما قتل من المدنيين حوالي 40 مدنياً فلسطينياً، في حين تم القضاء على تنظيم فتح الإسلام بين قتل وأسر وفرار.
في المقابل تم تدمير المخيم القديم بالكامل، ومنذ تلك اللحظة ومخيم نهر البارد يعيش حالة عسكرية، حيث أوجد الجيش مراكز له داخل المخيم وعلى مداخله، وأخضع سكان المخيم لأشكال مختلفة من التصاريح، قيّدت بشكل كبير حرية الحركة والمرور، سواء كان ذلك لسكان المخيم أنفسهم أم للزائرين والتجار وسواهم. ومنذ تلك اللحظة ومع الوعود الكثيرة بالإعمار وتخفيف الحالة العسكرية عن المخيم، إلا أن الوقائع الميدانية تشير بخلاف ذلك تماماً. فعملية الإعمار تسير ببطء شديد (خلال خمس سنوات تم بناء رزمتين من أصل 7 رزم، مواصفات البناء لا تلبي حاجة السكان الحقيقية..)، أما إجراءات الجيش داخل المخيم وعلى مداخله فلم تتحسن إلا بشكل طفيف. هذا الأمر أصاب بشكل مباشر حق الناس في التحرك والتنقل، كما أصاب الاقتصاد داخل المخيم بمقتل.
ثانياً: التقييم القانوني دولياً لإعلان مخيم نهر البارد منطقة عسكرية والإجراءات الناتجة عن ذلك:
1. القانون الدولي لحقوق الإنسان وحرية الحركة والتنقل:
v الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، يعتبر أهم وثيقة تتعلق بحقوق الإنسان، وقد ألزم لبنان نفسه باحترامها عندما ذكر ذلك صراحة في مقدمة الدستور التي تعتبر جزءاً لا يتجزء منه.
تنص المادة 13 منه:
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، وقد صادق لبنان على العهد بتاريخ في 3 تشرين الثاني 1972.
1. لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته.
2. لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده.
3. لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متماشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد.
4. لا يجوز حرمان أحد، تعسفاً، من حق الدخول إلى بلده.
الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، تنص المادة الخامسة منه على أنه لكل فرد الحق في حرية الحركة والإقامة والمسكن داخل حدود الدولة دون تمييز.
يلاحظ من خلال الاتفاقيات الدولية أنها لم تحدد جنسية الفرد بل كانت العبارة مطلقة بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الجنسية. لأن القوانين الدولية لحقوق الإنسان تعمل على إلغاء التمييز بين الناس.
2. تقييد حرية الحركة والتنقل في ظل حالة الطوارئ
تناولت أغلب المعاهدات والصكوك الدولية حالة الطوارئ ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، حيث نصت المادة الرابعة منه على أنه "في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تهدد حياة الأمة والمعلن عن قيامها رسمياً يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي، وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي".
ونصت الفقرة (1) من المادة (15) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950 على ما يلي: "في حالة الحرب أو الخطر العام الذي يهدد حياة الأمة يجوز لكل طرف سام متعاقد أن يتخذ تدابير تخالف الالتزامات المنصوص عليها في هذا الميثاق في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع وبشرط أن لا تتناقض هذه التدابير مع بقية الالتزامات المنبثقة عن القانون الدولي".
ثالثا: التقييم القانوني لإعلان مخيم نهر البارد منطقة عسكرية والإجراءات الناتجة بموجب القوانين المحلية:
1. القوانين اللبنانية وحرية الحركة والتنقل:
تنص المادة السابعة من الدستور اللبناني على ما يلي:
"كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم". ومع أن الدستور قد ربط التمتع بالحقوق المدنية والسياسية بشرط (المواطنة) الجنسية اللبنانية، إلا أن مقدمة الدستور في المقابل ألزمت لبنان باحترام كافة التعهدات الدولية بحقوق الإنسان، لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومعروف أن المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية في لبنان تعطي الأولية في التطبيق للقوانين الدولية على القوانين المحلية.
