«شاهد»: من المسؤول عن تهجير سكان مخيم اليرموك؟ ومن يقدم الحاجات الأساسية لهم؟
السبت، 22 كانون الأول، 2012
بيروت، لاجئ نت
أصدرت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) تقريراً وصل شبكة«لاجئ نت»نسخة منه يرصد فيه أسباب خروج اللاجئين من مخيم اليرموك إلى لبنان ويتناول ظروفهم الإنسانية منذ لحظة الخروج إلى أماكن تشتتهم، وجاء التقرير على الشكل الآتي:
بعد تفاقم الأزمة السورية الداخلية منذ أكثر من سنة وثمانية أشهر وتعرض المخيمات والتجمعات الفلسطينية داخل سوريا الى القصف من قبل الأطراف المتنازعة، توسعت ساحة النزاع لتشمل وبشكل مباشر خلال الأيام القليلة الماضية المخيم الأكبر للاجئين الفلسطينيين داخل سوريا وهو مخيم اليرموك. تعرض مخيم اليرموك الى القصف المباشر بالطائرات الحربية والقصف المدفعي من العيار الثقيل وراجمات الصواريخ من قبل قوات الحكومة السورية. تقول الحكومة السورية أن هذا القصف هو رد على وجود الجيش السوري الحر داخل المخيم. وكان استهداف الطائرات الحربية السورية مسجد عبد القادر الحسيني قبل نحو أسبوع وسقوط العشرات بين قتيل وجريح نقطة تحول خطيرة في مسار الصراع الدائر حالياً بين الجيش السوري النظامي والجيش السوري الحر. هذا التطور المفاجئ والخطير دفع عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين هناك الى مغادرة منازلهم خلال ساعات محدودة بسبب التهديدات باقتحام المخيم من قبل القوات الحكومية السورية، حيث توجه البعض الى القرى والبلدات الآمنة داخل سوريا والبعض الآخر يعيش في الحدائق العامة وعند مداخل الأبنية، والبعض الآخر غادر سوريا عبر المعابر الأردنية واللبنانية.
وقد شهدت المعابر اللبنانية السورية وخصوصاً معبر المصنع ازدحاماً كبيراً للاجئين الفلسطينيين الفارين من الموت نتيجة هذا القصف والاشتباك المباشر بين الجيش السوري الحر والقوات الحكومية السورية، حيث توجه القسم الأكبر من هذه العائلات الى منطقة البقاع ومخيم الجليل، أما القسم الآخر فقد توجه الى المخيمات والتجمعات الفلسطينية الأخرى في لبنان.
يذكر أن "شاهد" قامت بالتواصل مع الأمن العام اللبناني في كثير من القضايا وفي أوقات سابقة لتسهيل عملية دخول بعض الأشخاص والسماح للعائلات بالإقامة المؤقتة في لبنان، وقد أصدرت "شاهد" قبل ذلك دراسة ميدانية بالتعاون مع منظمة اليونيسف، لتقصي احتياجات هذه العائلات الفلسطينية النازحة إلى لبنان وظروفها المعيشية والإنسانية.
ونتيجة للمناشدات الأخيرة التي أطلقها الأهالي وفعاليات منطقة البقاع، قام فريق عمل "شاهد" بالتوجه الى منطقة البقاع والقيام بجولة داخل مخيم الجليل للاطلاع على أحوال النازحين، التقى الفريق عدداً كبيراً من العائلات التي تقطّعت بها السبل وتعيش ظروفاً مأساوية في ظل البرد القارس، حيث افترش بعضهم الأرض والتحف السماء ليومين دون طعام أو شراب قبل أن تتمكن الجمعيات المحلية من تقديم المساعدة لهم، والبعض الآخر مُكدّس فوق بعضه البعض في غرف صغيرة دون فراش أو غطاء أو طعام كافٍ.
استطلع فريق "شاهد" أوضاعهم واستمع الى معاناتهم، حيث أجمع معظم اللاجئين عن حاجتهم الملحة الى الإيواء وتأمين الحد الأدنى من مستلزمات الحياة، مشيرين الى أن الأونروا لم تقم بدورها الحقيقي تجاههم، بل إن بعض الأهالي والجمعيات الأهلية كانت السبّاقة الى مساعدتهم رغم ظروفهم الإجتماعية الصعبة.
