القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

لو انحصرت الأزمة بين الفلسطينيين واللبنانيين .. لانتهت منذ زمن

الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان
لو انحصرت الأزمة بين الفلسطينيين واللبنانيين .. لانتهت منذ زمن

الجمعة، 20 نيسان، 2012

بعيداً عن قراءات حزبية وفئوية، ثمة حاجة الى قراءة منهجية علمية عميقة لتفسير حدث، زلزل لبنان واطاح بتوازن القضية الفلسطينية. قراءة من هذا المستوى يقدمها الباحث الفلسطيني في الإقتصاد السياسي والتاريخ الإجتماعي، عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" سابقاً، ومسؤول فرعها في لبنان سابقا حتى 2003 الدكتور حسين أبو النمل صاحب شعار "غاب الفكر عن الحوار فكان الإنفجار". وأن ما حصل كان مواجهة بين بنيتين لبنانية وفلسطينية مأزومتين بذاتهما: "عندما تواجهتا عام 1975اصبحت الرقصة دموية وقاتلة" وقادتا الى انفجار أخذ شكل حرب شهدها لبنان ولم تخبُ ارتداداته بعد.

فيما كانت المعالجات تجري كرد فعل على التطورات الأمنية، ولم تبلغ العمق الواجب والكافي لمنع الانفجار أصلا، أو تخفيف تداعياته لاحقا، فإن ما جرى من قراءات فردية أو حزبية أو اعتذارات علنية، لم ترق يوما لتصبح مراجعة بمثابة "قراءة شاملة للتاريخ ووعياً لأهمية الفكر والتخطيط للمستقبل وانتاج ذاكرة حقيقية، وليست منتقاة حسب الطلب".

يميل الدكتور حسين أبو النمل، الى تدقيق السؤال المطروح في هذه السلسلة عن مراجعة التجربة الفلسطينية في لبنان فيقول: "تنتهي كل النقاشات الى خلاصة جيدة اذا كان المدخل جيداً، وتكون نهاياته سيئة اذا كان المدخل سيئاً. لذلك علينا قبل البحث "لماذا حدث؟" ان نبحث عن "ماذا حدث؟".

يرى ان "الخلاف ما زال على الوقائع. كل يحكي الرواية وفق هواه. ما زلنا في مرحلة السجال، حيث يبرر كل طرف نفسه ويدين الآخر. لم نرتق بعد الى أخلاقية التأريخ، حين نقرأ حدثا جرى قبل 37 سنة يجب أن يكون أوان الخروج من السجال التبريري إلى التأريخ الموضوعي قد أزف". يعتبر "ان بعض السياسيين المجايلين لما جرى يعتبرون ان كل أسرار الحدث في جيوبهم. وهكذا نسمع روايات متناقضة تعطي مشروعيات متناقضة لما حصل من متناقضات. المنهج السليم لما حدث عام 1975 يقرأ بما هو حاصل اليوم، اي: كيف انتهينا، لتفسير كيف بدأنا؟".

حسين أبو النمل: حين ذهب العقل الفلسطيني في غيبوبة.. وقع الدم

السؤال عن تمسك طرفي التجربة الفلسطينية - اللبنانية بأسبابهم للحرب يتطلب، وفقا لأبو النمل، البدء بتدقيق السؤال "لأن سلامة الجواب تتوقف على دقة السؤال. علينا قبل سؤال: لماذا حدث؟ ان نحدد: ماذا حدث؟ ما زال كل طرف يحكي حصته من الرواية بعد أن ينقيها من الثغرات. لم نرتق بعد الى طور الوعي التاريخي. حين نقرأ ما جرى قبل 37 سنة، علينا مغادرة السجال التبريري إلى التأريخ الموضوعي، المنصف للآخر قبل الذات".

يرى من المناسب "ان نبدأ مع: ماذا حدث؟ نسمع روايات متناقضة تعطي مشروعيات متناقضة. كاد التاريخ أن يصبح رهن ذاكرة الزعيم! ليست الحقيقة مجرد كلمة تطلق في سجال، بل في سياق الأحداث. يقول المنهج التأريخي السليم أنه لفهم ما حدث عام 1975 يجب أن يُقرأ في ضوء ما إنتهى إليه عام 2012. هناك فريقان. كل فريق فرقاء. الفريق اللبناني منقسم ويخوض صراعا داخليا مريراً. الفلسطيني فرقاء أيضاً، يتبادلون الشتائم على نحو اقسى مما كان عليه مع المسيحيين، أو من سُمًوا كذلك في 1975! يعكس تطور الأمور في 2012 حقيقتنا سنة 1975".

