القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

لنا الكرنز.. أول فتاة فلسطينية صانعة للأطراف بغزة

لنا الكرنز.. أول فتاة فلسطينية صانعة للأطراف بغزة


الإثنين، 20 نيسان، 2015

«أن تصنع طرفًا لإنسان، أسمى رسالة يمكن أن تكون، يكفيك شعورك بمنحه بريقًا من حياة، وإن كنت لا تعوّضه عما فقده»، تقول أول شابة فلسطينية متخصصة بصناعة وتركيب الأطراف الصناعية في قطاع غزة.

ووجدت «لنا الكرنز» في هذه المهنة طريقها نحو هدفها في حياتها، ولكن وجودها في غزة، حوّل هذه الرسالة لمسئولية جمّة، خاصة وأن هذه البقعة الجغرافية هي الأكثر إلحاحًا لهذه الصناعة، والآلاف من أبنائها يعانون من البتر بسبب العدوان الإسرائيلي.

ولا تبدأ أو تنتهي المسئولية أو الرسالة على حد سواء، بصناعة أو تركيب الطرف الصناعي، وإنما بمجيء الشخص المبتور «الرافض للحياة» على المركز الذي تعمل به، الأمر الذي يحتم على الكرنز وزملائها البدء أولاً بدعم وتأهيل نفسي له.

لا تعتمد على العضلات

وتقول لنا لوكالة صفا: «بدأ مشواري في مهمة صنع وتركيب الأطراف الصناعية عام 2010، أي بعد تخرجي من الجامعة، ولكن مهمتي الفعلية فيه بدأت عام 2013، بعدما أنهيت تدريبات مكثفة لي في هذا المجال».

وتخرجت الكرنز (26عامًا) من تخصص العلاج الطبيعي بجامعة الأزهر بغزة، ثم تلقت دورات في صنع الأطراف مع خبراء دوليين، ثم سافرت إلى الهند ودرست مدة عامين، وحصلت على شهادة في الأطراف الصناعية وأجهزة الشلل.

وكما تقول «كل الحالات تأتي على كرسي متحرك، وهنا يبدأ الامتحان، علينا أن نخرجه مشيًا على قدميه، وأن نعيده إلى حالته الطبيعية التي سبقت البتر».

وتضيف «لأن معظم الحالات تعرضت لصدمة نفسية ومشاهد تفقد الشخص جزءًا من عقله وقلبه، بفقدانه طرف من أطرافه، لأنه يعلم حينها يقينًا أنه لن يُعوض أو يعود».

وتحاول الكرنز-التي تعمل في مركز الأطراف الصناعية الوحيد في غزة- مع فريق متكامل يشمل أيضًا أخصائيين في استقبال المريض والأطراف، والنفسيين أيضًا، لإقناع الشخص، بأنهم سيساعدونه على «ارجاع جزء من حياته الطبيعية السابقة للبتر».

«هذه هي رسالتي في عملي أولاً، فمهنتي في تركيب الطرف لا تعتمد على العضلات، على قدر ما تعتمد على عقل الإنسان في تركيب الطرف ككل».

والكرنز الخامسة في فريق صنع وتركيب الأطراف بالمركز، والفتاة الوحيدة فيه.

وتضيف «الكثير من المرضى يتألمون بل يرفضون فكرة الطرف الصناعي، وهم جاءوا لتركيبه لأنهم يعلمون أن طرفهم الذي فقدوه لن يعود، وهو شعور مؤلم علينا أن نخفف تأثيره عليهم».

عملية متكاملة

وتبدأ عملية صنع الطرف بأخذ مقاسات الطرف المبتور، عن طريق قطع من الجبس، يتم عن طريقها أخذ قالب القدم أو اليد وشكلها.

و تشرح الكرنز قائلة «عملية تنعيم الطرف مهمة حتى يتناسب مع الجزء المتبقي من الطرف المبتورة، وهذا يتطلب أن نؤهل الشخص لعملية صبّ الطرف بمواد بلاستيكية خاصة، بحيث يكون قريب بأكبر قدر ممكن من القدم الطبيعي في الشكل، ثم تركيبه».

وتعود الكرنز لبداية مرحلة جديدة تتطلب منها أن تتمتع بروح رياضية عالية وقدرة على التحمل، من أجل تدريب المريض على المشي بالطرف الجديد.

ولكن التعامل مع حالة مبتورة الطرفين، مهمّة أكبر وأصعب بالنسبة للكرنز، ليس فقط لأنها تتطلب صناعة طرفين يتناسبان مع حجم الإنسان ووزنه، وإنما في تأهيل ودعم هذا الشخص نفسيًا، لأن الألم يزيد بحجم البتر.

