القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

لماذا تفجّر غضب الأهالي في البارد وعين الحلوة؟

للإسراع بإعادة الإعمار وإلغاء الحالة العسكرية
لماذا تفجّر غضب الأهالي في البارد وعين الحلوة؟
 

الإثنين، 09 تموز، 2012

ما الذي دفع الأهالي في مخيم نهر البارد إلى التحرك سلمياً؟ ولماذا في هذا التوقيت تحديداً؟ هل صحيح أن التحرك ليس بريئاً وهو مرتبط بأجندات خارجية هدفها توريط «الكتلة الديموغرافية الفلسطينية» بالأزمة اللبنانية والوقوف مع طرف ضد آخر؟! أم أن التحرك كان عفوياً، وجاءت حادثة الدراجة النارية لتُفجّر الأحداث؟! لماذا مخيم نهر البارد منطقة عسكرية، ويخضع فيها الفلسطينيون لنظام التصاريح؟ ولماذا لا يجري الإسراع بإنهاء مأساة أهالي البارد بعد مُضي خمس سنوات على معاناتهم جراء أمر لا ناقة لهم فيه ولا جمل؟! وهل يُردُّ على حجارة الأهالي العزّل بالرصاص الحي؟! ولماذا يسعى البعض إلى توتير الأجواء والعمل على تكريس حالة من العداء مع الجيش اللبناني؟!

الوقائع الميدانية

ترى مصادر فلسطينية مطلعة على مجريات الأمور أن ما حصل في مخيم نهر البارد مساء يوم الجمعة (15/6/2012)، وأدى إلى سقوط الفتى أحمد عادل أنيس قاسم، (17 عاماً) شهيداً برصاص عناصر الجيش اللبناني، ما كان يجب أن يحصل.

فما حصل على أرض الواقع في المخيم بحسب رواية المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)، وبحسب ما جمعته من بيانات ومعلومات، كان من الممكن تجنُّبه لو روعيت قواعد الضرورة العسكرية. ففي تمام الساعة السادسة والربع، من مساء يوم الجمعة (15-6)، حاول عناصر من الجيش اللبناني خلال قيامهم بدورية داخل المخيم توقيف شخص فلسطيني من «آل الوحش»، كان يقود دراجة من دون أوراق قانونية، حسب ما أفاد الجيش اللبناني في بيانٍ صادر عنه. وعند وصول عناصر من الجيش إلى بيت صاحب الدراجة النارية، حصل تلاسن ثم تدافُع مع عناصر من الجيش، وقعت على أثره امرأة فلسطينية على الأرض (البعض يقول إنها ضُربت)، وتطوّر الأمر حين انهال عناصر من الجيش على صاحب الدراجة بالضرب، بحسب إفادات شهود عيان. تجمهر عشرات من سكان المخيم محاولين منع عناصر الجيش من احتجازه. عندها رمى الشبان الفلسطينيون المتجمهرون عناصر الجيش بالحجارة، فردَّ الجيش بإطلاق النار تارةً في الهواء وتارةً أخرى باتجاه الشبان، ما أدى إلى سقوط الضحية «أحمد عادل أنيس قاسم»، بعد إصابته إصابة قاتلة في الرأس، وخمسة جرحى آخرين نقلوا إلى مستشفى صفد في مخيم البداوي.

إثر ذلك، حصلت لقاءات بين مدير المخابرات العميد الركن إدمون فاضل، بحضور عدد من الضباط مع ممثلين عن الفصائل الفلسطينية. أسف فيه قائد الجيش العماد جان قهوجي على لسان العميد الركن فاضل لسقوط ضحايا من المدنيين الفلسطينيين والعسكريين اللبنانيين، ووعد بكشف ملابسات الحادث من خلال تحقيق سريع لتحديد المسؤوليات، وتجنب تكرار ما حصل. كذلك عقدت الفصائل الفلسطينية اجتماعاً طارئاً في مقر السفارة الفلسطينية في بيروت، وأصدر المجتمعون بياناً أسفوا فيه لما جرى في نهر البارد، وأكدوا حرص الشعب الفلسطيني على السلم الأهلي في لبنان. وأدان المجتمعون إطلاق النار على السكان المدنيين في المخيم وطالبوا قيادة الجيش بتأليف لجنة تحقيق في الحادث، ورفع الحالة العسكرية المفروضة على المخيم.