حين يكون كل طرف منقسما على نفسه الى هذا الحد، يكون أعجز من أن يحل مشكلته مع الآخر، بدليل مأزق اللبنانيين الآن، الذين يشبهون الفلسطينيين في إنقساماتهم وتبادلهم تهم التخوين. يقول الدكتور أبو النمل: "نحن امام طرفين مأزومين منذ البداية، لأنه لو كانت الأزمة بين الفلسطينيين واللبنانيين فقط لإنتهت أزمة كل طرف منذ زمن، بدل أن يعيشها منفرداً. عبثاً يحاول العاجز عن مصالحة نفسه أن يتصالح مع الآخر.. نحن امام بنيتين مأزومتين. حين اجتمعتا صارت الرقصة دموية. يظهر التدقيق ان الشخصيتين الفلسطينية واللبنانية متشابهتان، لناحية القلق التاريخي، الخوف المتأصل على الوجود. متشابهتان في عبقرية تكفي لإبتداع معجزة، وجنون يكفي لتدميرها. متشابهتان في قلق الجغرافيا، على الجغرافيا، من الجغرافيا. كل ذلك كان راسخاً لدى الطرفين. ثمة ذاكرة مثقلة بالدم جاهزة للحضور والإنفجار وإطلاق النار عند أول دعوة. نزعة الشك بنوايا الآخر عميقة ومسببة".

حرب حقيقية وحوار أشباح

لكن الأطراف المتصارعة عقدت في الفترة بين 1968 و1975 وخلال وبعد حرب السنتين عشرات اللقاءات، فهل يعني هذا أنها كانت حوارات طرشان؟، يجيب أبو النمل: "أن ننتهي الى أزمة يعني وجود اخطاء. ما دامت الحرب حقيقية، فإن اسبابها حقيقية. لا يعني هذا أن الأزمة يجب أن تنفجر بالضرورة مذبحة. يمكن ان تنتهي عبر حل سياسي - فكري. يمكن أيضاً ان تؤدي الى صدام. يتوقف الأمر على كيفية التعاطي مع المساقات القائمة. على من يدير اللعبة. العبرة ليست بالحوار، بل ماذا يعكس ويعني؟ هل هو حوار مضطرين؟ هل تتوفر ذهنية واخلاقية الحوار؟ حتى تتحاور، يجب أن يكون مع طرف آخر حقيقي، ليس مع شبح؟ لم يكن حوار طرشان، بل حوار أشباح. ليس القصد ان المحاور ليس موجودا فيزيائياً، بل بمعنى عدم معرفة الجهة المقابلة. نعم كان حوار أشباح".

يشدد أبو النمل ان "من أدار الصراع مع الآخر لا يعرفه. خير دليل أننا حين نقرأ نصا فلسطينيا عام 2012، لا نجد أنه يطل ولو بالحد الأدنى على الوجدان اللبناني. لا نجد في الخطاب الفلسطيني أي ذكر لميشال شيحا. عبثا نفهم التجربة اللبنانية الا انطلاقا من هذا الرجل، بما يمثل. المسيحي غائب عن النص الفلسطيني. كنا نبحث عن مسيحي او لبناني متماثل معنا. لا مكان عندنا حتى لريمون إده. نموذجنا هو المسيحي المسلم؛ المسيحي الفلسطيني. لم يحضر اللبناني اللبناني، كما المسيحي المسيحي، يوماً في عمق التكوين الفكري الفلسطيني".

إذ يشير إلى ان "لدى اللبنانيين نخبة هائلة" يؤكد ان "الذين اداروا الحوار الهادئ أو الدموي مع الفلسطينيين لم يمثّلوا هذه النخبة. ليس في الذهن اللبناني فلسطيني طبيعي قط. هناك قاتل. لص. خارج على القانون. لا نجد حضورا لفايز صايغ او وليد الخالدي. باستثناء محاولات كريم بقرادوني الذي كان شابا عند بداية الحرب. جوزيف ابو خليل وضع مقارباته لاحقا. بول سالم لم يكن ولد بعد! كان حوار اشباح. يعكس كل واحد قلقا تاريخيا وجودياً".

