في مخيمات الجنوب الأضحى قبل أوانه والمقاومة أثبتت نجاعتها
الأربعاء، 19 تشرين الأول، 2011
كان أمس يوم فلسطين بامتياز في مخيمات الجنوب التي عاشت، لحظة بلحظة، عرس الحرية للأسرى الفلسطينيين. التكبيرات صدحت من مآذن المساجد فيما كانت العيون شاخصة الى حيث يجب أن تشخص دائماً... فلسطين..
لم يحن موعد عيد الأضحى بعد، لكن «تكبيراته» ارتفعت أمس من مآذن مساجد مخيم عين الحلوة احتفالاً بـ «عيد» آخر، هو عيد تحرير أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرائيلي. فرحة لا توصف عمّت المخيم الفلسطيني الأكبر في لبنان، الذي يوصف بـ «عاصمة الشتات الفلسطيني».
سكان المخيم الذين رأوا «أن شمس الحرية سطعت بتحرير مئات الأسرى»، شددوا على «التمسك بخيار المقاومة لتحرير الأرض والأسرى». وهو خيار أكدت عليه أيضاً لافتات رفعتها حركة حماس وفصائل فلسطينية جاء فيها: «بالمقاومة عاد الأسرى أحرار، بالمقاومة ستعود الدار».
شاشة عملاقة رفعت بالقرب من مسجد خالد بن الوليد لمشاهدة وقائع «عرس الحرية» الذي بثته القنوات الفضائية والأرضية، فيما جاب أطفال «روضة السنابل» شوارع المخيم، ولوّحوا بأعلام فلسطينية وصور كتب عليها «بالمقاومة كسرنا قيد الجلاد». معلمتهم حنان العبد الله أرادت اختبارهم في درس غير نظري تعلموه لتوهم، فسألتهم: من حرر الأسرى؟ ردوا عليها بصوت واحد «المقاومة»، مردفين: «سلام على كتائبك يا حماس». الحلويات وزعت بكثافة في أزقة المخيم لأن «اليوم عيد»، كما قال أكثر من التقيناهم. زغردت الحاجة وفيقة صبح: «هيه يا ولاد فلسطين المشردين والمقيمين. دمعة من عين الحزين. جينا الشمس نضويها بشموع المعتقلين».
سنترال داخل عين الحلوة يؤمن عادة اتصالات هاتفية بين المخيم وغزة والضفة، انشغلت أمس خطوطه بالكامل. الحاجة مريم الحسن تهنىء، عبر الهاتف، شقيقتها فوزية في غزة على تحرير ابنها محمد سالم، الذي شملته صفقة التبادل. تقول «بدي اعمله عرس مطنطن بالمخيم. الله فك اسره. بس ليوصل من المعتقل بوسيلي يداه، وشو بطمن خالتو مريم؟ الله نصرنا يا فوزية».
ريم الخطيب نغّصت فرحتها بتحرير المعتقلين الأنباء الواردة عن تدهور الحال الصحية للأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات، المعتقل في سجون اسرائيل، ونقله الى المستشفى. تدعو الخطيب الجناح العسكري للجبهة داخل فلسطين الى تنفيذ عملية خطف جندي اسرائيلي ومقايضته بسعدات وأسرى فلسطينيين، «فقد أثبتت التجربة نجاعة خطف إسرائيليين» قالت، بعدما عددت عمليات تبادل جرت سابقاً بين المقاومة والعدو. وداخل مركز الجبهة في المخيم، رفع المقاتل «أبو الليل» صوراً لسعدات ومروان البرغوثي وأبطال عملية اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي. خاطب «أبو الليل» صورة سعدات: «يا قمرنا هل وضوّي الكرة الأرضية، ما خلقنا نعيش بذل خلقنا نعيش بحرية».
مدينة صيدا احتفلت أيضاً بتحرير الأسرى، فأقام شباب القوى الوطنية «حواجز حرية» وزعت الحلويات على المواطنين، بينما كان صوتا فيروز وجوليا يصدحان من محال لبيع الكاسيت في الشارع الرئيسي للمدينة: «طلعنا على الضو» و«بكم يتحرر الأسرى».
وفي مخيم البص في صور، كانت أم علاء تتابع مجريات انجاز عملية تبادل الاسرى بين "إسرائيل” والمقاومة الاسلامية - حماس، على شاشة التلفاز، بصمت مطبق. لكنها ما إن سمعت احد المراسلين يشير الى توجه الاسير الاسرائيلي جلعاد شاليط الى منزله في شمال الاراضي المحتلة، حتى انتفضت متمتمة: «إذاً، يمكن للمقاومة الاسلامية في لبنان، ان تأسره مجددا وتحرر آلاف الاسرى». دبت الحماسة في العجوز كأنها ستهب لترصد شاليط عند الحدود الجنوبية. الا انها سرعان ما تهمد وتفرح بمقدار، كسواها من لاجئي المخيمات في الشتات.
ومنذ الصباح الباكر، تسمّر الجميع امام الشاشات لمتابعة وقائع العملية. فيما تولى عناصر حماس ايقاظ اهالي مخيمات صور على وقع التكبير والتهليل والاناشيد الاسلامية التي استمرت في مآذن الجوامع طوال اليوم. اما اطفال كشاف الاسراء التابع لها، فوقفوا على مداخل المخيمات ووزعوا الحلوى للعابرين. وعصراً، نظمت الحركة في البص احتفالا خطابيا، تحدث فيه ممثلون عنها وعن حركة امل وحزب الله. وأعقبت الاحتفال مسيرة رمزية جابت شوارع المخيم.
قبالة السائرين، اختلطت الافكار في رأس ام خليل ناجي التي تمنت لو ان الصفقة شملت ابنها منير الذي فقد ابان الاجتياح الاسرائيلي في عام 1982، مذ كان في الخامسة عشرة. الى جوارها، جلس مصطفى عزيز يستعرض عمليات تبادل الاسرى التي تمت داخل الارض المحتلة او في لبنان. عشرات التبادلات حررت آلاف الاسرى من بينهم هو نفسه في عملية بين "إسرائيل” وحركة فتح تمت قبل 28 عاما تماماً. يخلص الى نتيجة مفادها ان الاسرى الذي خرجوا امس من المعتقل الى الابعاد داخل وطنهم، وضعهم اصعب من وضعه عندما خرج من معتقل انصار الى مخيم البص، برغم انه حظي بـ «مشوار» لأيام الى فلسطين، ولو كان الى معتقل الجلمة. فهو اعتاد الشتات والتشرد مذ فتح عينيه على الدنيا قبل 49 عاما، أما هم فتشردهم لا يزال في بداياته.
المصدر: خالد الغربي, أمال خليل – الأخبار