فلسطينيّو
"سوريا".. هناكَ تنهمرُ "أنّاتُ" "المنكوبين" الجُدد!
غزة- آلاء أبو عيشة
طرقٌ خفيفٌ على باب بيت
جدّته في (صيدا) ثالث أكبر المدن اللبنانية، أيقظه من "أحلاها نومة"! نزَلَ
محمد الخطيب عن سريره مسرعاً يجرُّ فرْدَتَي حذائه متجهاً صوبَ الباب يفرُكُ عينَيْه
ويصرخ:"مين؟.. مين؟"..
كانا طفلين صغيرين، يبيعان
المناديل، قالا له بلهجةٍ أقرب إلى "السورية" :"عمو يعطيك العافية،
بدكُن محارم؟".. نظر محمد إليهما مبتسماً وسأل عن ثمن الكيس :
- 1000 ليرة يا عمو،
- بس والله كتير
- نوعه منيح.
ردَّ عليهما كأنما كان
يتأمّل في عيونهما "أشباه ذكرى" :"من وين إنتو؟"، أجاباه
:"فلسطينيان.. من سوريا، من مخيم اليرموك"، تمنَّى محمّد وقتها لو أنه عانَقَهما،
كل هذا وهو لم يخبرهما بعد أنه أيضاً لاجئ فلسطيني من نفس المخيم نازح من سوريا إلى
لبنان..
طارقجي: الحكومة اللبنانية
لن تحترم حقًّا تطالب به "قيادة مشتّتة"
عادَ يسأل :"عمو وين
ساكنين إنتو هلأ؟"، أجاباه :"عمو نحنا بعين الحلوة، وهو مخيم للفلسطينيين
بس اليرموك كان أحسن بكتير، احنا لولا الحاجة ما بتشوفنا هون، بس بيع المحارم أحسن
بكتير من إنو نشحد ويقولوا عن اللاجئين الفلسطينيين شحّادين"..
ابتسَمَ لهما، وقال لواحدٍ
منهما :"أعطني كيساً، وخذ هذه الـ 5000 ليرة، ولا أريد منكَ باقٍ".. فجأةً
تغيرت ملامح الطفل، وصرَخَ في وجه محمد :"لا ما بيصير.. قلنالك مو جايين نشحد،
وإذا إنت لبناني حر، نحنا كمان فلسطينيين، وعمرنا ما بعنا كرامتنا"..
يقول محمد :"بصراحة،
شعرتُ بالخجل من نفسي (كيفَ فعلتُ هذا وأنا مثلهما فلسطيني، وأعرف جيداً أنني لو كنتُ
مكانهما، لما قبلتُ أبداً بـ "صدقة"".. البقية تتبع..
(3
عائلات)!!
استدرك محمد الموقف، صرَخَ
مؤشّراً بيده قاصداً (لا لا لا ).. وقال :"لك أنا مو لبناني، أنا من اليرموك متلكم..
بس انتو كيف أوضاعكم؟"
- آخ يا عمو.. لا تشكيلي ببكيلك، عايشين أنا
وإمي وأبوي وإخواتي الخمسة مع كمان عيلتين بغرفة من الغرف اللي وزعتها علينا الفصائل
الفلسطينية (3X4)
متر! وأواعينا إما مساعدات من الوكالة، أو اللي بيقدروا يجمعولنا اياه أهل الخير من
فلسطينيي المخيم الأصليين.
- طيب بأي صف عم تتعلموا إنتو؟
كان سؤالاً مضحكاً بالنسبة
لطفلٍ (لم يفقِس من البيضة) كما وصفه محمد، لكن ردّه كان "طعنةً في خاصرة الإنسانية"..
- عمو بتعرف إنت المنهج اللبناني، معظمه باللغة
الإنجليزية، وعلشان هيك استقبلتنا مدارس الأونروا على أساس تعطينا شوية دروس بعد ما
يخلص الدوام المدرسي (..) بس بيني وبينك ما عم نستفيد شي، معلومات قليلة، بعدين ما
في شهادة، مساكين طلاب التاسع والبكالوريا (ويقصد المراحل الإنتقالية) شو بدهم يعملوا..