غيبوبة العقل

اذاً، هل يمكن الإستنتاج أنه كان مستحيلاً تجنب وقوع ما وقع؟ يقول أبو النمل: "دعني أبدأ أولاً بفرضية هي أن العناصر نفسها بين أيدي أشخاص معينين تعطي رِفعة، ومع آخرين تٌنتج إنحطاطاً. دعني أتحدث ثانياً، إنطلاقاً من رياضة ذهنية هي سؤال العقل الفلسطيني الذي وضع في إجازة، كيلا أقول غيبوبة، جراء مقولة "السياسة تنبع من فوهة البندقية"، سمحت بأن يكلف أبو الزعيم مفاوضة المسيحيين، مع أن صلاح صلاح هو رئيس الوفد رسمياً، حينذاك. إسم أبو الزعيم بذاته تهمة يكشف الجريمة البشعة التي إقترفت بحق الطرفين اللذين يستحقان مفاوضاً أكفأ وأنظف".

يعلن أبو النمل أنه "لو كان العقل الفلسطيني يقظاً، لرأس وفده الزعيم فعلاً جورج حبش الأرثوذكسي، وعضوية المفكر فايز صايغ البروتستنتي إبن القسيس، وحسيب صباغ الكاثوليكي الملياردير! كان كمال ناصر صار شهيداً. على الأقل كان ذلك سيأتي بنكت مثل "كم هو خبيث الفلسطيني وهو يدفع نصارى لمفاوضة نصارى"! يرد عليه؛ لكن وجود أرثوذكسي وكاثوليكي وبروتستانتي معا قد يشعل حربا مذهبية فلسطينية! ثمة من تحوط قائلاً: يشتبك الأرثوذكسي والكاثوليكي فيصلحهما البروتستنتي، هذا إذا إعترف به مسيحياً! حين ذهب العقل الفلسطيني في غيبوبة وقع الدم".

يثق أبو النمل بأن "نتائج الحوار كانت إختلفت لو اداره مفكرون. لو أدارته شخصيات ذات رِفعة فكرية قادرة على رؤية لبنان وفلسطين والعالم ككل، وليد الخالدي. فايز صايغ. حسيب صباغ مثلاً. لو طرح امام النخبة المسيحية سؤال الفلسطيني في لبنان كانت أطلت عليه من زاوية معاكسة. داخل أسرة الجميل نفسها، كان موريس الجميل يطل على الأمور من ضمن سقف معين. بيار الجميل كان يطل من زاوية اخرى. ريمون إده لم يكن تفصيلاً. عندما أطل على الحوار الآن في العام 2012، اعتقد انهم كانوا يستمعون جيدا لبعضهم بعضا، لكن كل واحد كان متوتراً ودفاعيا، يشك بالآخر ومحكوم بفكرة مسبقة وغير قادر أن يرى أمامه إلا قاتلا محتملا. فالمسيحي الذي يدعو الى المحبة يقتل الفلسطيني الضحية، اليست هذه مفارقة؟ حين نكون فعلا أمام فكر مسيحي، تصبح مشكلتنا محلولة وذلك لان كل ما يحتاج اليه الفلسطيني هو العدل والمحبة. أما الفلسطيني الضحية الذي يبحث عن أرضه وحريته، فلم ير في مسيحيي تلك الأيام، سوى انعزاليين وعملاء استعمار. لم يدرك قلقهم التاريخي العميق والبعيد ... والمبرر!".

هنا تتجلى مأساة رؤية الآخر عبر فكرة مسبقة مستلة من مزبلة التاريخ. الحكماء لا يرون الأمر من زاوية التناحر، بل من خلال القواسم المشتركة. يقول أبو النمل: "لو تفاعل عقلا موريس الجميل وهاني الهندي، السوري المسكون بفلسطين، لأدركا ان اهم ما في العرب هما الديناميتين الفلسطينية واللبنانية. بدل أن تكسرا بعضهما بعضا، تبدعان حلا. لم يستطع العقل السلبي ان يحل مشكلته الخاصة. هل يمكن تخيل لبناني لم يستطع حل مشاكله مع الآخر اللبناني ، وفلسطيني لا يستطيع حل مشكلته مع الآخر الفلسطيني، ان ينجز مصالحة فلسطينية - لبنانية؟".

يؤكد أبو النمل: "ثمة خلل عميق. ثمة دلالة فادحة جداً في أننا عندما ذهبنا الى الحرب لم نفكر، وعندما ذهبنا الى السلم لم نفكر! الحرب، كما السلام، لهما شروطهما التي لم تستوف. "الفزعة" إلى الحرب كانت كارثة، كالفزعة الى المصالحة. نحن في عام 2012، حيث تبين أن مصالحة عام 2008 لم تكن سوى تلفزة متسرعة - كانت زَبَداً".

