القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

فرحة لاستلام المفاتيح وحزن لضيق مساحات المنازل في نهر البارد

فرحة لاستلام المفاتيح وحزن لضيق مساحات المنازل في نهر البارد

تفاوتت ردات فعل عائلات مخيم نهر البارد لدى عودتها إلى منازلها في الجزء القديم من المخيم أمس، فاختلطت لدى بعضها مشاعر فرح العودة بمشاعر الحزن بعدما أطلعت أفرادها على أحجام المنازل المسلّمة، فانهمرت الدموع وأطلقت الزغاريد وعلت صرخات الابتهاج على وقع هتافات «بدي عيش بكرامة، بدي إحيا وما انهان، فلسطيني عالي الهامة، يا عالم أنا إنسان»، في مشهد تجسدت فيه كل معاني الآلام والمعاناة والانتظار والرغبة في العودة إلى المخيم ومنه إلى فلسطين.

فتح المخيم القديم أمس، أمام أبنائه للمرة الأولى منذ نحو أربع سنوات، وكسرت مؤقتا كل القيود التي كانت تحول دون دخولهم إلى تلك البقعة من الأرض التي عاشوا فيها سنوات لجوئهم الزمن قبل أن يضطروا إلى مغادرتها قسرا خلال أحداث «فتح الاسلام» في حزيران من العام 2007، تاركين وراءهم جنى العمر وذكريات دفنت تحت ركام المنازل ولم يبق منها سوى حفنة تراب سارعت بعض النسوة إلى تقبيلها.

ولم يستطع الكثيرون من أبناء مخيم البارد انتظار انتهاء الاحتفال الذي أقيم للمناسبة، فتركوا أماكنهم على الكراسي المصطفة في الساحة، وتحلقوا حول المباني التي يفصلها عنهم شريط شائك وضع بناء لطلب من الجيش اللبناني لتنظيم مسألة الدخول والخروج إلى تلك المنطقة، ومنهم من أنهكه التعب فافترش التراب لحين موعد قص الشريط التقليدي، الذي تأخر عن الوقت المحدد نصف ساعة، كانت بالنسبة للبعض أطول من المدة الزمنية التي أمضوها بانتظار استكمال عملية الإعمار والعودة التي رغم كل التحفظات والاعتراضات التي سيقت من قبل العائلات قبل الدخول. لكنها لم تلغ الشعور العارم بالفرح والحنين لحظة وضع الأقدام داخل المنازل، فغابت عن الوجوه علامات الامتعاض والاستهجان التي كانت سائدة. وحضرت مكانها كلمة «مبروك» مرفقة بابتسامة عريضة ارتسمت على وجوه العائدين الذين تبادلوا العناق والقبل، لكن من دون أن يتسنى لأي منهم ان يقوم بواجب الضيافة، «لانو متل منك شايف يا ابني، العين بصيرة واليد قصيرة»، قالت أم خالد «إن شاء الله بس ترجعوا مرة ثانية منكون اشترينا الفرش وأثاث البيت ومنعزمكم على فنجان قهوة وعلى الغدا كمان».

أمس لملمت الحاجة صبحية لوباني بعضاً من أوراقها وحملت نفسها على عكازها الحديدي بانتظار إذن الدخول إلى منزلها، وفي القلب غصة على دار فسيح «كان يسرح ويمرح فيه الخيل»، ويقصده كل من يرغب في إقامة فرح أو مأتم عزاء «لأنو كبير وبيساع كتير»، ولكنها اليوم تخجل من أن تستضيف أحدا في منزلها الجديد بسبب صغر حجمه، «بس المهم إني رجعت على المخيم ولو بدي نام على التراب، ما راح اتركوا مرة ثانية حتى إرجع على فلسطين أو إذا الله افتكرني..»، لسان حال الحاجة صبحية، هو حال جميع من شاهدوا منازلهم وصدموا بصغر حجمها، فـ»الحمام بيعمل سكتة قلبية، والمطبخ ما بيساع طنجرة ومعلقة، وصرنا بدنا نرجع لايام «النمليات» لأن المطبخ ما بيساع براد»، بهذه العبارة علقت أم احمد، التي أفرغت ما لديها من انتقادات لاذعة أمام عدسات المصورين، قبل أن تلتفت إلى جارتها قائلة بابتسامة خجولة «صار فينا أنا وإنت نشرب القهوة من على الشباك، ونتناول الأغراض بدون ما زورك وتزوريني»، في إشارة منها إلى التصاق المنازل بعضها ببعض.