كما التقت "شاهد" منسق اللجان الشعبية في منطقة البقاع السيد خالد عثمان "ابو جهاد"، والذي ناشد عثمان من خلال "شاهد" كل من يعمل في الحقل الإغاثي على مد يد العون والغوث للنازحين في كل مكان، خاصة النازحين في البقاع. فالبرد قارس والعائلات تحتاج الى التدفئة والأغطية والملابس والغذاء المناسب. والأطفال تحتاج الى الغذاء الجيد. كما أشار عثمان الى تقصير واضح من قبل القوى السياسية الفلسطينية كافةً. وعن سؤالنا في "شاهد" عن إمكانية إقامة مراكز إيواء جماعية أسوةً بمخيم نهر البارد أشار عثمان بأن هذا الأمر قد تم عرضه على الجهات الرسمية اللبنانية لكنهم أبدو تخوفهم من هذا الأمر.
وتشير الإحصاءات الغير رسمية الأخيرة الى وجود ما يقارب من 13000 لاجئ فلسطيني موزعين على المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، وأن حوالي 3000 لاجئ قدموا خلال الأيام القليلة الماضة وأن العدد مرشح للزيادة.
وقد استخلص فريق العمل في "شاهد" جملة من الحقائق المرتبطة بأسباب خروج الفلسطينيين من اليرموك وظروف عيشهم في الوقت الحالي:
1-إن خروج سكان مخيم اليرموك من المخيم لم يكن اختيارياً بل كان قهرياً، أملته ظروف خطيرة للغاية. وقد تمت عملية الإخلاء خلال مدة زمنية لا تتجاوز الثلاث ساعات. حيث تدفق عشرات الآلاف خارج المخيم. وقد خرج الناس من المخيم بثيابهم فقط، حيث أن الوقت المحدود هذا لا يسمح بأكثر من ذلك، وهو موقف شبيه تماماً بما جرى في مخيم نهر البارد في 20/5/2007.
2-قبل بدء الأزمة في سوريا لم يكن مخيم اليرموك ولا أي مخيم فلسطيني آخر في سوريا منطقة عسكرية أو أمنية، بل كان المخيم متاحاً تماماً للأجهزة الأمنية السورية وللأجهزة الحكومية الأخرى، ولا توجد مظاهر مسلحة أبداً في المخيمات حتى في ظل الأزمة الأخيرة. ما جرى أن انتشار اللجان الشعبية المسلحة، والتي شكلها فصيل الجبهة الشعبية – القيادة العامة، في أحياء المخيم كانت نقطة تحول واضحة. ومع أن القيادة العامة تقول بأن هدفها هو حماية المخيم من "العصابات المسلحة" وحرصاً على أمن وسلامة سكانه، إلا أن الجيش السوري الحر كان يعتبر اللجان الشعبية المسلحة قوات حكومية سورية.
3-سهلت قوات الحكومة السورية خروج السكان من المخيم، وتوفرت وسائل نقل لهم لإخلائهم من المخيم، (باصات كبيرة) لمن كان عاجزاً عن الخروج.
4-حصلت اشتباكات وحرب شوارع بين الجيش السوري الحر واللجان الشعبية المسلحة، تمكن الجيش السوري الحر من السيطرة على المخيم. ولم تعرف الدوافع التي دفعت القيادة العامة لتشكيل اللجان الشعبية المسلحة وهل نسقت مع باقي القوى السياسية الفلسطينية الأخرى، أي هل اتخذ قراراً جماعياً حول هذه المسألة؟ كما لم تعرف الأسباب التي أدت إلى الاشتباكات بين الجيش السوري الحر وبين اللجان الشعبية المسلحة.
5-تم ترويج إشاعات قبل عدة أيام من أن قوات الحكومة السورية سوف تقصف المخيم، وقد انتشرت هذه الشائعات بشكل كبير جداً، مما جعل سكان المخيم يعيشون حالة رعب حقيقية، دفعت كثير منهم إلى التوجه إلى منطقة عين كرش (فرع الأمن العام الخاص بالشؤون الفلسطينية) لتسهيل خروجهم من سوريا، إما باتجاه الأردن أو لبنان، أو تركيا، أو العراق.
6-قبل قصف قوات الحكومة السورية مخيم اليرموك بشكل عنيف ومركّز، كانت تحصل اشتباكات محدودة نسبياً يتخللها استخدام قذائف الهاون وعمليات القنص المتبادلة، ورغم خطورة الوضع آنذاك، إلا أن سكان المخيم اعتادوا على ذلك، وكانوا يتنقلون من مكان آمن لآخر داخل المخيم.