2. تقييد حرية الحركة عند إعلان حالة الطوارئ أو منطقة عسكرية يتطلب إجراءات محددة:
الفقرة الخامسة من المادة 65 من الدستور اللبناني (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990) تنص: يجتمع مجلس الوزراء دورياً في مقر خاص ويترأس رئيس الجمهورية جلساته عندما يحضر. ويكون النصاب القانوني لانعقاده أكثرية ثلثي أعضائه، ويتخذ قراراته توافقياً. فإذا تعذر ذلك فبالتصويت، ويتخذ قراراته بأكثرية الحضور. أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها. ويعتبر مواضيع أساسية ما يأتي:
تعديل الدستور، إعلان حالة الطوارئ وإلغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، الاتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى، تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها، إعادة النظر في التقسيم الإداري، حل مجلس النواب، قانون الانتخابات، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية، إقالة الوزراء.
المادة 2 من المرسوم الإشتراعي رقم 52 في 5/8/1967 "تعلن حالة الطوارئ أو المنطقة العسكرية في مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء على أن يجتمع مجلس النواب للنظر في هذه التدابير في مهلة ثمانية أيام وإن لم يكن في دورة الانعقاد.
وتفسر ذات المادة متى تعلن حالة الطوارئ أو المنطقة العسكرية، وذلك عندما تتعرض البلاد لخطر كبير ناتج عن حرب خارجية، أو ثورة مسلحة، أو اضطرابات تهدد الأمن العام والنظام، على أن تتولى السلطة العسكرية المحافظة على الأمن بمساعدة كافة الأجهزة الأمنية التي يحق لها اتخاذ تدابير يفترض أنها تقيد حقوق الإنسان. وينظر مجلس النواب بهذه التدابير في مهلة ثمانية أيام فإن لم يوافق على إعلان حالة الطوارئ أو منطقة عسكرية اعتبرت هذه التدابير لاغية.
ومع أن المرسوم الاشتراعي رقم1، الصادر في 26/9/1994، قد نص على إجازة تكليف الجيش بالمحافظة على الأمن في المنطقة أو المناطق التي تتعرض لأعمال تضر بسلامتها، ومنح قائد الجيش صلاحيات اتخاذ التدابير الكفيلة بالمحافظة على الأمن، وأحال كل الأعمال المخلة بالأمن إلى المحاكم العسكرية، إلا أن ذلك لا يعطي الجيش اللبناني صلاحيات مطلقة. وتنتهي هذه الصلاحيات بانتهاء الإعلان عن المنطقة العسكرية.
إذن يفترض أن يتم إعلان حالة الطوارئ أو منطقة عسكرية في إطار تشريعات وإجراءات قانونية واضحة، ولوقت محدود تنتهي بانتهاء هذه الحالة.
فهل التزم لبنان بالقانون الدولي لحقوق الإنسان المتعلق بحرية الحركة للسكان أو بالدستور اللبناني وبالمرسوم الإشتراعي رقم 52 لعام 1967؟
في التطبيق
مخيم نهر البارد حالة عملية:
في 20/5/2007 نشبت حرب بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام الذي اتخذ من مخيم نهر البارد مقراً له. انتهت الحرب في 3/9/2007، مخلفة وراءها نتائج إنسانية مروعة، فقد سقط 169 عسكرياً من الجيش اللبناني، وعشرات آخرين من تنظيم فتح الإسلام، كما ألقي القبض على عشرات آخرين. في حين سقط قرابة 40 مدني فلسطيني، كما أسفرت الحرب عن تدمير كامل لمخيم نهر البارد القديم، وتدمير جزئي لمخيم نهر البارد الجديد أو المنطقة المحاذية للمخيم.
بعد انتهاء العمليات العسكرية تعاملت السلطات اللبنانية مع مخيم نهر البارد وسكانه على أنها منطقة عسكرية بكل معنى الكلمة. وقد كانت المقاربة الأمنية لكل الملفات الإنسانية هي الأكثر استعمالاً.
في تصريح للنائب أسامة سعد للوكالة الوطنية في 22/11/2008 تحدث واصفاً السلطة السياسية بأنها تتعاطى بشكل أمني صرف مع ملف الوجود الفلسطيني في لبنان، رافضة التعامل مع أبناء هذا الشعب بصفتهم أصحاب قضية لهم حقوق سياسية ومدنية. كما قالت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية (HRW) في 13/5/2009 بأن "ممارسات السلطات تتمثل في التعامل مع الفلسطينيين من زاوية أمنية في الغالب".
إن إعلان مخيم نهر البارد منطقة عسكرية هذا يعني أن جميع سكان المخيم هم موضع شبهة وشك، كما أن تعامل جنود عسكريين مع مدنيين بشكل دائم يؤدي حتماً إلى انتهاك لحقوق الإنسان.
