القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

عائلة الطويل.. عائلة فقدت هويتها من شعب فقد بلاده

عائلة الطويل.. عائلة فقدت هويتها من شعب فقد بلاده
«نعيش في دنيا لا تعترف بوجودنا كبشر»
 

خاص «لاجئ نت» - مريم الحاج موسى

نصَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حفظ الكرامة وصون الحقوق.. لكن أين هذا الإعلان أمام معاناة اللاجئ الفلسطيني وخصوصاً اللاجئ الفاقد لأوراقه الثبوتية، المحروم من أبسط حقوق العيش في حياة كريمة، لاجئ فقد كل شيء يثبت هويته فأجبرته الحياة على العيش داخل سجن كبير لا يرحم. معاناة هذا اللاجئ وفقره وحرمانه يجعل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مجرد وهم لا وجود له على أرض الواقع، فالعبرة ليست في سنّ القوانين وتوقيع الاتفاقيات، فهذا كله لا معنى له إذا لم يقترن بتطبيق فعلي.

هم مقاتلون فلسطينيون في صفوف الثورة جرّهم القدر إلى لبنان بعد أحداث أيلول الأسود في الأردن عام 1970، واليوم ما عادوا مقاتلين ولا ثواراً؛ بل مجرد آباء لأولاد يفتقدون الحياة الطبيعية. اليوم هم أكثر من 4000 لاجئ في لبنان يطلق عليهم تصنيف «فاقدي الأوراق الثبوتية»، ويعيشون قيد المجهول.

عائلة الطويل التي تعيش في مخيم الرشيدية قرب المقبرة، واحدة من العائلات التي قد تمثل النموذج الأكثر قهراً لفاقدي الأوراق الثبوتية، هذه العائلة المؤلفة من سبعة أفراد من دون أب يعيلها تعيش قلقاً يومياً، والغد المجهول هو همُّها الأساسي.

اختار المرض هذه العائلة لتكون مأوى له، فالأب توفي بعد معاناة مع مرض القلب، أما الأم فلديها كهرباء زائدة في الرأس تجعلها طريحة الفراش لساعات، وابنها البالغ من العمر سبعة عشرعاماً يعاني مرض الربو، وكذلك أخته سعاد بالإضافة إلى نوبات الكلى المتكررة.

تقول سعاد الطويل (24 عاماً)، التي لا تجيد القراءة والكتابة، «إن الشكوى لغير الله مذلة، لكن الوضع المعيشي والصحي الذي نعيشه لا يستطيع أي إنسان تحمّله، فبعد أن توفي والدي زاد الوضع سوءاً، لم يعد هناك دخل نعتاش منه، ويكفينا إيجار المنزل الذي يكسر الظهر كل آخر شهر».

تكمل سعاد «عملت لفترة وجيزة في محل لبيع الفول في صور، وقد طردني صاحب المحل لأن وضعي الصحي الذي يجبرني على التغيب مراراً لا يناسبه، ومعه كل الحق فمن يرضى بموظفة دائمة المرض والتغيب، وهذا حال أخي أيضاً، إذا أعانتنا صحتنا عملنا، واذا لم تُعنّا انتظرنا رحمة الله والناس المتصدقة من بعده».

سألناها إم كانت قد طلبت المساعدة من إحدى الجهات، ردت سعاد بضحكة ساخرة «لم نترك باباً أنا وعائلتي إلا طرقناه، لكن من دون جدوى، فكل الجمعيات تتهرب من مساعدتنا.. لا أدري لماذا لم يساعدونا، فوضعنا المادي والصحي أسوأ بكثير من غيرنا، ويكفي أننا أيتام وليس لدينا رجل يحمينا.. نتلقى من جمعية الوقفية الإنسانية للأيتام من مخيم البص شهرياً 35 ألف ليرة (23دولار) لكل من نورا (6 سنوات) وهبة (9 سنوات)، كما ساعدتنا بمبلغ 400 ألف ليرة لبنانية عندما احترق بيتنا، ولم يساعدنا أحد غيرها من الجهات والجمعيات».

توقيف على الحواجز

وعن العقبات التي تواجههم على الحواجز الأمنية تقول سعاد «أنا أكره الخروج من المخيم حتى من المنزل، لأن كل شيء في الخارج يؤكد لي أنني أنا وعائلتي لا نُعامل كالبشر، ليس لدينا حياة، لا نعيش مثلهم، ولا نتزوج، وحتى لو فعلنا سنجني على أولادنا لأنهم سيأتون إلى دنيا لا تعترف بوجودهم كبشر. ومع كل خروج اتذكر انني بلا هوية».

وتروي سعاد قصة لا يعرفها الكثير أن والدها كان متزوجاً قبل زواجه بأمها من امرأة تحمل الأوراق الثبوتية (البطاقة الزرقاء)، وأنجب منها أولاداً لكن الأم قامت بتسجيلهم على اسم عائلتها لكن دون تغير اسم الأب والجد، وكل ذلك لتعطيهم أوراقاً تثبت وجودهم. إذا سعاد لديها أخت من أبيها لكن من عائلة ثانية، وحصل مرة أن كانوا معاً فسألوا على الحاجز اللبناني هل أنتم اخوات فنفت سعاد وقالت إن اسم الأب والجد المشترك والشَّبَه بينهما مجرد صدفة، وأنها بنات جيران لا أكثر، لم يقتنع العسكري بذلك ولكنه أيضاً لا يستطيع إثبات العكس».

عائلة الطويل وغيرها من العائلات الفاقدة للأوراق الثبوتية تُنتهك حقوقُها وتُنتقص كرامتها كل يوم، قيّدتهم الحياة داخل سجن كبير وكل ذنبهم أن آبائهم وأجدادهم كانوا من مقاتلي الثورة الفلسطينية.

عائلة الطويل اليوم بعد عدة صرخات أطلقتها دون استجابة، أعلنت فقدانها الأمل من الأونروا والدولة اللبنانية ومن الجمعيات الخيرية والحقوقية الذين تنصلوا جميعاً من مهامهم تجاههم ووكلت أمرها إلى الله عزوجل وإلى القلوب الرحيمة.