عند مدخل المخيم القديم تجمع أبناء البارد أمس منذ ساعات الصباح، بانتظار السماح لهم بالدخول، فانطلقوا جماعات وساروا في أرجاء المنطقة التي تشهد عملية إعادة الإعمار، قبل أن يتوجهوا إلى ساحة الاحتفال، لتبدأ بعد ذلك عملية توزيع مفاتيح المنازل وشيكات هبة الأثاث التي تراوحت بين مبلغ 5 آلاف دولار اميركي و7500 دولار بحسب عدد أفراد كل عائلة، وهو أمر لم يخل من بعض الانتقادات، حيث أشارت أم رائد إلى أنها كانت تقيم مع إحدى قريباتها في منزل واحد في المخيم، قبل الأحداث الأمنية. وانتقلت للإقامة وحدها، وعند حصول المعارك، دمر منزلها بالكامل، وكانت مساحته أكبر من 150 مترا. وقالت: «اليوم حصلت على منزل لا تتجاوز مساحته الـ 60 متراً، ولم تحصل قريبتي على المبلغ المالي كتعويض لشراء الأثاث، حيث حسبت من حصتي. وهذا ظلم، لأن هناك أشخاصا لم يكونوا مقيمين في المخيم وحصلوا على أموال المساعدات».

إلا أن العودة التي بدأت أمس وشملت في مرحلتها الاولى 41 عائلة، على أن تليها الدفعات التالية من العائلات خلال الأسبوع الحالي ليصل العدد إلى نحو 90 عائلة، لا تعني الإقامة في الوقت الراهن، فالمنازل لا تزال يشهد محيطها أعمال إعادة تأهيل البنى التحتية، ما سيؤخر العودة إلى وقت غير محدد، وهو ما لمّحت إليه بشكل غير مباشر مديرة قسم الإعلام في «الأونروا» هدى صعيبي، فقالت لـ»السفير»: «نحن لن نوقف بدل الإيجار للعائلات التي استلمت مفاتيح منازلها قبل شهرين»، ما يعني عمليا أن «الأونروا» تنظر إلى مسألة إنهاء الاعمار في هذه المنطقة نهائيا التي قد تحتاج إلى شهرين.

وكان الاحتفال الذي غاب عنه المدير العام لـ»الاونروا» في لبنان، والسفير الفلسطيني عبد الله عبد الله بسبب خطأ بروتوكولي في توجيه الدعوات، حضره عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين علي فيصل، وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مروان عبد العال، وممثلو القيادات الفلسطينية واللجان الشعبية، وهيئة المناصرة والمؤسسات وحشد كبير من أبناء المخيم وفعالياته، إضافة إلى العاملين في وكالة «الاونروا». بداية تحدث مدير وحدة الإعمار في «الاونروا» تشارلي هيغنز، فأكد «أن العملية ستُستكمل عبر تسريع وتيرة العمل بالرزمتين، والبدء بالثالثة والمدارس ومعهد التدريب المهني بالترافق مع توفير الاموال المطلوبة لإعمار كل المخيم»، وحيا أبناء المخيم على صبرهم وتحملهم أعباء النزوح والتشرد. ثم تحدث مسؤول «لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في الشمال» إبراهيم أبو خليل، فأشاد بالإنجاز التي تحقق، وأكد عزم رئيسة اللجنة مايا المجذوب «متابعة إنجاز وتحقيق كل مطالب ابناء المخيم».

واعتبر امين السر الدوري للجنة الشعبية في المخيم خليل خضر أن «ما تحقق يعتبر خطوة هامة على طريق وضع سكة قطار الإعمار بديلاً من آثار الدمار، رغم التأجيل المتكرر والمماطلة»، داعيا إلى استكمالها «من خلال قيام الأونروا بتسريع إعمار ما تبقى من الرزمة الأولى والثانية، والبدء بإعمار الثالثة وتوفير أموال إعمار كل المخيم»، مناشدا «الدول المانحة عموماً، والخليجية خصوصاً، تقديم الدعم المالي لإعمار المخيم»، منبها إلى الحالة العسكرية القائمة، ومحذراً من «حصول انفجار شعبي بسبب حال الاحتقان المفروضة منذ انتهاء الأحداث على المخيم».