لقد صنع الحرب الأبطال، أو ظنوا أنفسهم كذلك! لكن من حاولوا صنع السلم، لم يكونوا فلاسفة، مع ان "لدى الفلسطينيين فلاسفة: آل صايغ. انيس وفايز ويوسف. وليد الخالدي. برهان دجاني. شفيق الحوت. غسان كنفاني. حسيب صباغ. إدوارد سعيد. جورج كتن. نقولا الدر. هؤلاء لا يعرف ما اذا كانوا فلسطينيين ام لبنانيين، اسلام او مسيحيين. موريس الجميل كان عضوا في المكتب السياسي الكتائبي، لكن من يجرؤ على تصنيفه، مثله مثل ريمون أده، كماروني او كمسيحي أو حتى كلبناني حصراً؟ كان يمكن ان يؤمن حلا مترفعاً للجميع. هو استمرار لميشال شيحا الذي فكر بحل للبنان في محيطه. هو من كتب الإرشاد الرسولي قبل نصف قرن على إعلانه".

تفكير دولتي لـ"فتح" وانفصام يساري

انتقالا الى التفاصيل الفلسطينية، وعن أدوار "فتح" و"حماس" و"اليسار الفلسطيني" في "رقصة الموت" تلك.. يقول أبو النمل: "من خلال عمل أكاديمي حزبي داخلي اشرف عليه الأمين العام للجبهة الشعبية، الحكيم جورج حبش، قرأنا تجربتنا الخاصة وتجارب اخرى. كانت الحصيلة فضيحة. هناك تلاوين متناقضة، لكن الكل يشبه الكل في العمق. الاحزاب مجرد مسخ عن الواقع. لا تعكس حقيقته ومستواه. نسخ مكررة عن بعضها. بمعزل عن مزايدة هنا ومناقصة هناك، قدم الجميع أداء بائساً متشابها. كان الخلاف نوعاً من "التبرج الأيديولوجي"، حسب التعبير الفذ لمنير الحاج، الرئيس الأسبق لحزب الكتائب. حسدت الكتائب عليه. كان قائدا وسوسيولوجياً حزبياً هائلاً. كان أستاذاً ومظلوما".

عن "فتح" يقول: "شاركت في الحرب الأهلية، لكنها تميزت بتفكير دولتي. هي مؤسسة إجتماعية وليست فصيلاً عادياً. لها علاقاتها الدولية المنفتحة. تسعى الى التسويات وفتح الأبواب. قتل "فتح" ودورها غياب الرؤية الفكرية وغلبة المياومة والبراغماتية والحلول المالية على أدائها. قتل "فتح" أن قائدها عرفات الشخص صار أكبر منها كمؤسسة".

أما اليسار، فهو كما يقول: "في المبدأ، ينتج افكارا، رؤية، إشراقاً! لم يقم اليسار الفلسطيني بدوره. إغتُصب حتى إسمه ودوره. يجب ان نميز تماما بين يسار كان في حضن السلطة، يبسّطها وتبسّطه، وظيفته تأمين غطاء فكري يساري لسياستها، وبين يسار يعبّر عنه الموقف النضالي الغيفاري الذي جسّدته "الجبهة الشعبية" والصورة الأخلاقية المتسامية لرموزها التاريخية كجورج حبش. هاني الهندي. وديع حداد، مثلاً. تضاءل الدور الفعلي للجبهة الشعبية جراء فعل ممنهج وتدميري متعدد الأطراف المحلية والدولية، أتاها من داخل وخارج، منفصلاً ومتصلاً".

يعتبر انه "عندما شُق اليسار لأسباب مخزية لأصحابها، اصبح يعاني ازمة وجود. هذا يفسر: لماذا لم تتمكن قامة بعقل ونبل جورج حبش من انقاذ العمل الفلسطيني؟ حبش لم يكن مشغولا فقط بالعام بل كان هناك من يصرّ على اغراقه في الخاص ومواجهة أزمة وجود كشخص وجبهة عِبر زجّه بصراعات مميتة. اليسار المنشقّ على نفسه فَقَد هيبته وكرامته وصدقيته. بعد 40 سنة يمكن إستنتاج أن الإنشقاقات كانت مدمرة. أنتجت دكاكين. بدل ان يقود اليسار معارضة خلاقة ونشطة إنصرف ليعجب بنفسه، ويتشاوف أنه أول من جعل مهمته النضالية الوحيدة ومبرر وجوده التاريخي هو الإعتراف بإسرائيل! لقد ذُل اليسار بأهله، الذين تفرقوا فذهبت ريحهم وصاروا يستجدون لقطة تلفزيونية".

