عين الحلوة يشتعل: الاغتيال الـثاني في خمسة أيام
الإثنين، 19 كانون الأول، 2011
يوماً بعد آخر، يزداد التوتر في مخيم عين الحلوة. اغتيال يتبعه اشتباك، ودم يستسقي دماً. القتلة مجهولون. ولا يكاد الهدوء يسيطر، حتى تعود لغة السلاح إلى الأزقة الضيقة. كأن ثمة من لا يريد لأهل المخيم أن يهنأوا بيوم من الراحة..
مخيّم عين الحلوة تحت المجهر مجدداً. عمليات اغتيال خاطفة وقعت. نُفّذت اثنتان منها بجرأة الانتحاري. المشتبه فيه مقنّعٌ مجهول. تمكّن من دخول العمق الفتحاوي بـ«قدرة مجهول». ومن دون خوف، قتل اثنين من مرافقي قائد الكفاح المسلّح في لبنان، العميد محمود العيسى المعروف باللينو، آخرهما أمس. أنهى القاتل مهمته وغادر من دون أن يعترض طريقه أحد. التساؤلات تتزاحم حيال حقيقة ما يجري في مخيم عين الحلوة. هوية المقنّعين لا تزال مجهولة. الاتهامات تطلق يمنة ويسرةً. هل اتُّخذ القرار بإهدار دم «اللينو»؟ أم أن القتيلين كانا مجرّد رسالة أدّت مرادها؟ التحليلات تتعدد، لكن الثابت هو وجود محاولات لإشعال المخيّم الفلسطيني الأكبر في لبنان.
تتسارع الأحداث في مخيم عين الحلوة. التوتّر بلغ أشدّه بعد سقوط قتيلين وعدد من الجرحى. مسرح الأحداث يضيق على قاطنيه، فيما اللاعبون الرئيسيون يترقّبون. بوادر الحرب بين حركة فتح والإسلاميين المتشددين تلوح في الأفق. ورغم تأكيد جميع الأطراف عدم الانجرار مع الفتنة، يأخذ مسار التوتّر منحى تصاعدياً. فإذا كان جميع الأطراف المعروفة متوافقة على الهدوء، فربما يكون لفصيل المقنّعين موقفٌ آخر. وبحسب متابعين، فإن المجموعات المتطرّفة تبقى أكثر المستفيدين من حال عدم الاستقرار في المخيم. في هذا السياق، يكشف أكثر من مصدر متابع لشؤون المخيم معلومات تفيد بدخول «رجلين سعوديين إلى المخيّم أخيراً لتنظيم صفوف جماعات متطرّفة». لا تميّز المصادر بين كتائب عبد الله عزام وبقايا جند الشام وفتح الإسلام، لكنها ترجّح أن عدد العناصر الناشطة في مخيم عين الحلوة يتجاوز 50 مقاتلاً.
داخل حركة فتح، يجري التداول بمعلومات شديدة الخطورة: «ثمة اتفاق سرّي عُقد بين قيادي فتحاوي من جهة، و«فلول» جند الشام وفتح الإسلام من جهة أخرى، بهدف تطيير اللينو». وتدّعي مصادر فتحاوية أن القيادي باع السلاح لعناصر تنتمي إلى كتائب عبد الله عزام. المعلومات التي ينقلها المصدر غير الأمني تؤكد تورّط القيادي الفتحاوي في ما يشهده المخيم هذه الأيام. ويعزز هذه الفرضية ما جرى تناقله في أوساط أمنية لبنانية وفلسطينية عن فرار منفّذ عملية الاغتيال الثانية بغطاء وفّرته عناصر موالية للقيادي الفتحاوي المشتبه فيه.
«الرسالة وصلت». يقول قائد الكفاح المسلّح العقيد محمود عيسى لـ«الأخبار»، مؤكداً أن الهدف يتخطى شخصه ليطال المخيم بأسره. يرفض «اللينو» التعليق على المعلومات المتعلّقة بتورط قيادي فتحاوي، لكنه يؤكد «تماسك الصف في مواجهة مخطط الفتنة». يتحدث عن «استماتة لجر القوات العسكرية إلى متاهات»، لكنه يطمئن إلى أنه «لم يتخذ أي قرار بتنفيذ عمل عسكري حتى الآن». بدوره، أكد رئيس «الحركة الإسلامية المجاهدة» والناطق باسم القوى الإسلامية في المخيم الشيخ جمال خطاب أن «الاغتيال المشبوه يهدف إلى توتير الأوضاع لإبقاء المخيم في الواجهة»، مشيراً إلى أن الهدف منه «جر حركة فتح والقوى الإسلامية إلى التقاتل». وفي ما يتعلّق باتهام اللينو لكتائب عبد الله عزام وبقايا جند الشام بالضلوع بالاغتيال، أشار الشيخ خطاب إلى أنها «شكوك أكثر من كونها معلومات مؤكدة»، مكرراً قوله بأن هناك إجماعاً على التهدئة داخل المخيّم. موقف الشيخ خطاب كرره قائد المقر العام لحركة فتح في لبنان اللواء منير المقدح، الذي أكّد لـ«الأخبار» أن «أمن المخيم فوق كل اعتبار»، مشيراً إلى أن المستفيد الأول من سقوط الدم الفلسطيني هو العدو الإسرائيلي.
ويجري التداول بقوة داخل المخيم بالفرضية المعهودة حول «وجود طرف ثالث» يريد إشعال الفتنة. ويصل البعض إلى حد اتهام الاستخبارات الإسرائيلية بالوقوف خلف ما يجري، علماً بأن اعترافات عملاء إسرائيليين أوقفتهم الأجهزة الأمنية اللبنانية أظهرت أن الإسرائيليين يملكون شبكة كبير من العملاء داخل المخيم، وأنهم نفذوا عمليات، تتبادل الفصائل الفلسطينية الاتهامات بالوقوف خلفها.
أما في تفاصيل الوقائع الميدانية، فقرابة الثانية والنصف من بعد ظهر أمس، أطلق مجهول مقنّع النار على عامر فستق، أحد مرافقي قائد الكفاح المسلح الفلسطيني محمود عيسى، في سوق الخضر في مخيم عين الحلوة. وأدى إطلاق النار الى إصابة فستق بجروح بالغة في صدره، نُقل على أثرها إلى أحد مستشفيات صيدا، لكنه ما لبث أن فارق الحياة. كما أصيب عدد من الأشخاص بجروح. وقد تطور إطلاق النار ليحدث حالاً من الفوضى في شوارع المخيم، حيث وقعت اشتباكات متقطعة، إثر حصول عملية الاغتيال، بين عناصر من «جند الشام» وأخرى من حركة «فتح» في حي الطيري. وقد سقط جراء الاشتباكات قتيل وأصيب 16 جريحاً من كلا الطرفين. وذكرت مصادر من داخل المخيم أن أفراداً من «عصبة الأنصار الإسلامية» نزلوا إلى شوارع المخيّم بقوة لوقف إطلاق النار العشوائي الذي كان حاصلاً، ولا سيما ذلك الذي طال مسجد الصفصاف.
وقد عقد اجتماع طارئ للجنة المتابعة في منزل «اللينو»، الذي خسر في غضون أقل من خمسة أيام اثنين من مرافقيه، بعد اغتيال مرافقه الشخصي أشرف القادري، مساء الأربعاء الماضي. وكما يحصل عقب كل توتر، شهد مخيم عين الحلوة أمس حركة نزوح كثيفة باتجاه مدينة صيدا.
المصدر: رضوان مرتضى - الأخبار