أولا: حرية الحركة:
يفرض الجيش اللبناني قيود شديدة على حرية حركة سكان المخيم أو الزائرين سواء كانوا لبنانيين أو فلسطينيين. وهناك خمس نقاط تفتيش على مداخل مخيم نهر البارد وهي العبدة، البيادر، المحمرة، المنية وبحنين. وتختلف الإجراءات بين نقطة وأخرى ووقت لآخر لجهة التشدد. أما طريقة التفتيش فهي نمطية حيث يلزم سكان المخيم بإبراز بطاقة الهوية الزرقاء وتصريح الدخول. إن كان الداخل لبنانياً يكفي إبراز بطاقة الهوية ولكن من خلال مدخل واحد فقط وهي نقطة تفتيش العبدة. أما الأجانب بمن فيهم الفلسطينيون فعليهم إبراز الهوية وتصريح الدخول الخاص.
ويقوم الجيش اللبناني بإغلاق معابر دخول المخيم القديم، ومناطق أخرى سواء بداخله أو متاخمة له مثل المقابر، عبر استخدام مجموعة متنوعة من الوسائل المادية، من بينها الكتل الاسمنتية والأسلاك الشائكة. أما جهود إعادة إعمار المخيم القديم فتجري ببطئ شديد بسبب القيود المفروضة، كما لا يسمح لسكان المخيم القيام بإعادة الإعمار بأنفسهم، وكانو قد تلقوا وعوداً بأن يتم الانتهاء من إعادة الإعمار بأسرع وقت ممكن، ولكن لم يتم الإيفاء بهذا الوعد، ويسهم نظام التصاريح بشكل أو بآخر في تأخير عملية الإعمار.
وتتحدث المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق) في تقرير لها تحت عنوان القيود اللبنانية على حرية التنقل، حالة مخيم نهر البارد، تشرين ثاني 2010 بشكل مفصل على نظام التصاريح من مديرية الاستخبارات العسكرية في الجيش اللبناني والذي يذكّر بالقيود التي كانت مفروضة في نهاية الخمسينات وخلال الستينيات من قبل الاستخبارات اللبنانية المعروفة آنذاك المكتب الثاني متحكمة بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين كافة.
يفرض الجيش اللبناني قيوداً أخرى على تنقل اللاجئين الفلسطينيين، وذلك عندما فصل المنطقة التي كان يقطنها اللاجئون الفلسيطينيون قبل الاشتباكات إلى منطقتين جغرافين وهما المخيم القديم والمنطقة المتاخمة له أي المخيم الجديد، وقد حالت هذه القيود دون وصول السكان إلى المخيم القديم، بينما يخضع الوصول إلى المنطقة المتاخمة لشروط مختلفة مثل الحصول على تصريح إقامة للقاطنين فيها، وتصريح زيارة، والذي لا يمكن الحصول عليه دون تبرير سبب الزيارة. إن كل محاولة للوصول إلى المنطقة المتاخمة تنطوي على خسارة كبيرة للوقت ناهيك عن القلق واحتمالية الاحتكاك بالجنود.
يعدد تقرير "حقوق"، أنواع التصاريح وهي تصريح السكن، تصريح الزيارة، تصريح العمل، تصريح العمل في المنطقة المتاخمة، تصريح العمل في المخيم القديم. يشرح التقرير أوصاف هذه التصاريح والإجراءات المطلوبة لاستخراجها. والذي يجمع بين جميع هذه التصاريح أنها توجب على صاحب العلاقة زيارة مكتب مديرية الاستخبارات العسكرية في مدينة القبة.
ثانيا: تقسيم المخيم على إيقاع أمني:
لقد حولت السيطرة الأمنية والسياسية الجديدة مخيم نهر البارد إلى جزيرة أمنية أو "غيتو"، كما وصفت منظمة العفو الدولية في أحد تقاريرها. وحالت دون التواصل والمصاهرات اللبنانية الفلسطينية، وجعلت اقتصاد السوق في مخيم نهر البارد ركاماً من ذكريات. وقسم المخيم المدني إلى ثلاث غيتوهات أمنية، وأخضع المخيم كأحياء وعلاقات اجتماعية لتقسيم أمني. قسمت السلطات العسكرية المخيم إلى عدة مناطق يشار إليها بأحرف وأرقامِA, B, C, D, E، بالإضافة إلى برايم لكل حرف. وبذلك صارت أسماء حي الجليل والساحل والمهجرين والصمود وصفورية وعشرات أسماء الأحياء إلى أحرف وأرقام على إيقاع أمني.