يستنتج انه "ليس اليسار يسارا الا اذا كان لديه اسهاما فكريا أيضاً. اليسار الفلسطيني هو الوحيد الذي ليس لديه فكر أو مفكرين. بالإذن من غسان كنفاني، الإستثناء الذي لم يسمح أن يتكرر. الحيوية الفكرية خاصية لليسار، لكن سمِّ لي كتابا واحدا له قيمة صدر عن اليسار! لنضع جانبا المذكرات الشخصية، التي سيكتب يوما كم فيها من جنون عظمة متفاقم مرضياً، لصاحبها جحا القرن العشرين، طبعاً بالأذن من جحا التاريخي، الذي كان كذاباً لكن مسلياً".

وإذ يجيب عن سؤال حول دور "حماس"، يقول: "تقول حركة "حماس"، انها خارج الصراعات في لبنان، وذلك حسب خطابات الاخوة، الذين تعاقبوا على قيادتها في لبنان. "حماس" محكوم عليها ان تكون طرفا. "حماس"، مثل كل تيار الإسلام السياسي، لا تستطيع ان تقول انا مع الجميع - كل اللبنانيين، لأنها مشروع ديني، وان مع دور وطني".

غياب المراجعة التاريخية

لكن ماذا عن مراجعات يتحدث عنها الفلسطينيون واعتذاراتهم للبنانيين؟ يعتبر أبو النمل ان "كلمة مراجعة كبيرة! هي وعي التاريخ. وعي أهمية الفكر والتخطيط للمستقبل وانتاج ذاكرة متماسكة. ما حدث لا يرتقي الى مستوى مراجعة. لا توجد عند الفريق اللبناني مراجعة جدية رسمية. هناك مساهمات فردية مميزة مثل بوح ريجينا صنيفر، التي عكست وجدانا مسيحيا. خجل أسعد الشفتري من عاره كان مؤثراً. أسرّني بؤسه وهو يشمّ رائحة الدم على يديه! ذكّرني برائحة الدم على يدي "ليدي مكبث" لشكسبير. كلاهما صنيفر والشفتري خاضا الحرب لحفظ الكرامة والهوية المسيحية، لكن الممارسة كانت بربرية حتى ضد مسيحيين. هناك ايضا كتابات جوزيف أبو خليل، مع انه لم يتحرر كليا من هاجسه السياسي. رواية جوزف سعادة: أنا الضحية والجلاد أنا، حكاية قاسية يجب أن تعرف؛ تستحق تأملاً؛ من عاشق لجورج حبش إلى قتيل الفلسطينيين وقاتلهم! يجب تقصي كيف "أن زمن البراءة والأبرياء قد ولّى إلى غير رجعة".

فلسطينيا، يرى أبو النمل انه "ليس هناك من مراجعة مكتوبة ومنشورة لأي قوة فلسطينية. لا تملك هذه القوى التفوق الأخلاقي الكافي لمراجعة حقيقية، فلهذه كلفة باهظة. من يجرؤ على تحمّلها؟" يستثنى أبو النمل من ذلك "تجربة رائعة ونبيلة قامت بها "الجبهة الشعبية" على مستويين: الأول، مركزي تناول تجربة الجبهة ككل، ولا مجال للحديث عنها الآن. الثاني، وثيقة فرع لبنان 1995. لم تتحدث عن مصالحة لبنانية - فلسطينية فقط، بل أيضا عن مصالحة فلسطينية - فلسطينية أولاً. ليست مصالحة تنظيمات مع بعضها، بل مصالحة المجتمع المدني مع المجتمع العسكري - الأمني الفلسطيني. تحدثت الوثيقة عن أمراء الحرب الفلسطينيين، الذين يشبهون كل أمراء الحرب. بعضهم ظن أنه قادر على أخذ كل شيء، خصوصا كرامات الناس، بالسلطة والمال. لا يسمع ولا يرى إلا من فتحة جيبه. لا يقرأ الناس ولا يكتبهم إلا من فتحات جيوبهم. دائماً كان ثمة خسيس يُشترى يؤكد نظرية "لكل سعره"! من عرف الخساسة مع الأمراء، تخرج بشهادة رخيص، وخرج ليعمل مخبرا عند كل من هبّ ودبّ. بينهم من باع الشعبية لفتح وباع الأثنتين للأجهزة الأمنية السورية، وباع الثلاثة للأجهزة الأمنية اللبنانية، التي كانت جسر عبوره للأجهزة الدولية".