وكما تقول «مثل هذه الحالة أيضًا يمكن أن يقل العمر الافتراضي للطرفين الصناعيين عند الشخص، لأن تغيرات فسيولوجية قد تطرأ، كما أن وزن الطرف الصناعي يجب أن يكون أقل من وزن الشخص».

وتتابع «بالتالي قد نركّب طرفًا لطفل فيكبر، أو لشخص نحيف فيسمن، أو أصيب بأمراض كالسكر، فيصبح عنده البتر أكثر، وفي كل هذه الحالات نضطّر لتغيير الطرف في فترة أقل من 3 سنوات، وهي العمر الافتراضي للطرف الصناعي».

وتستغرق عملية صناعة وتركيب الأطراف تحت الركبة 6 أيام، أما الطرف من فوق الركبة فيستغرق من 8 إلى 10 أيام، أما الأطراف العلوية فتستغرق 4 إلى 5 أيام لصناعتها وتركيبها.

إرادتهم أقوى

وتجد الكرنز في صناعة الطرف الصناعي متعة، مثلها مثل الفن التشكيلي، خاصة وأنها تهوى الرسم والنحت قبل تخصصها هذا.

«ولكن تركيب الطرف بالنسبة لي شعور بتغيير حياة إنسان، وهذا بحد ذاته يسعدني، بل إنه من أسباب السعادة والرضا لي عن هذه الحياة»، تقول بإرادة وثقة.

ولا تشعر هذه الشابة بالشفقة تجاه الشخص المبتور، وإنما «أشفق على نفسي حينما أرى هذه الحالات، كيف أنها تتحمل ألام أن يكون لها طرفًا صناعيًا، وتتمتع بإرادة أكثر مني، حتى أن منهم من يتحوّل لبطل في الرياضة».

وتقول بلهجة حاملة على سلبيات المجتمع : «هؤلاء يشعروننا بأنهم يريدون أن يندمجوا في مجتمع ليس بالطبيعي في تعامله مع هذه الفئة».

وتتابع «الطرف أولاً ليس ماسورة وحديدة أو قالب، وإن كان كذلك بالنسبة لهؤلاء من وقع الصدمة، لكنه يتحوّل لإرادة ووسيلة لاستكمال مشوارهم في الحياة حتى النهاية، وهو ما يغير من نفسياتهم».

وفي قلب الكرنز مواقف من عملها الإنساني البحت، خاصة مع فئة الفتيات، «فجميعهنّ يأتين بحالة نفسية صعبة، غير متقبلة لحالة البتر مطلقًا، وهو ما يجعل المسئولية لدعمهم نفسيًا من البداية حتى النهاية أكبر».

تطوّر ذاتها لأجلهم

وخلال الأعوام القليلة الماضية أصبحت "لنا" تشعر وكأنها طائر يحلّق في سماء عالم المبتورين، وهي لذلك أخذت على عاتقها تطوير ذاتها لخدمة هذه الشريحة، فهي تدرس حاليًا "تقويم العمود الفقري" في تنزانيا، عبر التعليم عن بعد.

وأنجزت الكرنز تركيب أكثر من 120 طرفًا صناعيًا وجهاز شلل، بالتعاون مع فريق المركز، وفي العام الماضي أتمت وحدها صناعة وتركيب 78 طرفًا لمبتورين من حروب الاحتلال الإسرائيلي على غزة.

وتقول «الحرب زادت عدد المبتورين بشكل رهيب، وأصبحنا نستقبل عشرات الحالات، وفي العام الماضي وحده تعاملنا مع أكثر من 400 حالة بتر»، ففي غزة 5 ألاف حالة بتر، معظمها بعد عدوان «اسرائيل» الأخير عليها الصيف الماضي.

ولكن الكرنز وبدعم إدارة المركز لها، ووجودها ضمن فريقها المتكامل، تنطلق من رحم مأساة هؤلاء المبتورين، لتحاول ولو بقدر ما أن «تعيد لهم جزءًا من حياتهم»، كما تردد دائمًا.

وتقول «لعائلتي الصغيرة المكوّنة من أبي وأمي وأخي الصغير، الفضل الكبير في نجاحي، يكفيني أن يردد أبي دائمًا قوله لي: أشعر بالفخر أنكِ ابنتي».

وأنا أقول: «أنا من تفتخر بأن أبي حسن الكرنز، وهذا سبب نجاحي».

المصدر: وكالة صفا