وعاد الوضع ليتوتر من جديد أثناء تشييع الشهيد أحمد قاسم، ليسقط الشهيد فؤاد لوباني وعدد من الجرحى برصاص عناصر الجيش اللبناني. وهذا أدى أيضاً إلى انتقال حالة التوتر إلى بقية المخيمات الفلسطينية، وخصوصاً إلى مخيم عين الحلوة ليسقط الفتى خالد محمد يوسف شهيداً أثناء مشاركته في المسيرة السلمية للتضامن مع أهل مخيم نهر البارد.

انفجار الأوضاع

وفي العموم، سقط شهداء في مخيمي نهر البارد وعين الحلوة. لم تعد الأسباب كما يرى أحدهم بسيطة وغير متعلقة بمعادلات سياسية واستغلال سياسي من أكثر من طرف، وإعلام اعتمد الإثارة والتضخيم حيناً، أو التعاطي مع المسألة وكأن الدم المسفوح ظلماً مجرد وقود لأزمة يريد الأطراف كلٌّ من موقعه استغلالها وتوجيهها إلى حيث تخدم مصالحه!!

فبعد سقوط شهداء وجرحى، انفجر الغضب الشعبي الفلسطيني بسبب استسهال عناصر من الجيش اللبناني إطلاق النار على المحتجين. وإن كان لا يمكن تبرئة بعض اللبنانيين من محاولة استغلال تلك التحركات الاحتجاجية خدمة لأهدافهم وتوجهاتهم، إلا أنه يمكن الجزم فلسطينياً بأن التحركات كانت احتجاجات سلمية، وربما كانت ستأتي وإن تأخرت بفعل الكثير من العوامل الموضوعية المستمرة منذ انتهاء الحرب مع تنظيم «فتح الإسلام» وتدمير مخيم نهر البارد.

وما حصل فعلاً هو تحركات احتجاجية سلمية، فالفصائل والقوى الفلسطينية السياسية أكدت في أكثر من مناسبة سياسة النأي بالنفس عن الدخول في التجاذبات السياسية اللبنانية الداخلية، كذلك إن الأوضاع الميدانية في نهر البارد لا تسمح بأكثر من هذه الاحتجاجات السلمية، وخصوصاً أن الإجراءات العسكرية والأمنية للجيش مشددة حول المخيم باعتباره منطقة عسكرية مغلقة منذ (20/5/ 2007)، وسيطرته مُحكمة عليه، ولا يُسمح لأي فلسطيني بالدخول إلى المخيم، وإن كان من سكانه إلا بتصريح عسكري، ولا يُسمح لأي أحد من مخيم آخر، وإن كان له أقارب داخل نهر البارد بالدخول إليه للزيارة إلا بعد الحصول على تصريح عسكري!!

وبعد حوادث الاحتجاجات، باتت المخيمات الفلسطينية ـ وخصوصاً نهر البارد ـ في قلب العاصفة، ليس للسؤال عن أحوال المخيم المُدمَّر الذي لم يُعَد بناء سوى (20 %) منه (إنجاز رزمتين من أصل سبع رزم لغاية الآن)، والكثيرون من أهله ما زالوا مشردين، وجبّانة المخيم القديمة ما زالت مُصنّفة منطقة عسكرية يُمنع على المدنيين دخولها إلا في الأعياد، بتصريح من المخابرات!! فضلاً عن نظام التصاريح العسكرية المعمول بها، حيث يُمنع على ابن المخيم الدخول إلى منزله إن لم يكن التصريح موجوداً معه!!

وجاء ذلك مترافقاً مع حملة إعلامية شعواء استهدفت الفلسطينيين، متسائلة عن التوقيت والخلفيات والجهة المُحرِّكة للورقة الفلسطينية، ومدى ارتباط ذلك بالوضع الهش في الشمال وطرابلس، ووجود المعارضة السورية والجيش السوري الحر في عكار التي هي بمثابة الحديقة الخلفية الواسعة لها!!