النازح من سوريا
"أجنبي" ويحتاج إذناً من الجيش لدخول أي مخيّم
- طيب انتو اللي بتصرفوا على البيت لحالكم؟
وين أبوكم؟ ما إلكم إخوات أكبر منكم؟
- عنا أخ متخرج من الجامعة، وأبونا كبير ومريض،
ولما راحوا يدوروا على شغل (عتّال- دهّان- بنّا... أي شي) كانوا يعرضوا عليهم إيجارات
أقل بكتير من اللي بيعطوها للبنانيين.. على أساس إنهم من سوريا ومحتاجين (..) يا دوب
كانوا يقدروا يوفروا حق ربطة خبز.
- كيف عايشين بغرفة صغيرة مع 3 عائلات؟ لك
أنا بدي أستوعب..
- في كتير ناس متلنا، لا بعيشة مرتاحين، ولا
حتى بالنوم مرتاحين (..) بتعرف إنو إيجار البيت بعين الحلوة اللي هو أصلاً مخيم للاجئين
الفلسطينيين بين (300) لـ (400)$ وبيكون صغير كتير وعالبلاط (يعني من دون فرش)..
- إيه بعرف، لك حتى هون بصيدا إيجار بيت بنفس
المواصفات حوالي (600)$
- بتعرف شو عمو؟ كنا مفكرين إنو اليوم اللي
راح نترك فيه المخيم راح نرجع فيه عبلادنا.. بس شوف وين صرنا؟ هلأ بس عرفنا شو يعني
"نكبة"..
نظَرَ محمد إلى الطفلين
مودِّعاً يذرف "دموع" ذكرى مضَتْ.. وعادَ بذاكرته إلى البعيد حيث هناكَ خضّبَت
"دماء الغوالي" (أخيه وأبيه) تراب اليرموك..
ما كان لينسى لولا أن
(الحياة تلاهي) كما يقولون.. هو شاب فلسطيني (لاجئ) مرَّتين! من فلسطين إلى سوريا ومن
سوريا إلى لبنان.. يعيش كغيره من شباب جيله ظروف "لبنان" القاسية عرفاً وقانوناً
إزاء أي كائن "فلسطيني" ناطق!
اكتظاظ غرف النازحين ساهم
في انتشار الأمراض الجلدية والتنفسية
ولمن أراد أن يقرأ تفاصيل
قصّة محمد الخطيب ورحلته من سوريا إلى لبنان، فإنه يجدها في عدد صحيفة فلسطين الصادر
يوم الثلاثاء 25- 12- 2012م، أو في أرشيف الصحيفة على الموقع الإلكتروني www.felesteen.ps لنفس التاريخ.
بإذنٍ من الجيش!
بالعودة إلى الحديث عن
اللاجئين الفلسطينيين النازحين من مخيمات اللجوء في سوريا إلى نظيراتها في لبنان نتيجةً
للأوضاع الداخلية السورية الراهنة، كان لـ "فلسطين" هذا اللقاء بسفير النوايا
الحسنة للمركز الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي في الشرق الأوسط عبد العزيز
طارقجي –المقيم في لبنان- والذي أطلعنا على المزيد من التفاصيل حول أوضاعهم المعيشية.
يقول :"كان من المفترض
أن تكون وجهة الفلسطينيين النهائية بعد خروجهم من مخيمات اللجوء هي قراهم ومدنهم التي
هجروا منها على أيدي العصابات الصهيونية إبان نكبة فلسطين عام 1948م.. لكن للأسف لم
يكن اللاجئون في سوريا ليتخيّلوا أنهم سيتحركون تحركاً –قد يكون نهائياً- من (لجوء)
إلى لجوء آخر"، في إشارةٍ منه إلى الأوضاع القانونية والإنسانية "المتميزة"
التي كانوا يعيشون فيها مقارنةً بأحوال اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة الأخرى
–تحديداً في لبنان.
إذ إنه ومع استقبال (سوريا)
للاجئين عام 1948م، أُنشئت المؤسسة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب وفق قانون رقم
(450)، وحملت على عاتقها هدفاً أساسياً هو مساعدة الفلسطينيين هناك على توفير مختلف
حاجياتهم، الأمر الذي ساهم في إصدار القانون رقم (360) لعام 1956م، والذي يتضمن نصه
معاملة اللاجئ الفلسطيني المقيم في سوريا على أنه (سوري) خصوصاً فيما يتعلق بحقوق التوظيف
والعمل والتجارة والتعليم، محترماً في الوقت ذاته رغبة الفلسطينيين في الإبقاء على
جنسيتهم الأصلية، ما أتاح لهم الانصهار بعد مدة وجيزة بالمدن السورية، والحفاظ على
الكينونة السياسية التي تحكي حالة اللجوء وحق العودة.
