في ختام مؤتمر مركز الجزيرة للدراسات.. باحثون يسلطون الضوء على واقع اللاجئين الفلسطينيين بالدول العربية
الإثنين، 16 نيسان، 2012
اختتمت أمس أعمال مؤتمر مركز الجزيرة للدراسات بعنوان «اللاجئون الفلسطينيون في الوطن العربي.. الواقع والآفاق»، حيث قدمت أوراق قاربت قضية اللاجئين في الوطن العربي، ودور الثورات العربية وأثرها على الأوضاع الداخلية في فلسطين.
وفي ورقته التي حملت عنوان «تحديات الهوية لدى الشباب الفلسطيني في الشتات»، أكد الباحث الأكاديمي يوسف أبوالسعود أن الشباب الفلسطيني في الشتات عاش وما زال يعيش أشواق العودة والحرية مع كل أمل في تحرير الأرض، حيث ظلت القضية الفلسطينية حاضرة في ساحة النضال العربي، إلى أن تم التخلي الرسمي العربي فعليًا عن القضية مع انطلاق عملية السلام مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وبات اللاجئون الفلسطينيون -ونتيجة لتغيرات سياسات الدول المضيفة- أسرى لعمليات فرض الواقع المعيشي وفقًا لما تقتضيه السياسة الجديدة، وكانت سياسة الانكفاء القُطري والعودة إلى حدود سايكس بيكو هي التي تسود المشهد الداخلي.
وأكد أبوسعود وجود فارق كبير نسبي في سياسات التعامل مع الهوية الفلسطينية بين الدول المضيفة, وقال إن الدولة الأردنية على سبيل المثال ورغم حصول معظم اللاجئين الفلسطينيين على العديد من المكتسبات المدنية، فإن التذبذب في الموقف من الهوية الفلسطينية تبعًا لتطورات العلاقة الأردنية مع الملف الفلسطيني ألقت بظلالها على سياسات الدولة تجاه فعاليات الحفاظ على الهوية الفلسطينية عوضا عن ممارستها.
وأضاف الباحث أن وجود هذا العدد الكبير من اللاجئين الفلسطينيين المتمتعين بالجنسية الأردنية يشكّل تحديًا كبيرًا لهوية الدولة الأردنية، كما أن سياسات بعض الفصائل الفلسطينية، ومخاوف الوطن البديل، وسياسة الترانسفير المتبعة إسرائيليًا أسهمت وبشكل كبير في تأجيج المشاعر المتبادلة، والتي أفضت إلى صراع خفي بين الهويتين لم تفلح المقاربات المتعاقبة للحكومات الأردنية في القضاء عليه من خلال تشكيل ثقافة جامعة تحافظ على الهويتين باعتبارهما نقيضًا للعدو بدلاً من كونهما نقيضًا لبعضهما في الداخل، وهنا يبرز الدور المباشر لمعاهدة وادي عربة ودخول السياسة الأردنية معسكر السلام، وما تبع ذلك من آثار على ممارسة الهوية النضالية للاجئين في الأردن، خاصة مع حالة الانكفاء القُطري والانشغال بالهم الداخلي وبروز شعارات محلية بامتياز، تلك الشعارات التي اجتاحت المنطقة لتقضي على الأحلام الوحدوية والعروبية وأخوة الدين والنسب، وما تبع ذلك من إجراءات على الأرض تمثلت في إذكاء المقاربة الأمنية في التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين، وما تبع ذلك من نشوء جيوب متطرفة لدى الشباب الفلسطيني والأردني في آن واحد، وما نسمعه ونراه على الشبكة العنكبوتية وملاعب الكرة خير دليل على ذلك.
وتطرق الباحث أبوالسعود إلى الوضع في لبنان, وقال إن وجود العمل المقاوم في المخيمات وسياسات الدولة تجاه الحقوق المدنية للفلسطينيين على أراضيها، إضافة إلى طبيعة التركيبة السياسية والطائفية للنظام السياسي اللبناني، كلها عوامل ساعدت في حالة الانشغال الفلسطيني بلقمة العيش والمستقبل الاقتصادي المجهول، وتركت المجال أمام بروز الهوية الفصائلية لبعض الشباب الفلسطيني، عوضًا عن حالة النقمة والسخط الشديد تجاه الظروف المعيشية البائسة والتي ألقت بظلالها في شكل صراع شديد لدى الأجيال الجديدة وأصبح سؤال الهوية وممارستها ملحا، بل يشكّل ردة فعل على النظرة الدونية التي تتعامل بها السلطات مع الشباب الفلسطيني.
وفي تناوله لوضع اللاجئين في سوريا قال الباحث إن اندماج الفلسطينيين في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في سوريا يخلق انطباعًا لدى الكثيرين بأن المخيمات الفلسطينية ليست معازل، لكن هوية اللاجئين الفلسطينيين تظل مختلفة ومتباينة عن السوريين، ولعل حالة الاصطفاف السياسي للنظام السوري في محور ما سُمي الممانعة ألقت بظلالها على حرية ممارسة الهوية الفلسطينية، والتي كان لها الأثر البالغ في خلق حالة الانسجام التي ذكرناها، يضاف إلى ذلك أن أعداد الفلسطينيين المتواجدين في سوريا قياسًا بأعداد الشعب السوري لم تشكّل تحديًا مباشرًا للهوية الوطنية السورية.