وذهب البعض اللبناني إلى أبعد من ذلك؛ إذ وضع ما حصل في خانة سياسية بامتياز، وخصوصاً أنها جاءت في أعقاب تطورات إقليمية وداخلية بارزة ليس أولها التقارب الفلسطيني – الفلسطيني في غزة، ولا آخرها الحرب المفتوحة في سوريا، مروراً بالحملة الداخلية المركّزة على الجيش اللبناني، والتي تهدف للنيل منه ومن دوره في حفظ السلم الأهلي من جهة ومراقبة المخيمات وضبطها من جهة ثانية.

إن معالجة ذيول ما حصل والعمل على منع تكراره يجريان على مستويين:

الأول: ما يتعلق بمخيم نهر البارد، الذي يؤكد أهله أن المخيم ليس في حالة عداء مع الجيش اللبناني ولن يكونوا، وهم خارج التجاذبات السياسية الداخلية اللبنانية. وبناءً على ذلك يجب تشكيل لجنة تحقيق بالحادث المؤسف، وخصوصاً أن هناك شهداء وجرحى من أبناء المخيم، وإطلاق سراح الموقوفين ورفع الحالة العسكرية المفروضة على المخيم.

وطالبت لجنة المتابعة العليا للجان الأهلية في المخيمات بعدم إطلاق النار على المدنيين العزل في المخيمات، واللجوء إلى استخدام الوسائل الآمنة في التعامل مع المحتجين، كاستخدام خراطيم المياه أو الغاز المسيل للدموع وغيرها،... وبالعمل على تكريس العلاقة الأخوية بين أهالي المخيم ومحيطه وبين عناصر الجيش اللبناني وقيادته وإلى تفويت الفرصة على كل من يحاول ضرب الأمن والسلم الأهلي للمخيمات الفلسطينية وجوارها.

ودعت فصائل المقاومة الفلسطينية في بيان صادر عنها الدول المانحة التي تعهدت المساهمة في إعادة اعمار مخيم البارد إلى الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها للإسراع في إعادة إعمار المخيم، مُحذرة من توريط الجيش اللبناني والمخيمات الفلسطينية في فتنة لا تخدم إلا الكيان الإسرائيلي، مؤكدة رفضها استخدام المخيمات صندوقَ بريد لأحد في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها المنطقة.

الثاني: يجب على الحكومة والمجلس النيابي إقرار الحقوق المدنية والاجتماعية، وإصدار قرارات وقوانين وتشريعات جديدة تنصف اللاجئين وتعزز من صمودهم وعيشهم بكرامة. وإلغاء (قانون التملك 296) الصادر بتاريخ (2001/3/20)، كاستثناء مطبق يحول دون تسجيل اللاجئ الفلسطيني لحقوقه العقارية، ويمنعه من تملك أي حق عيني من أي نوع كان؛ لأنه شخص لا يحمل جنسية دولة معترف بها. مع التأكيد أن تمسك الفلسطيني بحق العودة ورفض مشاريع التوطين والتهجير، لا يتناقضان مع ضرورة توفير العيش الكريم للفلسطيني والمحافظة على كرامته.

أخيراً، بناءً على ما تقدم، يظهر لنا للأسف، أن البعض اللبناني لا يزال مُصراً على القراءة الخاطئة لمجريات الأحداث وخلفياتها وسياقاتها وتداعياتها الحقيقية، والهروب باتجاه سياقات ملتبسة ومختلفة عن الواقع وما يمكن أن ينجم عنه من أحداث يمكن الكثيرين استغلالها، بينما إن عولجت أسبابها فسيكون ذلك عاملاً إيجابياً يخدم العلاقة الإيجابية المشتركة بين الشعبين اللبناني والفلسطيني... وخصوصاً أن الفلسطينيين يؤكدون أنهم ليسوا طرفاً في التجاذبات اللبنانية الداخلية، لكنهم أيضاً لن يكونوا مكسر عصا لأحد، مع تأكيد العلاقة الأخوية مع الجيش واللبنانيين كافة، على قاعدة الاحترام المتبادل وصيانة الكرامة.

المصدر: هيثم أبو غزلان – مجلة العودة