7-كان يعيش في المخيم عدد هائل من النازحين السوريين الفارين من مناطق قتال مجاورة (الحجر الأسود، الميدان، التضامن، القدم) وقد قدرت جهات محلية عدد السكان في المخيم بحوالي مليون شخص بمن فيهم سكان المخيم الفلسطينيين.
8-عمليات الإغاثة كانت محدودة جداً، وقد شهد المخيم نقصاً حاداً في الخبز والمواد التموينية الأساسية، والمحروقات للتدفئة، فضلاً عن عدم توفر وسائل النقل. كل ذلك بسبب خطورة عمليات القنص والاشتباكات المحلية بين الجيش السوري الحر وبين اللجان الشعبية التابعة للقيادة العامة. وبحسب إفادات لاجئين فلسطينيين، فإن الأونروا وزعت ولمرة واحدة مساعدات مالية قدرت بـ 3000 ليرة سورية لكل نفر (حوالي 42 دولار أميركي). إلا أن كثيرين لم يتلقوا هذه المساعدة لصعوبة الوصول إلى مراكز الأونروا. ولم تستطع مؤسسات محلية أو دولية أخرى تقديم المساعدة لهم.
9-خلال الاشتباكات المحدودة أو الواسعة النطاق، لم تراع الأطراف المتنازعة قواعد القتال المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني خاصة في البرتوكول الإضافي الثاني المتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية لعام 1977. وانتهكت حقوق السكان المدنيين بشكل صارخ.
توصيات
1- دعوة الأطراف المتنازعة إلى إيقاف القتال فوراً ودون أي شروط، والسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى مخيماتهم، خاصة مخيم اليرموك. ودعوة الأطراف المتنازعة إلى الانسحاب فوراً من المخيمات الفلسطينية.
2- توفير الحماية اللازمة للمنظمات الدولية للقيام بواجبها الإنساني تجاه السكان المدنيين عامة واللاجئين الفلسطينيين خاصة، بما يمكّنها من تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، لا سيما وكالة الأونروا والصليب الأحمر الدولي ومنظمة اليونسيف.
3- توفير الدعم المالي اللازم للمنظمات الدولية والاستجابة لنداءات الاستغاثة التي تطلقها هذه المنظمات.
4- دعوة الحكومة اللبنانية والأردنية والتركية والعراقية إلى السماح ودون أي عقبات بدخول اللاجئين الفارين من القتال، إن استجابة الحكومات هذه هي استجابة لقواعد القانون الدولي الإنساني لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والبرتوكول الملحق الثاني بها لعام 1977، خاصة أن هذه الدول هي أطراف موقعة على هذه الاتفاقيات.
5- أن تقوم هذه الدول المستضيفة للاجئين بواجبها الانساني تجاههم وأن تبذل أقصى جهد ممكن في هذا الخصوص، دون النظر إلى أي اعتبارات سياسية أخرى.
6- أن تقوم منظمة الاونروا في لبنان وسوريا والأردن ببذل جهود أكثر حيال قضية اللاجئين الفلسطينيين الفارين من القتال، لا سيما توفير المأوى والطعام والأدوية اللازمة لهم وغيرها من الاحتياجات الانسانية.
7- أن تقوم الفصائل الفلسطينية سواء كانت فصائل منظمة التحرير الفسطينية أو قوى التحالف الفلسطينية بواجبها الوطني تجاههم، وأن تقدم أقصى ما يمكن تقديمه لهم، و أن يطلق السيد محمود عباس بصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية المعنيّة باللاجئين الفلسطينيين نداءات استغاثة عاجلة وأن يضع الخطط اللازمة لمساعدتهم.
8- إن الأحداث التي جرت وتجري في سوريا تفرض ضرورة إيجاد مرجعية سياسية موحدة تتعاطى بشكل موضوعي وجدي مع التطورات، وأن تتخذ قرارات مسؤولة تجاه المخيمات وأمنها وعلاقتها مع الدول المضيفة. إن ما جرى في مخيم اليرموك كشف بشكل لا لبس فيه أن القرارات الخطيرة، والتي تضع المخيمات في خطر حقيقي، غالباً تتخذ بشكل ارتجالي وغير مسؤول.
9- أن تضع منظمات المجتمع المدني على رأس أولوياتها مساعدة هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين. علماً أن هذه المنظمات لا زالت تقوم بجهد ملحوظ وواضح تجاههم، رغم ضعف الإمكانات المتوفرة.