- ضاقت الحال الاقتصادية بالكثير من العائلات
الفلسطينية المقيمة في المخيمات السورية المختلفة، هذا ناهيك عن خطر البقاء فيها بسبب
القصف والتدمير، فقررت العديد من تلك العائلات النزوح إلى دولٍ مجاورة، دون أن يعلموا
أن ثمن هذا النزوح سيكون باهظاً على صعيد الكرامة والحقوق الإنسانية.
ويواجه الفلسطيني النازح
من مخيمات سوريا إلى لبنان مشكلةً كبيرةً في الدخول إلى مخيمات الفلسطينيين اللبنانية!
إذ تعده نقاط تفتيش الجيش المتمركزة على مداخل المخيمات "أجنبياً"، ويُمنع
عليه الدخول إلا بعد الحصول على إذن مسبق، سيما في مخيمات (الرشيدية، والبص، وعين الحلوة،
والمية ومية، والبرج الشمالي).
الاكتظاظ وعدوى الأمراض
ويؤكد طارقجي، أن الحكومة
اللبنانية لم تلقِ بالاً للظروف التي يمر بها اللاجئون الفلسطينيون من سوريا إلى لبنان،
ووجودهم الطارئ فيها من ناحية قانون تجديد وتمديد فترات الإقامة، وفرض الغرامات المالية
على المتجاوزين إياها، في حين اقتصر دور "الأنروا" على مجالات الإحصاء والصحة
–بشكل جزئي- والتعليم:
"جواز
السلطة الفلسطينية" يترنح بين انتقام "سوريا" و"مزاجية" لبنان
- في الحقيقة، الفلسطينيون أينما حلّوا يضربون
مثلاً رائعاً في التكاتف والتآخي، إذ بادرت العائلات الفلسطينية المقيمة في المخيمات
اللبنانية إلى استقبال العائلات الفلسطينية النازحة من سوريا كلٌّ حسب استطاعته، وليس
الفلسطينية وحسب، بل إن بعض العائلات السورية –وهي ليست قليلة- جاءت إلى هذه المخيمات
لاعتبارات غلاء الإيجارات والمأكل والملبس.
ولكن، العدد الكبير جداً
من العائلات الفلسطينية والسورية النازحة -على حدٍّ سواء- إلى المخيمات في لبنان، فاقم
من مشكلة الاكتظاظ السكاني العالي أصلاً، وتسبب بانتشارٍ كبيرٍ للأوبئة والأمراض الجلدية
والتنفسية، بين أوساط الفلسطينيين –حسب طارقجي:
- للأسف ومنذ ما يزيد عن الستة عقود هي عمر
النكبة الفلسطينية، لم تستطع الحكومة اللبنانية توفير أي إحصائيات مؤكدة حول أعداد
اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فوق أراضيها، فما بالنا ونحن نتحدث عن عائلات جديدة
سكنت هذه المخيمات؟! بالتأكيد لا يوجد إحصاءات دقيقة لعدد العائلات الفلسطينية النازحة
من سوريا إلى هنا.
-
هناك "انتقام"
وهنا "مزاج"!
وأعرب طارقجي عن أسفه الشديد
لاتخاذ بعض الفصائل والمؤسسات الفلسطينية في لبنان قضية اللاجئين الفلسطينيين النازحين
من سوريا مظلّة لجمع التبرعات التي تصبُّ نهاية المطاف في جيوب مسئوليها –إلا من رحم
الله منهم- على حد تعبيره، مستذكراً موقفاً مؤلماً جمعه بمسنّ من هؤلاء النازحين..
يقول :
- كان عجوزاً يقف ضمن صفٍّ مكون من عشرات
العشرات من النازحين الذين ينتظرون إغاثات إحدى المؤسسات تحت شمس الظهيرة.. عندما سألتُهُ
عن أحواله كفلسطيني هنا في لبنان من واقع عملي كحقوقي أجابني والدمع يكاد ينهمر من
عينيه :"رغم أننا كنا لاجئين في سوريا إلا أننا عشنا معززين مكرمين، نحن لم نأتِ
هنا لنشحذ لكننا مضطرون لسماع صراخ الموظفين علينا وشتائمهم وإهانتهم لكرامتنا من أجل
شحيح المساعدات.. نحنُ لم نسمح لأنفسنا بأن نشحذ بعدما هُجِّرنا قسراً من أراضينا في
فلسطين المحتلة، ولن نسمح بذلك الآن أبداً..
