القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

فلسطينيو سورية يعيشون نكبة جديدة

فلسطينيو سورية يعيشون نكبة جديدة
 

الأربعاء، 19 كانون الأول، 2012

تواصل نزوح اللاجئين الفلسطينيين من مخيم اليرموك، وأكدت مصادر لموقع "روسيا اليوم" أن قسما قليلا من كبار السن وذوي الإعاقة الدائمة مع أفراد من عائلاتهم هم كل من تبقى في المخيم بعدما هجره أكثر من 90 في المئة من سكانه. وأعادت مشاهد خروج الفلسطينيين من مخيم اليرموك إلى الأذهان نكبة العام 1948.

وطالت دائرة النار السورية مخيم اليرموك الذي يعد أكبر المخيمات الفلسطينية جنوب العاصمة دمشق، ويعيش فيه أكثر من 150 ألف فلسطيني إضافة إلى مئات ألوف السوريين. وأقحم فلسطينيو سورية الذين يزيد عددهم عن 520 ألف شخصا في الصراع المسلح وتحولت مخيماتهم إلى ساحات للحرب بين الجيش النظامي والمعارضة المسلحة. ويعد اقحام مخيم اليرموك في الصراع الدائر مؤشرا خطيرا لجر الفلسطينيين في الصراع المسلح، بعدما تم استهداف مخيم الرمل في اللاذقية في بداية الأحداث، فيما نزح سكان مخيم درعا أكثر من مرة في الأشهر الأخيرة وأضحى أكثر من سبعين في المئة من بيوته غير صالح للسكن.

وقضى ألوف الفلسطينيين من مخيم اليرموك ليلتهم في الشوارع والحدائق القريبة في ظل برد قارس وانخفاض درجات الحرارة إلى درجة التجمد. وقال خلدون وهو لاجئ فلسطيني غادر مخيم اليرموك بالأمس إن "الأمور كارثية ولا مفر من الخروج من المخيم ... خسرنا كل شيء وخرجنا بملابسنا فقط من البيت". وأعرب عن اعتقاده في اتصال مع "روسيا اليوم" أن "المخيم بات فارغا تماما من سكانه" ووصف أوضاع النازحين الذين اضطروا إلى مغادرة المخيم بالمأسوية خصوصا في حال عدم وجود أقارب لهم في أماكن "أكثر أمنا". وأضاف خلدون "المنظر صباح اليوم مروع... الناس في الحدائق القريبة من المخيم نيام على الكراتين... الليلة كانت درجة الحرارة بحدود الصفر نحن في البيوت نكاد نموت من البرد فما بالك بالذين في الشارع". وقال بمرارة " مازوت ما في (غير موجود) كهرباء مافي خبز ما في رواتب ما في... بس الموت في وبكثرة".

نزوح بظروف مأسوية

طبيب فلسطيني اضطر إلى النزوح مع عائلته من المخيم أمس أكد لموقع "روسيا اليوم" أن معظم الناس غادروا المخيم. الطبيب تساءل عن "الجهة التي اتخذت قرارا بتدمير المخيم وتهجير سكانه"، وناشد جميع الهيئات الدولية إلى الاهتمام "بوضع اللاجئين الذين باتوا نازحين يفترش جزء كبير منهم الطرقات والحدائق". الطبيب الفلسطيني اللاجئ أوضح أن المأساة تكمن في أنه ليس "لدينا في سورية قرى أو ضيع او اقارب نلجأ لهم... ليس لدينا سوى بعض الاصدقاء في دمشق أما الاغلبية ليس لهم الا الله".  ولفت الإنتباه إلى أن "العائلات خرجت بملابسها فقط دون أن تحمل أي طعام أو دواء أو ملابس للنجاة بأنفسهم"، وأكد أن الجهات الإغاثية تأخرت كثيرا وأن مئات العائلات قضت ليلتها الماضية في العراء في درجات حرارة منخفضة جدا.

