القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

صفورية تلك القرية الجميلة التي لا ينساها أهلها..

صفورية تلك القرية الجميلة التي لا ينساها أهلها..


الأربعاء، 06 تشرين الثاني، 2013

عدنان الحاج موسى – مخيم برج الشمالي

ما أن تجلس مع الحاج عبد الرحمن بركة أبو توفيق وتستمع إلى كلماته العذبة بأسلوبه الشيّق، حتى تشعر أن الزمان والمكان بدءا يضيقان عليك... ليأخذك بعدها الحاج بجناحي ذكرياته إلى قريته صفورية لتراها عن قرب أكثر جمالاً وأكثر روعة كأمّها فلسطين.

كنا قد رتبنا موعداً صباحياً مع الحاج عبد الرحمن بركة، أبو توفيق، لنستكمل معه مشروع الحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية، ففاجأنا أبو توفيق باستيقاظه باكراً قبل الموعد المحدد معتمراً حطته وعقاله، وحاملاً بيده عكازه الذي يخبئ به عنفوان شبابه الذي لو توفرت له الإمكانيات لما تجرأ ذلك الغريب على دخول بيته وإخراجه منها، ولكن قدر الله نافذ.

تكلم الكثير والكثير عن قريته، لم يترك حجراً ولا زاوية إلا وتحدث عنها، كفنّان يرسم أجمل الصور. لم يكتف أبو توفيق بالكلام فقط، بل توجه نحو مكتبته وأخرج منها كتاباً اسمه "صفورية" لينتشي منه نشوة عز وحرية، هامساً في أذني "سأعمل جاهداً رغم كبر سني على إصدار كتاب عن التراث الفلسطيني لكي تتناقله الأجيال". أما عن عائلته " عائلة بركة" فقد أفادنا بأكثر مما توقعنا لأنه يحفظ شجرة عائلته حتى الجد السابع، فهو عبد الرحمن أمين عبد الرحمن حسين سليمان داود عبدالله عمر بركة، وهكذا سهّل علينا مهمتنا للتوثيق للعائلة وربط أفرع شجرتها بعضها ببعض.

لم يكد الحاج أبو توفيق ينهي كلامه العطر الذي يفوح منه رائحة صفورية، حتى رأينا زوجته الحاجة آمنة محمد زعرورة أم توفيق تقترب منا رويداً رويداً. لم يمنعها كبر سنها ولا أقدامها المتعبة من المجيء إلينا والتحدث عن قريتها...

سألتها الحاجة أم توفيق: "شو بتعرفي عن صفورية؟"

أجابت بصوتها المرتعش: "يا بني بعرف كثير بس مريضة وما بقدرش أحكي كثير"

قلت لها حدثينا ما استطعت، وما أن بدأت الحديث عن قريتها صفورية حتى انطلق ذلك اللسان وبدأ يجود بالكلام، كأنَّ نسيماً من ربى صفورية أقبل ليلامس سقمها فيشفي ذلك العليل، ويجعل لسانها كطير الحسون يشدو أجمل الألحان... أوصتنا الحاجة بالحفاظ على فلسطين وأخبرتنا أنها ما زالت تحلم بالعودة إلى صفورية.

من شدة انسجامي وتعلقي بكلام الحاج أبو توفيق وزوجته، نسيت أن أكشف بأن هناك رسائل كانت تصلنا بين حين وآخر خلال مقابلة الحاج ابو توفيق وزوجته، هذه الرسائل كانت تصل من الحاج محمود عبد الرحمن بركة أبو رياض، يقول فيها: "يا جماعة ناطركم أنا للمقابلة، اتأخرتو عليّ كتير". كنا كلما حاولنا أن نجيب على رسائله يستوقفنا الحاج أبو توفيق ويغرد من جديد، إلى أن أنهينا المقابلة معه، وأكاد أجزم بأنني لو لم أخبره بأن هناك موعداً مع الحاج أبو رياض لما توقف عن الكلام.

رافقني حفيد أبو توفيق إلى بيت الحاج أبو رياض فوجدناه متكئاً على سريره، وآثار العمر والتعب بادية على ملامحه. أخبرنا الحاج أنه متعب ولا يستطيع الجلوس لفترة طويلة وهو يتكلم، فقلت له تكلم بقدر ما تستطيع يا حاج. توقعت ان يتكلم الحاج لدقائق معدودة بسبب وضعه، لكنه سرعات ما فاجأني بالحديث الطويل والشيّق عن قريته، فكانت كلماته جميلة ومنتقاة بدقة تجذب مسامع العاشقين فلا تشعر بكلل ولا ملل. شعرت للحظة أنني أجلس معه في صفورية، بعيداً عن الناس، ولم أتوقع أن يفاجئنا أحد بالدخول علينا ليزيد من جمال تلك اللحظات ....

إنه الحاج ابو توفيق مجدداً، لم يكتف بالمقابلة التي أجريت معه بل جاء ليستمع ويمتع مسامعه بالكلام عن قريته. جلس الحاج أبو توفيق بجوار الحاج أبو رياض وفي يديه عشبة خضراء يشتمها من حين لآخر وهو ينصت إلى ابن قريته وكأنه يقول في مخيلته "الله الله على صفورية وعلى شجرها وزهرها".

الحيرة انتابتني في تلك اللحظات، فاصبحت محتاراً بين التركيز في عيون الحاج أبو توفيق أم في كلمات الحاج أبو رياض الذي سرعان ما انفجر في البكاء لشدة حنينه واشتياقه إلى أهله وقريته.. واشتد حزنه وبكاؤه عندما روى لنا قصة ذهابه مع الأهل والأقارب من صفورية في موكب لاستقبال والده والده عبدالرحمن العائد من أداء فريضة الحج، ولكنهم تلقّوا نبأ وفاة أخيه في نفس الوقت.. ولكن الحزن والدموع لم تنس الحاج أبو رياض أن يوصينا بالوطن خيراً بالتمسك بحقنا في العودة إلى ديارنا وديارهم مهما طال الزمن.

غادرنا منزل أبو رياض ونحن نتمنى لو أن الزمن يتوقف هنا، لكنه لا يتوقف بل يقول لنا "ما زال مشوار التوثيق والعمل طويلاً ولا مكان للتوقف".