يشرح ان "الوثيقة تحدثت عن مصالحتين: فلسطينية - فلسطينية - لبنانية ليس على قاعدة تبادل النفاق، بل وعي ما حدث، لا كما صار عام 2008، عندما اعلن السفير الفلسطيني السابق عباس زكي، "وثيقة فلسطين في لبنان". لا يملك زكي حق الإعتذار وصفة عقد مصالحة تاريخية. هذا الحق هو حصرا للشعب الفلسطيني. معيب تحويل مسألة المصالحة، بنبل مقاصدها، الى عجالة تلفزيونية تعلن من بيت الكتائب، الذي هو بيت لبناني كبير، قدم دماً لقضيته كما يراها. شاركنا الرقصة الدموية المجنونة بكفاءة هائلة ومؤسفة. لكن المصالحة التاريخية تحتاج اشتراطات اخرى. علينا أولاً تحديد مع من نتصالح؟ على ماذا نتصالح؟ لا يملك حتى ياسر عرفات وجورج حبش مجتمعين، حق تحميل الشعب الفلسطيني مسؤولية كل الجرائم والخساسات التي اقترفت في لبنان. يجب ان لا تختصر المصالحة إلى حدث تلفزيوني عجول، وبنصائح من اشخاص يعانون من شبق تلفزيوني لم يفهموا أساسا معنى الكرامة أو ماهية المصالحة التاريخية؟ نسي هؤلاء أن للفلسطيني أيضاً كرامته وحقه النبيل بالإعتذار الصريح كي يغلق جرحه ويطوي ذاكرته".

يرى أبو النمل "أنه وقد اقتصرت المصالحة على الكتائب، فماذا عن العونيين؟ ماذا عن القوات اللبنانية؟ من قاتلنا وواجهنا؛ أدميناه وأدمانا كفلسطينيين، ليست الكتائب الراهنة. من مثّل درع المسيحيين الصلب، في رقصة الحرب، هم من صاروا لاحقاً "القوات اللبنانية". مع هؤلاء، يجب أن تعقد مصالحة أيضاً؛ ولكن بكرامة تليق بالدم الذي دفع من أجلها على الضفتين. من ناحية ثانية على الطرف الفلسطيني، الذي يريد عقد مصالحة تاريخية، ان لا يحتقر مجتمعه، بإبتسار دمه وألمه إلى لقطة تلفزيونية. يبقى سؤال: هل أن المصالحة التي تمت عالجت جرح تل الزعتر؟".

مراجعة عميقة لم تستكمل

وُضعت وثيقة "المصالحة التاريخية"، عندما كان حسين أبو النمل مسؤول "الجبهة الشعبية" في لبنان. فما حكاية هذه الوثيقة التي حكمت مفرداتها اللغة التصالحية الفلسطينية، خصوصاً مقولة "الكرامة للجميع" السيادة للبنان. العدالة للفلسطينيين؟ يقول أبو النمل "اتت الوثيقة تعبيراً عن مخاض كانت تعيشة "الجبهة الشعبية" تحت سقف التفوق الأخلاقي لجورج حبش. طُرح سؤال الأزمة على خلفية معركة طاحنة بدأها كادر لبنان لتخليص "الجبهة" من وبائين قاتلين: الفساد والخيانة التي كانت كلفتها دماء أعز رفاقنا: رامز ورفاقه الثلاثة على جبهة كفر فالوس. قبله أبو العبد المجذوب فخر العسكرية الفلسطينية، الذين ذهبوا غيلة، وتم تهريب قاتلهم حين وقع في قبضة "الجبهة". أتينا تلبية لنداء الدم، كان هناك مخاض، قاعدي وكادري، شرفني بقيادته، فأتى بنخبة مميزة لتقود فرع لبنان في سابقة هي أن يحمل المسؤول الأول دكتوراه في الإقتصاد، وعضو آخر في القيادة، طبيب متفوق يحمل دكتوراه في جراحة العظم. كانت هناك قامات أخرى عالية خلفنا، بل حملتنا بشهامة على ظهورها وحمتنا بفروسيتها. كان بيننا أيضاً خسيسون وإنتهازيون. كان بيننا يهوذانا. ولكل مسيحية يهوذاها. لكل علي بن ملجمه. لكل سيف خنجره. لكن السيف يبقى هو السيف، والخنجر يبقى خسيساً! كان عليَ واجب قيادة وبلورة ومنهجة هذا المخاض النبيل والعظيم، الذي عكس يقظة روح "الجبهة الشعبية" ووجدانها. أجهضت المراجعة، لأنها تحدثت بشجاعة ونبل عن كارثة الفساد والإفساد والإختراق الأمني متعدد الأبعاد. لقد داس "فرع لبنان" كل الخطوط الحمر. لقد فقأنا الدمل. وضعنا أصبعنا على الجرح بفروسية. قٌطِع أصبعنا، فكتبنا على حد السيف بالدم، كي نستحق فلسطين. كي نليق بغسان كنفاني وغيفارا غزة ووديع حداد".

