القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

عودة مدرسية واعدة ممزوجة بالمرارة للاجئي فلسطين

عودة مدرسية واعدة ممزوجة بالمرارة للاجئي فلسطين


الجمعة، 07 أيلول، 2012

هذا الأسبوع، وفي أجزاء مختلفة من العالم، يعود الملايين من الأطفال إلى مدارسهم بعد صيف طويل. ومع ذلك، فإن فرصة الدخول بالفعل إلى غرفة الصف بالنسبة للعديدين لا تزال بعيدة، بل وأكثر من ذلك فإن التعليم الذي سيتلقونه لا يعد ضمانا لمستقبل أفضل

والشباب الذين تقوم الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين) على خدمتهم هم مثال على ذلك.

ففي كل يوم، تشهد الأونروا على الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها شباب اليوم من لاجئي فلسطين. ومع ذلك وفي الوقت الذي تفتح فيه مدارس الأونروا أبوابها لنصف مليون طفل من لاجئي فلسطين في الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وغزة فإنها ستقوم بذلك على خلفية ملأى بالتحديات: فليس هناك أي تقدم على صعيد حل النزاعات القائمة؛ وهناك نزاعات جديدة تظهر على الساحة من شأنها جلب عنف جديد إلى المنطقة؛ أضف إلى ذلك الأثر المقلق للأزمة الاقتصادية العالمية. إن كافة تلك الأمور لا تهدد أمن الأطفال فحسب بل وأيضا حقهم الأساسي في التعليم.

وبحضورهم القوي الذي يبلغ خمسة ملايين شخص والمنتشر في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، يعد لاجئو فلسطين أحد أكبر المجتمعات اللاجئة في العالم. وهو مجتمع شاب بشكل ملحوظ، حيث أن عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 14-29 عاما منهم سيصل إلى أكثر من 1,5 مليون شخص بحلول عام 2020.

وتاريخيا، وفي مواجهة صعوبات بالغة، حقق لاجئو فلسطين إنجازات تربوية. وحتى اليوم، على سبيل المثال، فإن معدلات محو الأمية بين اللاجئين في الأراضي الفلسطينية المحتلة أعلى تلك المسجلة لدى نظرائهم من غير اللاجئين.

وبشكل يومي، يتدفق نصف مليون طفل عبر أبواب 700 مدرسة تابعة لنا في مختلف أرجاء المنطقة: وتمتاز تلك المدارس بأنها حققت المساواة بين الجنسين في عدد الطلاب وبأنها سجلت مستويات عالية من محو الأمية قبل معظم الأنظمة التربوية في المنطقة بعقود. وفي العام الماضي، قمنا بتطوير إصلاح من شأنه أن يعمل على تحويل نوعية وفعالية برنامجنا التربوي.

وهنالك ما يقارب من 7,000 لاجئ شاب ينتظمون بحضور دورات تدريبية في مراكزنا العشرة للتدريب المهني والتي عملت على ضخ الآلاف من الشباب اللاجئين المؤهلين بشكل جيد في سوق التوظيف منذ خمسينيات القرن الماضي.

كما أن أصحاب المشاريع من اللاجئين الناشئين يستفيدون بشكل منتظم من برنامج قروض "مبادرتي" الرائد ليقوموا بتطوير مشاريعهم التجارية. وخلال السنوات الثلاث القادمة، سنقوم بإصدار ما يقارب من خمسة آلاف من تلك القروض الصغيرة.

"إننا نستحق الحصول على فرصة لأداء أفضل ما بوسعنا لمساعدة أنفسنا ومساعدة بعضنا البعض. إن ما نحن بحاجة له هو أن نحظى ببيئة داعمة لنقوم بفعل ما نحن قادرون عليه لا أن نحظى بشخص آخر ليقوم بفعل ذلك الشيء لنا".

كانت تلك العبارة هي الدعوة التي تم إطلاقها مبكرا في هذا العام من قبل سحر موسى من غزة والتي تبلغ الحادية والعشرين من عمرها، والتي سافرت إلى بروكسل لمخاطبة قادة العالم ولقضاء بعض الوقت مع زملاء لها من الفلسطينيين من مختلف أرجاء الشرق الأوسط خلال لقاء خاص حول لاجئي فلسطين الشباب قامت الأونروا بتنظيمه.