ثالثا: الرقابة الأمنية على الإعلام:
هناك رقابة أمنية على الإعلام أيضاً، وقد لحظ التقرير السنوي لمنظمة لبنانية تعنى بحرية التعبير (سكايز للحريات الإعلامية والثقافية) في شباط 2009 يقول التقرير:" يستلزم الحصول على ترخيص من قبل لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني لأي إعلامي يريد دخول مخيم نهر البارد الفلسطيني شمال لبنان، على الرغم من توقف الأعمال العسكرية..."، وغالباً ما يمنع رجال الإعلام من زيارة مخيم نهر البارد للإطلاع على أوضاعه الداخلية والاستماع إلى شكاوى الناس هناك.
رابعا: الرقابة الأمنية على عملية الإعمار
يلعب الجيش اللبناني الدور المحوري في إدارة مخيم نهر البارد، يتضح ذلك من خلال ضرورة أخذ مواقفة الجيش اللبناني على مخططات الإعمار، لجهة بناء شبكة شوارع عريضة تسمح بتطبيق رقابة أمنية وعسكرية، وكذلك سكن اللاجئين في شقق متماثلة بغض النظر عن الأنماط وبناهم الاجتماعية التي كانوا يعيشون فيها، وكذلك مجارير الصرف الصحي بحيث يطلب الجيش أن تكون بمقاسات محددة. إن هذه الأمور من صلب عمل السلطات المدنية. والمتصفح لموقع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني على شبكة الانترنت يدرك مدى تدخل الجيش في تفاصيل الحياة المدنية للفلسطينيين في مخيم نهر البارد.
خامسا: انعكاسات سلبية أخرى:
ينعكس نظام التصاريح سلباً على حياة سكان مخيم نهر البارد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وحتى النفسي. كما ينعكس على إمكانية زيارة المقابر، فزيارة مقابر الأموات يعبر عن دافع إيماني وديني وإجتماعي. بموجب نظام التصاريح أصبح من الصعوبة بمكان لأي فلسطيني أن يقوم بزيارة قبر لقريب في أي وقت يشاء.
يترك تقييد حرية حركة الفلسطينيين عند مداخل مخيم نهر البارد أثراً نفسياً هائلاً، حيث يصطف الناس على مداخل المخيم، كبار وصغار رجال ونساء في الشتاء أو تحت لهيب الشمس، وقد جرت عمليات اعتقال عديدة شملت مسنين أحياناً لأسباب تتعلق بالضغط النفسي على الناس الناتج عن نظام التصاريح وإجراءات التفتيش، ويشعر سكان المخيم بأن الكرامة الإنسانية مهدورة عند نقاط التفتيش.
يتضح من خلال ما سبق أن التعاطي الأمني مع سكان مخيم نهر البارد ليس له أي سند قانوني وجيه.
في 21/9/2009 استضافت بيروت إطلاق التقرير السنوي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي[1]، وتقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009[2]، تحت عنوان "تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية". وبحسب كلمة كلوفيس مقصود رئيس المجلس الإستشاري التي قال فيها " إن التقرير قارب بين ما يهدد الأمن القومي من جهة وما يهدد أمن الإنسان من جهة أخرى. وتهديدات أمن الإنسان لا تكون فقط نتيجة جرائم ترتكب وحسب، بل ايضاً نتيجة شيوع أدوات القمع والتهميش لأنها تؤدي إلى شعور بالإذلال الذي بدوره يقارب مفارقة الحياة".
سادساً: نقاط جديرة بالاهتمام:
-
طرح في مؤتمر فينا للمانحين الدوليين لإعمار مخيم نهر البارد نقطة تتعلق بالشرطة المجتمعية. وتعتبر هذه الفكرة فاشلة قبل أن تولد لأنها تجري في سياق لبناني فلسطيني شديد التعقيد. وقد رفض المجتمع المحلي الفلسطيني المفترض به التشارك في صياغة هذا المفهوم ورفض تطبيقه، لأنها تكرس الحالة الأمنية.