ويضيف "انا شخصيا (على سبيل المثال) أتناول دواء قلبيا غير متوفر بسبب الأزمة، ولكن قمت بتأمينه، ولم استطع اخراجه من المنزل وحاليا أعاني بسببه... فما بالك بالعجز والفقراء والاطفال والمرضى... نحن ميسوري الحال نعاني فكيف الفقراء وللعلم اصبح أغلبية سكان المخيم فقراء في الفترة الاخيرة". وأبدى الطبيب تخوفا على حياة من بقي في المخيم "بسبب القصف، وانقطاع الكهرباء والاتصالات، وتوقف المشافي عن العمل، والشح الكبير في الأدوات والمستلزمات الطبية منذ فترة طويلة، إضافة إلى عدم وجود الخبز والمواد الغذائية". وذكر شاهد آخر من المخيم لموقع "روسيا اليوم" أن مئات الأسر الفلسطينية قضت ليلتها على الحدود السورية اللبنانية أمس لأنهم لا يملكون ثمن رسم تأشيرة الدخول" إلى لبنان.

صفة اللاجئ تلاحقنا حتى الممات

الحاجة أم العبد لم تتمالك نفسها عن البكاء وهي تتحدث إلى موقع "روسيا اليوم" عبر السكايب وتلتفت إلى أولادها وأحفادها في جوارها... أعيش مع ثلاثة من أبنائي وزوجاتهم وأكثر من عشرة أحفاد هنا في هذا البيت الصغير.. هذا هو المكان الرابع الذي أنتقل للعيش فيه في الأشهر الثلاثة الأخيرة. وبعد أن تنهر أحد أحفادها الذي علا صوته بالقرب منها ما شكل صعوبة إضافية للحاجة أم العبد في التعامل مع السكايب تواصل الحديث بصوت متهدج "تجاوز عمري سبعين عاما، لكن العام الأخير كان الأصعب في حياتي... طفلة لا تعرف اين تدور الدنيا بها خرجت مع أهلي من قريتنا في قضاء حيفا... مشيت وتورمت قدماي من المشي... بكيت مع أخوتي الخمسة الصغار أيضا... كنت ضمن قوافل كثيرة من القرى المجاورة تتجه شمالا وغربا... لم أكن أعرف إلى أين نسير... لم تتح لي فرصة لألقي نظرة أخيرة على الحاكورة أو البحر... تسكتنا أمي بين الحين والآخر بمنحنا قطعة من خبز أو رشفة ماء وتحثنا على المشي بسرعة حتى لا يلحق اليهود بنا".

تقسم أم العبد بأغلظ الأيمان أنها لم تكن تريد الخروج من بيتها في مخيم درعا إلا إلى القبر، وتقول "والله ما أجبرني على ترك بيتي إلا أحفادي الصغار... لا أكل ولا شرب، وفي الليل لا ننام من صوت القذائف... بعد أن تواصل قصف المخيم لفترة طويلة وحرمنا من الخروج من بيوتنا كان الفرج في آخر يوم عندما تم توجيه نداء يطالبنا بالخروج ... حينها أصر ابني على ضرورة الخروج حفاظا على أرواحنا... مشينا من الشارع المسموح لنا بالمشي عبره... أمم كثيرة .. هذا يحمل حقيبة وآخر حقيبتين.. وبعضهم يحمل أمه العاجزة.. الأطفال يحملون أكياسا جمعت على عجل ... سكنا بعدها في عمارة سكنية لم يكتمل بناؤها بعد... كانت قريبة من بيتي في المخيم... وهذا أراحني لأنه يمكن لي استغلال أوقات الهدوء للعودة ومعرفة أوضاع بيتي الذي تهدم نصفه نتيجة القصف.. والذي اخترق الرصاص بابه" تتنهد الحاجة وتواصل حديثها مع التأكيد على ألا أذكر أين تعيش حاليا " لم نستطع إدخال الأولاد إلى المدرسة.. وبالكاد نتقاسم الأكل مع جيران جدد فلسطينيين وسوريين في الغرف المجاورة في البناء المهجور.. ما اضطرنا إلى قصد مخيم اليرموك حيث يعيش إثنان من أولادي"

وتتابع أم العبد وقد بدا على محياها الشجن والأسى "الأوضاع كانت أفضل في البداية... يعني لا يوجد استهداف مباشر... نسمع اصوات الرصاص والقذائف واعتدنا عليه ... لكن الوضع منذ أيام أجبرنا على الانتقال إلى هنا حيث نعيش" بحرقة تقول أم العبد " فتحت عيوني على الحياة لاجئة لا يتجاوز عمري ستة أعوام، وها أنا أقترب من نهاية عمري لاجئة بعدما عشت أكثر من ستين عاما في مخيم درعا". وتختم بالقول قبل أن تجهش بالبكاء "في 1948 تركنا فلسطين وفي العام الأخير انتقلت للعيش بين أربعة أماكن، وخسرت أشياء كثيرة في بيتي لا تقدر بثمن صور أولادي وهم صغار.. حاجات احتفظت بها لكل منها ذكرى في حياتي وحياة أولادي وزوجي".