إن الرسالة واضحة: إن لاجئي فلسطين الشباب لهم الحق بالطموح والتعليم والفرصة لتحقيق إمكاناتهم. ونحن في الأونروا نستجيب بأقصى ما يمكننا مع موارد متضاءلة وبدعم المانحين والدول التي تستضيف اللاجئين، واضعين نصب أعيننا مساعدة لاجئي فلسطين على تحقيق إمكاناتهم في غياب حل عادل ودائم لمحنتهم.

ومع ذلك، وعلاوة على المعاناة الناجمة عن النفي الذي طال أمده، فإن لاجئي فلسطين قد كانوا غالبا عرضة لمخاطر غير مقبولة وانتهاكات لحقوق الإنسان والتهميش في مختلف أرجاء منطقة مضطربة في العقود الستة الماضية. وتعد الأحداث المأساوية الأخيرة في سورية بمثابة تذكير على هذا الضعف.

وفي قطاع غزة، كان للحصار الإسرائيلي وللنزاع المستمرين أثرا كبيرا على السكان المدنيين، وكان لهما أيضا أثرا خطيرا على رفاه الأطفال. إن ما يقرب من 35% من الطلبة في مدارس الأونروا ليسوا قادرين على تلبية أبسط احتياجاتهم الغذائية. إن هذا يعكس صورة مدمرة، وذلك بالنظر إلى الآثار التي يمكن أن يحدثها الفقر على مقدرة الطفل على التحصيل المدرسي. وفي العام الماضي، وجد مسح أجرته اليونسكو بأن معظم الأطفال في غزة قد تأثروا عاطفيا جراء الوضع، حيث أظهر 80% منهم علامات غير عادية من القلق والحزن العميقين.

وتوفر مدارسنا في غزة مساحة هامة وآمنة للتعليم وللمرح ولتناول وجبة خفيفة صحية. ومع ذلك، فقد جعل الحصار من عملية إنشاء مدارس جديدة أمرا صعبا. وقد أتاح تخفيف محدود للقيود (وهو تخفيف مرحب به رغم عدم كفايته) لإجراء بعض التحسينات خلال العامين الماضيين، إلا أن الكثير لا يزال بحاجة لأن يتم إنجازه. وتعاني 93% من مدارسنا بغزة من الاكتظاظ وتعمل بنظام الفترتين. إن هذا يقلل من وقت التعليم الثمين ومن الفرصة المتاحة للأطفال للانخراط في الأنشطة اللامنهجية التي تساعد في عملية تنميتهم.

وفي الضفة الغربية، يواجه الشباب أيضا صعوبات يومية جراء الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك العوائق المفروضة في وجه حرية الحركة كالجدار العازل ونظام التصاريح المقيد للغاية والتي تمنع العديدين من الوصول للمدارس والجامعات، أضف إلى ذلك التحرشات من قبل المستوطنين الإسرائيليين وخصوصا بالقرب من المستوطنات في أماكن واسعة من الضفة الغربية.

وحال تخرجهم، فإن الشباب في الأراضي الفلسطينية المحتلة يعانون وبشكل غير متناسب من تدهور اقتصادي مطرد وسوق عمالة محلي متهالك. وبلغ معدل بطالة الشباب في الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام الماضي أكثر من 50%؛ وفي غزة، حيث تعرض الاقتصاد للخنق بسبب الحصار، فلا يزال معدل البطالة بين الشباب من ضمن المعدلات الأعلى في العالم. ويعد اللاجئون الشباب، والذين عادة ما يأتون من خلفيات اجتماعية اقتصادية أكثر فقرا من خلفيات أقرانهم، على وجه الخصوص أقل حظا.