لكن كل ذلك الحديث الدائم عن الآخر، وخصوصا عن المسيحي، لم ينتج لقاء معه على ما يبدو. يجيب أبو النمل على ذلك بالقول: "كشخص لم أكن يوما بعيدا عن الآخر، أي آخر، فكم بالحري اللبناني، عموماً والمسيحي خصوصاً. بالمبدأ، ليس مثقفاً من لا يعترف بالآخر. أيضاً، أنا من رحم بيئة حاضنة إسمها لبنان أعرف فضلها الإستثنائي في تكوين النخبة الفلسطينية وعليَّ. انا احب لبنان كله ومسكون بروحه، ليس بديلاً عن فلسطين، بل لأنه يشبه فلسطين، كما أريدها على الأقل. اعرف نخبته على المدى من إيلي يشوعي وكرم كرم وبول سالم وسمير فرنجية ونبيل خليفة، إلى حبيب صادق وجهاد الزين وأحمد بيضون ومحمود سويد. اعرف صورة المسيحي الحقيقي المبدع. لم أستبدله يوماً بالمسيحي الفهلوي. لم يغب عني يوما الحكيم جورج حبش، نموذجاً للمسيحي النبيل والذكي. أما كعمل حزبي ممنهج أكاديميا فكنت معنيا بتبديد ثقافة الكراهية ومواجهة أصحابها. كنت مهتماً بخرق حاجز العداء برفعة. المهمة السياسية التي صغناها لذاتنا هي توضيح أنفسنا للفريق المسيحي، وأن نتعاطى معه بعمق من دون سفاهة. كان أمر العمليات السياسي الذي وقعته: إحتلال بكركي بالعقل والمحبة المسيحية. كان الخيار ان نتواصل".

وفي سياق نهج "الجبهة" بالتوجه نحو المسيحي، يقول أبو النمل: "لم يكن عبثا إختيار بكركي هدفا. فالصراع أساسا حدث مع اللبناني المسيحي، وإذا اردنا ان نتحاور فعلاً، فهو الطرف الصحيح. علينا ان نحاور النبض المسيحي، وليس اليسار المسيحي، مع الإحترام له. كنا نريد الوصول الى بكركي برمزيتها وما تمثل، عِبر خطاب حقيقي ومقنع، يفتح الباب ويناقش. يبحث عن ثقة وتسامح وتفهم وغفران متبادل ومحترم، يحفظ كرامة الجميع ومصالحهم. كان هناك مسيحيون مميزون في حسّهم الإنساني والفلسطيني مثل الأمير فاروق أبي اللمع، الذي كان يرى ان الأزمة الإجتماعية تنتج اضطرابا امنياً، واذا ارادت الدولة اللبنانية، إنهاء مشكلة فلسطينيي لبنان فعليها معالجة جذورها".

بصرف النظر عن النوايا الحسنة والتوجهات السياسية، الا ان النتيجة ظلت على ارض الواقع صفرا، خصوصا ان زيارة قام بها جورج حبش إلى لبنان في تلك الفترة لم تترجم على هذا النحو. يقول أبو النمل: "كان مجيئ الحكيم الى بيروت بحد ذاته امرا مشرقاً. كان سعيدا لقدومه الى بيروت ضيفاً عزيزاً على الدكتور خير الدين حسيب عندما كرَّم جمال عبد الناصر بشخص محمد حسنين هيكل. لم تكن الزيارة تعني "الجبهة الشعبية" فقط. لهذا، تمت استشارة عدد من الأصدقاء اللبنانيين، الذين قرروا ان وظيفة الزيارة كسر الصورة النمطية السلبية للفلسطيني، وإن أفضل خطوة يمكن إتمامها في هذا المجال هي التوجه نحو بكركي. ظهور الحكيم هناك كان سيكون جميلا ومفيداً للجميع".