-
حاول الناشطون في مخيم نهر البارد لفت الانتباه إلى الحصار المفروض على المخيم من خلال لقاءات وزيارات، لكنهم فشلوا، كما حاولوا من خلال اعتصامات ومذكرات، خصوصاً في بيروت، حيث وُصف هذا التحرك الشعبي من قبل لجنة الحوار بأنه اصطياد في الماء العكر، ولغاية الآن فشلت كل جولات الحوار الرسمية وحتى الشعبية لرفع الإجراءات غير الطبيعية عن مخيم نهر البارد.
-
في لقاء نظمته لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في طرابلس في 22/5/2009 تحدث في اللقاء ممثل عن المجتمع المدني في بلدة المنية المجاور للمخيم بوضوح ضد سياسية التصاريح الأمنية المسبقة لدخول المخيم. وكتب صحافيون لبنانيون بوضوح ضد سياسية التصريح المفروض على الإعلام.
-
تحدثت تقارير دولية عديدة عن واقع مخيم نهر البارد بأن نظام التصاريح والقيود المفروضة على حركة التنقل تعيق مشاريع منظمات دولية، لا سيما ما قاله مسؤول في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 22/5/2009.
-
ثمة شعور بأن حجب الحقائق عن الرأي العام اللبناني عما يعانيه مخيم نهر البارد من حصار يجعل السلطات اللبنانية بمعزل عن أي ضغط محلي لبناني وثمة مصلحطات عديدة يتم ترويجها في هذا الخصوص لا سيما عندما يشار إلى بوستر مرسوم عليها شجرة شهداء الجيش اللبناني وعلى جانبها نهر البارد وليس فتح الإسلام، في إشارة إلى مخيم نهر البارد بالتحديد، الأمر الذي يبرر لأي إجراء ضد سكان مخيم نهر البارد باعتبارهم هم الذين قتلوا عناصر الجيش.
-
ثمة شعور عميق آخر في نفوس الأهالي يتذكرون ما حدث معهم في فلسطين على الرغم من الاختلاف في الأسباب والمسببات، أن ما جرى في مخيم نهر البارد هو نكبة. فمثلما خرج أجدادهم من فلسطين بلا شيء، خرج سكان مخيم نهر البارد بلا شيء. وعلى الرغم من الكثير من التقارير التي تحدثت عن عمليات سرقة واسعة عندما كانت المنطقة واقعة تحت إشراف الجيش، كما أشارت منظمة العفو الدولية في تقرير لها في العام 2007، إلا أنه لم يجر أي تحقيق علني مستقل.
-
إن التبريرات اللبنانية للتعاطي الأمني مع سكان مخيم نهر البارد قديمة جديدة، منها أن الفلسطينيين تسببوا بالحرب الأهلية، ومنها أن المخيمات توفر بيئة خصبة للإرهاب الذي يزعزع أمن واستقرار لبنان، ومنها أن هذه الإجراءات لحماية المخيم، ومنها أن الجيش اللبناني دفع 169 شهيد في مخيم نهر البارد وهو مجروح (لا يشار إلى 40 مدني سقطوا، ولا يشار إلى أن المعركة كانت حصرياً بين الجيش اللبناني وبين تنظيم فتح الإسلام، بشهادة قائد الجيش السابق العماد ميشال سليمان).
سابعا وأخيرً:
خلاصة القول:
§ إن احترام القوانين اللبنانية المتعلقة بإعلان منطقة عسكرية، واحترام القوانين الدولية المتعلقة بحالات النزاع الداخلي، لا سيما البروتكول الإضافي لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1977، واحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما ما يتعلق بفرض حالات الطوارئ والمناطق العسكرية..
§ إن إعمال مبادئ حقوق الإنسان واحترام القوانين والأعراف الدولية يؤدي حتماً إلى بيئة إنسانية فاعلة ومنتجة قائمة على الاحترام المتبادل والمصلحة المتبادلة.
§ إن المقاربات الأمنية في التعاطي مع سكان مدنيين أمر خطير، ونادراً ما يؤدي إلى نتائج إيجابية.
§ إن إزالة الحالة العسكرية عن مخيم نهر البارد بعد زوال أسبابها، هو الطريق الأقصر والأسلم والأفضل لتجاوز أزمة انسانية كبيرة قد تستثمر سياسياً هنا وهناك.
المصدر: المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)
[1] تتلقى لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني دعما مالياً من منظمة الأمم المتحدة للتنمية UNDP
[2] يمكن الإطلاع على مخلص التقرير على صفحة منظمة الأم المتحدة للانماء من خلال الرابط التالي: http://www.undp.org.lb/communication/news/NewsDetail_ar.cfm?newsId=169