وفي لبنان، يفتقر معظم لاجئو فلسطين إلى سبل الوصول للمدارس الثانوية العامة، وهم لا يستطيعون تحمل التكاليف العالية للتعليم الخاص. وفوق ذلك كله، ونظرا للقيود القانونية السارية على سوق العمل وعلى الفرص التعليمية وعلى تملك الممتلكات، فلا تزال هناك عقبات جمة تقف في وجه اللاجئين وتمنعهم من تحقيق حياة منتجة. ويكافح الطلبة من لاجئي فلسطين هناك مع وجود فجوة بين التطلعات التي نشجع عليها في مدارس الأونروا وبين الواقع الذي يواجهونه كخريجين. إن العواقب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية خطيرة على العائلات وعلى الشباب؛ ووصلت نسبة التسرب من المدرسة في أوساط لاجئي فلسطين في لبنان مؤخرا أكثر من 18%. وقد دأبت الأونروا على العمل مع الحكومة من أجل رفع سوية الظروف في مخيمات اللاجئين، إلا أن المزيد بحاجة لأن يتم عمله لضمان ظروف معيشة أفضل للاجئي فلسطين في لبنان وذلك إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل لمنفاهم.

والوضع الأكثر إلحاحا والأشد من الناحية الدراماتيكية هو ذلك الوضع الذي يتطور في سورية التي تستضيف نصف مليون لاجئ. فالنزاع المتصاعد بشكل سريع قد أثر على الملايين من المدنيين، بمن فيهم الفلسطينيين. وقد تمكنت الأونروا من الاستمرار بالعمل في مختلف أرجاء البلاد، إلا أن أنشطتها، مثل أنشطة المنظمات الأخرى، قد تعطلت جراء أعمال العنف.

وكما هو الحال دوما، فإن أثر العنف كان شديدا على الأطفال والشباب. ومن المقرر أن تفتح مدارس الأونروا في سورية أبوابها في 16 أيلول، إلا أن الذهاب للمدرسة سيكون أمرا خطيرا للغاية بالنسبة للعديد من الأطفال إن لم تتوقف أعمال العنف. ومن الضروري بطبيعة الحال أن تقوم كافة أطراف النزاع بالتعاون بشكل عاجل لتحقيق السلام، وذلك بدعم قوي وموحد من المجتمع الدولي. وفي الوقت نفسه، فإن على الأطراف أن تستجيب للدعوات التي طالبتهم مرارا، دون جدوى، بأن يعملوا على احترام حياة وممتلكات المدنيين وعلى ضمان سلامة ووصول المنظمات التي تقدم المساعدة للسكان.

وفي الشهر الماضي، قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي-مون بإحياء اليوم العالمي للشباب ببث رسالة للعالم مفادها أن "جيل اليوم من الشباب لديه إمكانات غير مسبوقة لتحسين رفاه العائلة الإنسانية بأكملها".

ونحن في الأونروا نوافقه الرأي ونرى أن الإمكانات المذهلة للاجئي فلسطين الشباب تعد ذات فائدة لمجتمعاتهم ولمنطقتهم ولنا جميعا. ولوقت طويل جدا، عملت عواقب النزاعات الإقليمية والفشل في التوصل إلى سلام على سلب هذا المجتمع الواعد والمرن من حقوقه؛ بما في ذلك حقه في الحصول على تعليم ملائم.

إن الشرق الأوسط يمر في خضم مرحلة من التغيير والانتقال. وهنالك تحديات دراماتيكية وفرص حاسمة. ومن بين العديد من القضايا الإقليمية التي تجذب اهتمام العالم، فإن محنة لاجئي فلسطين لا ينبغي أن يتم نسيانها. ويجب علينا جميعا أن نأمل بأن الجهود المبذولة لوضع نهاية سلمية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي ستستأنف قريبا وبشكل جدي، بما يؤدي إلى تمهيد الطريق لحل عادل لمسألة اللاجئين.

وخلال هذا الوقت، فإن تصميم اللاجئين الشباب على مواصلة التعليم وعلى تحقيق الذات برغم كل المصاعب يتطلب –ويستحق- انتباهنا العاجل ودعمنا الراسخ.

المصدر: مركز العودة الفلسطيني