كيف تطورت الأحداث...

أحد المصادر المقربة من الجبهة الشعبية- القيادة العامة قال لموقع "روسيا اليوم" في اتصال عبر السكايب "دود الخل منه وفيه"، وأشار إلى أن كل أعضاء التنظيم ومناصريه "وكل شيء محسوب على القيادة العامة هو الاقرب للمقصلة". وأوضح أن "الأمور كانت حتى أمس الأول تحت السيطرة وتمت الخيانة من طرف مجموعة من اللجان التي فتحت كاريدورا (ممرا) وقيل بان ما بين 2000 الى 7000 تمكنوا من الدخول الى آخر معاقلنا كلاجئين في هذا الزمن الغادر".

شهود نزحوا من المخيم أشاروا في اتصال مع "روسيا اليوم" إلى أنه "بعد الإشتباكات العنيفة التي دارت لمدة ثلاثة أيام في العروبة والتقدم بين الجيش الحر ومجموعات اللجان الشعبية التابعة للقيادة العامة، دخلت مجموعات من الجيش الحر إلى شارع لوبية ثم تراجعت... وقام على إثرها الطيران السوري بضرب جامع عبد القادر الحسيني ومدارس الأنروا، وبعد نصف ساعة دخلت مجموعات كبيرة جدا من الجيش الحر الى المخيم مما تسبب بحالة هلع خوفا من القصف، وهنا بدأ النزوح... واضطر الفلسطينيون وألوف العائلات من النازحين السوريين إلى مغادرة المخيم".

أما الكاتب الصحفي محمد خلف كما أراد التعريف به فقال في اتصال مع موقع "روسيا اليوم" إنه "بعد اكثر من شهرين على محاولات اقتحام المخيم ورسائل التهديد من المسلحين للدخول المخيم عنوة حصل ذلك بعد ان دخلوا من عدة محاور ومنها التضامن في الدوار وشارع فلسطين ومن الحجر الاسود مدججين بالسلاح الثقيل والفردي لينتشروا على شارع اليرموك وشارع لوبية ودخلوا الى زواريب (أزقة ضيقة) المخيم واضعين العصبات على رؤسهم والتكبير بالله يرتفع رويدا رويدا وبدأت الاشتباكات معهم - حيث تصدت له اللجان الشعبية لكن ذلك لا يمكن صده فهم جحافل تجاوزوا الالفين- وبعد يوم كامل من الاشتباكات دبّ الرعب في المخيم. وفي سواد العتمة باشروا ليلا بالدخول الى المنازل وتفتيشها ونصبوا حواجز في شارع لوبية وشارع صفد وشارع اليرموك واستباحوا المحلات التجارية وسجل اكثر من استباحة 70 محلا تجاريا وسرقة اكثر من 130 سيارة واستباحوا مشفى فايز حلاوة وقاموا باعتقال بعض شبان اللجان ومنهم من اعدم في الطرقات... وفي اليوم التالي استقدموا تعزيزات ونشروا اخباراً لافراغ المخيم وبدأوا بالهجوم على الخالصة". وأكد أن الموجة الكبيرة للنزوح بدأت في "صباح اليوم التالي حين شعر الناس بخطر الموت فجمعوا ما تيسر لهم من اغراضهم الصغيرة بعجالة وخرجوا من المخيم على الاقدام مشية الرحيل... المنظر في الزاهرة كان مرعبا جدا اطفال تبكي شيوخ متعبة لم تستقبلهم مشافي المخيم التي توقفت عن الخدمة لا خبز لا خضار مدينة اشباح وهام الفلسطينيون كل يبحث عن قريب مراكز ايواء في الزاهرة في مراكز وكالة الغوث أو في الحدائق ... إنه مشهد أكثر فظاعة مما سمعناه في العام 1948".