وفي نهاية حديثه أكد الباحث على ضرورة الالتقاء والتواصل بين الفلسطينيين في فعاليات تجسد الهوية الفلسطينية بين الشباب، باعتبارها هوية نضالية تعتز بانتمائها إلى فضائها العربي والإسلامي، كما شدد الباحث على ضرورة العمل وبشكل منظَّم في الضغط على المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها «الأونروا» في سبيل إدماج أنشطة الهوية الفلسطينية والتراث الفلسطيني في المناهج المقدَّمة لأجيال اللاجئين باعتباره حقًا إنسانيًا، ومدخلاً مهمًا لبناء قدرات الشباب الفلسطيني وترشيد ممارساته على الأرض وكذلك استثمار التغيرات الناشئة عن الربيع العربي في التخلص من حالة السلبية والخوف، في سبيل إعادة الاعتبار للروح الوحدوية العربية والهم المشترك، ووضع القضية الفلسطينية في مركزية هذه التحولات.
الفلسطينوفوبيا:
في بحثه عن مفهوم الفلسطينوفوبيا الذي تناول الواقع الاجتماعي والسياسي للاجئين الفلسطينيين عرف الباحث أديب العربي (الفلسطينوفوبيا) بأنه الخوف من العامل الديمغرافي أو السياسي الفلسطيني بالوجود الفلسطيني لاجئًا في البلاد المضيفة، وقال إنه ومع أن لكلٍّ غرضه من النفخ في بالون التناقضات مع هذا الوجود فإن ما جمع الكل هو الرغبة الأكيدة لديهم في تحجيم إمكانات تسببهم في عدم استقرار الدولة المضيفة بأي شكل من الأشكال؛ ففي الأردن عندما أصبح الاستقرار منوطًا بالوجود المسلح الفلسطيني دخلت الدولة الأردنية في حرب مع المنظمة، وتعاظمت مشاعر الشقاق بين الدولة برمزيتها والممثل الرسمي للفلسطينيين م.ت.ف وظلت العلاقة المتوترة قائمة على الخوف مما يسمى الوطن البديل إلى الآن. وفي سوريا عندما لم يلتق الخطان: الفلسطيني الرسمي ممثلاً بمنظمة التحرير, والخط السياسي للدولة السورية, وتمايزت التوجهات, أوصلت المؤسسة السورية رسالتها غير القابلة للنسيان متمثلة في تل الزعتر وحرب المخيمات والملاحقات التي قامت بها أجهزة الدولة ضد العناصر (المشاكسة) من الفلسطينيين، أما في لبنان فإن التجربة كانت أمرّ عندما تعلّق الأمر بدخول إسرائيل على الخط اللبناني وطردها للعنصر الفلسطيني المسلح وبالتالي تمكينها للدولة اللبنانية من أخذ زمام الأمور في إحكام القبضة على الوجود الفلسطيني هناك.
وأضاف الباحث أنه منذ ذلك الحين وظهْر الفلسطيني مكشوف أمنيًا ورأسه مسقوف سياسيًا، فالمشروع الذي تحدث عنه نتنياهو أو شارون أو غيرهما بحق الأردن كدولة للفلسطينيين لاقى صداه في العقل الأردني، وزاد من مفاعيله قدرة الفلسطيني على تحقيق اختراق اقتصادي كبير بسيطرته على مفاصل مهمة في الاقتصاد الوطني الأردني وهو ما ولّد شعورا بأن الفلسطينيين يملكون البلد اقتصاديا وهم موجودون فيها اجتماعيا ولا ينقصهم من أجل إتمام فكرة الوطن البديل إلا التسلق إلى رأس النظام واستلامهم زمام الأمور.
واعتبر الباحث أن هذه المعطيات والأقاويل على بساطتها لاقت صدى لدى نخب كما أفراد وجماعات في الجانب الأردني, وهو ما خلق حالة من التوجس والقلق رغم أن الفلسطينيين جماعات أو أفرادًا لم يُبدوا تجاوبًا ولا قبولاً لهذه الفكرة وليسوا من دعاتها أو الراغبين فيها.
وفي تناوله للفلسطينوفوبيا في لبنان قال الباحث زيادة إن عنصر التسييس الطائفي دفع بالقائمين على شأن الدولة اللبنانية إلى انتهاك حقوق الفلسطينيين التي يكفلها لهم القانون الدولي الإنساني كلاجئين, فمن حقهم العيش الكريم ومن حقهم أن يُعامَلوا بمستوى يليق بالإنسان وحقوقه لا أن يُحرَموا من سبعين وظيفة ومهنة يعمل بها نظراؤهم اللبنانيون؛ مما دفع بكثير منهم إلى البحث عن الهجرة إلى دول الغرب والتعلق بها ورؤيتها كمهرب من واقع مرير.
لاجئو العراق
ألقى الباحث محمد مشينش رئيس لجنة القدس في مركز العلاقات العربية التركية الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين في العراق, وتعرض المئات منهم للقتل لأسباب الشحن الطائفي غير المفهومة في ظل تغاضي أو شراكة حكومة في هذا الاضطهاد، وقال الباحث إن الملامح الطائفية لاستهداف الفلسطينيين في العراق كانت واضحة ومن منطلقات مختلفة؛ فمنها ما هو عقدي ومتوارث، وآخر متعلق بالنظرة الخاطئة للوجود الفلسطيني في العراق والمبنية على أعداد مبالغ فيها لهم وارتباطات موهومة بالنظام السابق، ومنها ما هو متعلق بمصالح شخصية للفئات الكارهة للوجود الفلسطيني.
وأضاف الباحث مشينش ولكن الأبرز هو أن ما حصل لهم من حملات استهداف وتهجير ممنهجة ومنظمة لم تكن بعيدة عن توجهات الأحزاب الكبيرة في العراق والراغبة في إخلاء العراق من العرب خصوصا الفلسطينيين، كتوجه عام لديهم يتضح من ممارساتهم العملية.
المصدر: محمد الشياظمي – العرب القطرية