وحمّل طارقجي الفصائل الفلسطينية
كافة، مسئولية ما حدث للمخيمات الفلسطينية في سوريا نتيجة ما أسماه –التفكك القيادي
وغياب النظرة الوحدوية والقرار الفيصل الجماعي- الأمر الذي ساهم –كما يرى- في دخول
المسلحين إلى تلك المخيمات وزجّ أهلها في حالة الصراع السوري الداخلي:
إذلال واستغلال النازح
الفلسطيني من سوريا عيبٌ بحقّ العروبة والإنسانية
ويواجه حاملو جوازات السلطة
الفلسطينية في سوريا –كما يقول طارقجي- معاناةً كبيرة في الخروج من سوريا أو الدخول
إلى لبنان على حدٍ سواء، "فبعدما توقفت حركة حماس عن تأييد النظام السوري، حدثت
عملية انتقامية مفادها إيقاف الاعتراف السوري بهذا الجواز، فيما تتعامل الدولة اللبنانية
مع نفس الجواز بحالةٍ مزاجية.. ففي حال كان صاحبه مقرباً من شخص نافذ القرار في منظمة
التحرير، أو في السفارة الفلسطينية بلبنان، يمكن لجواز سفره أن يُعتمد، أما إذا كان
معارضاً فيقف جوازه على الفور" يضيف.
رقابة أمنية واستغلال!
ويعتقد طارقجي أن وجود
قيادات سياسية فلسطينية "فاشلة" في لبنان –إلا من رحم الله- لا تهتم إلا
بمشاكلها الداخلية مع الفصائل الأخرى، يزيد من تأزم أوضاع اللاجئين الفلسطينيين هنا
نتيجة عدم اهتمامها بتشكيل مرجعية سياسية فلسطينية موحدة تحاور الحكومة اللبنانية:
وتنظر الحكومة اللبنانية
إلى اللاجئين الفلسطينيين على أنهم يعيشون في مراكز أمنية قابلة للانفجار في أي لحظة،
الأمر الذي جعل من فرض الرقابة العسكرية على مخيماتهم من خلال إقامة مراكز أمنية على
مداخلها لرصد أنشطة الفلسطينيين السياسية أو العسكرية أمراً لا بد منه –كما يعتقدون:
- وفي عام 1959م، تم استحداث دائرة لإدارة
شؤون اللاجئين الفلسطينيين، تتبع لوزارة الداخلية من أجل التنسيق مع وكالة الغوث، بشأن
تقديم المعونة والمساعدات للاجئين الفلسطينيين، من استصدار لوثائق السفر وغير ذلك،
لكن هذه الدائرة لم تحقق إلا مصلحة الدولة اللبنانية سيما وأنها أشرفت على الخدمات
التي تتطلب دفع رسوم مالية تستفيد منها الدولة اللبنانية وحسب.
ويكمل طارقجي :"وكما
هو معروف، الفلسطيني في لبنان ممنوع من تقديم أوراقه لأي وظيفة حكومية، ناهيك عن منعه
من ممارسة العديد من المهن الأخرى، وهذا طبعاً ينساق على فلسطينيي المخيمات السورية
ولكن بشكل أكثر إذلالاً"، إذ يستغل بعض اللبنانيين من أرباب العمل وضع اللاجئ
السوري الاقتصادي المتردّي، ويقبله عاملاً عنده ببضع ليرات، بالكاد تكفيه وعائلته الخبز
منفرداً.
ويزيد :"نطالب القوى
والفصائل الفلسطينية المختلفة بالتوحد أمام تعنت الحكومة اللبنانية في ما يخص حقوق
اللاجئين الفلسطينيين، سيما المنكوبين الجدد من إخوتنا النازحين من المخيمات السورية،
ومحاولة مساعدتهم سواءً مالياً أو بدفع إيجارات بيوتهم"، مناشداً (الأنروا) لمزيدٍ
من الاهتمام فيما يتعلق بإعداد الكشوفات الطبية لجميع العائلات هناك، وتقديم برامج
الدعم النفسي والاجتماعي للعائلات المهجرة سيما الأطفال منهم حتى زوال هذه الغمّة".
فلسطين أون لاين، 24/5/2013