الجمعيات والهيئات تتوقف عن مساعدة فلسطينيي درعا

طبيب فلسطيني من مخيم درعا قال مستغربا "إن عددا من العائلات نزحت من مخيم اليرموك إلى درعا". وفي اتصال مع موقع "روسيا اليوم" وعن الأوضاع في مدينته قال الطبيب إنه " تم حرق عشرات البيوت في المخيم الشمالي للاجئين في الأيام الأخيرة... قضت عائلات بأكملها ممن لم يغادروا المخيم... المخيم محاصر بالكامل منذ يوم الأربعاء الماضي". وعن الأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين في درعا أكد الطبيب الذي فضل عدم الكشف عن إسمه " بعض الناس المقتدرين استأجروا شققا في أماكن مختلفة من المدينة... فيما القسم الآخر استقر في عمارات وشقق سكنية غير جاهزة بدون شبابيك أو أبواب أو بلاط ولا تدفئة.. ويفترشون الأرض ويعانون من قلة الطعام". الطبيب يشير إلى أن الهلال الأحمر وبعض الجمعيات الخيرية كانت تساند اللاجئين في الأوقات السابقة "لكن يبدو أنهم ملوا أو تعبوا أو أفلسوا خصوصا أن المخيم تعرض منذ أيام للاقتحام الخامس ما دفع أهله إلى نزحة خامسة".

ويقول الطبيب إن شخصين فلسطينيين أعدما ميدانيا بالأمس على يد قوات الأمن السورية.

انتهاكات من الطرفين

يحمل قسم من الفلسطينيين الحكومة والجيش مسؤولية ما حصل ويحصل في المخيمات، في حين أن قسما آخر يحمل الجيش الحر والمعارضة المسؤولية عن اقتحام المخيمات وتهجير الفلسطينيين مرة من مخيماتهم. وفيما يجدد معظم الفلسطينيين أنهم لا يريدون التدخل في الصراع المسلح بين النظام والمعارضة، فإن أكثر من 766 فلسطينيا قضوا حتى الآن، إضافة إلى ألوف الجرحى والمعتقلين.

ممرض فلسطيني يسكن في مخيم سبينة جنوب دمشق روى لموقع "روسيا اليوم" حادثتين حصلتا معه في الأيام الأخيرة على أحد الحواجز الأمنية إذ "انهال على أعضاء الحاجز بالضرب بعدما شاهدوا هويتي الفلسطينية وهم يرددون فلسطيني ساكن في المخيم أنت قريب خالد مشعل أنت (...) وخائن مثله". ونجا في مرة أخرى بعدما أثبت لأحد الجنود على الحاجز أن العلم الذي نصبه على هاتفه هو علم فلسطين وليس علم المعارضة". الممرض الفلسطيني يخشى التوجه إلى عمله في الأيام الأخيرة.

وتتزداد المعاناة بالنسبة للفلسطينيين القاطنين في سورية مع رفض الأردن استقبال أي منهم كلاجئين في أراضي المملكة. وتوقف ليبيا عن استقبال حملة الوثائق السورية من الفلسطينيين.

وتجبر الأحداث كثيرا من الفلسطينيين على النزوح عن مخيمات احتضنتهم منذ أكثر من ستين عاما. ويخرج معظم اللاجئين تاركين بيوتهم عرضة للسلب والنهب والقذائف والصواريخ من الأطراف المتحاربة، التي يمكن أن تهدمها بعدما كدحوا طويلا من أجل بنائها وتجهيزها. وتعيد مناظر نزوح الفلسطينيين عن مخيماتهم وافتراش كثير منهم الشوارع في البرد القارس دون طعام أو شراب أو غطاء مأساة النكبة في العام 1948، وربما لم يخطر في ذهن كثير من اللاجئين الفلسطينيين أنهم سيغادرون مخيماتهم إلا إلى قراهم ومدنهم في فلسطين إلا أن شرارة الحرب الأهلية الدائرة في سورية أجبرتهم على النزوح إلى مناطق أكثر أمنا في بلد قدم لهم ولأبائهم وأجدادهم الكثير على مدى أكثر من ستين عاما، ولعل جميع فلسطينيي سورية يتمنون عودة الأمن والاستقرار للبلد الذي احتضنهم ودمجهم في نسيجه الاجتماعي.

المصدر: سامر الياس – روسيا اليوم