يضيف: "كان قرار زيارة بكركي محل حماسة الحكيم. لكن تنفيذه أوكل لجهة تنفيذية مختصة، تكشّف لاحقاً أنها عميلة لعدة أجهزة أمنية، يبدو أنه كان لها رأي معارض لقرارنا، وإرتأت إبقاء زيارة جورج حبش للبنان في "حارة المسلمين" وهو ما كان. طال إنتظار الأباتي نمر، وربما البطريرك صفير، لكن أحداً لم يطلب موعداً لزيارة بكركي أو حتى يرسل تحية بإسم حبش. كانت الخسارة كبيرة. ربما لو تمت لتغيرت الأمور وخف عذاب الفلسطينيين. ما يؤلمني أن خائن تنظيمه وشعبه الفلسطيني والعربي ذاك، ما زال يمصّ راتباً كبيراً، رسميا وثابتا، من دم الشعب الفلسطيني".

الملف الإجتماعي ومستقبل العلاقات

من الملفات المعقدة، الملف الإجتماعي لفلسطينيي لبنان الذي فُتح فجأة بعد اتفاق الطائف واختفى فجأة أيضاً. أعيد فتحه فجأة بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري عام 2005، لكن المفاجأة أن حقوق فلسطينيي لبنان لم تبلغ برَّهَا حتى الآن. لحسين أبو النمل هنا رأي مختلف ايضا، يفسر سر الـ"فجأة" الدائمة والمتكررة هذه فيقول: "أدقّق كثيرا بالأمور خصوصاً ما يبدو بديهياً. اعرف زعبرات السياسيين. أعرف السياسة في بلادنا كفعل لا أخلاقي بالجماعة. لقد طرح موضوع مقدس هو حقوق الفلسطينيين كورقة تكتيكية للإحراج في ذروة التشنج اللبناني - اللبناني. لم تطرح الحقوق المدنية للفسطينيين يوماً الا في ظل سياقات سياسية غير فلسطينية، إقتضت تحريك الورقة الفلسطينية".

يسند رأيه إلى وقائع محددة: "طرحت مطلع التسعينات الحقوق الفلسطينية بهدف تغطية تسليم السلاح الفلسطيني. بحكم موقعي القيادي كرأس لفرع لبنان حينذاك، عندي أيضاً الخبر اليقين. كان صلاح صلاح، رئيس لجنة التفاوض مع اللبنانيين. كان في الوقت نفسه المسؤول الأول لقيادة "الشعبية" في لبنان، التي كنت مسؤول اللجنة التنظيمية فيها. بعد ان جُمع السلاح وصُفي الوجود الفلسطيني في شرق صيدا والجبل على نحو مذلّ، لم يعد أحد يطرح الموضوع. لن أنسى مقاومة أحد قادة الفرع المعنيين مباشرة بموضوع تسليم السلاح، فأتاه من همس في أذنه: "طرّيها، القرار متخذ من فوق". عندها فقط علمنا بحقيقة الترتيبات المسبقة. كانت معركة شرق صيدا تمثيلية. حكاية الحقوق الفلسطينية ولجانها الوزارية التي ارتبطت بها كانت تمثيلية. الحوارات تمثيلية. من يقل غير ذلك هو ممثل التمثيلية. من يرغب في إستزادة، يجد يقين اليقين عند كاتم أسرار الفلسطينيين وحامل صليبهم الدائم، محسن إبراهيم".

يعبتر أبو النمل انه عندما "انفجر البلد بعد استشهاد الحريري عام 2005، كان غريباً أن تطرح الورقة الفلسطينية المتفجرة في وقت متفجّر. لم يكن من الحكمة أن يأتي من يقول: الآن فورا نريد حقوق الفلسطينيين. كان الكل مشغولا بكارثة الإغتيال. الدماء حارة على الأسفلت! لا ارى في ذلك حكمة. لا أرى لذلك علاقة منطقية بحقوق الفلسطينيين. بعد فترة، جرى اختبار عملي: القوى نفسها التي كانت تسأل حكومة السنيورة أين حقوق الفلسطينيين، لم تصوت إلى جانب تلك الحقوق، حين لاحت فرصة. وحده جنبلاط ظهر في البرلمان، حيًا ومخلصاً لفلسطين".

يسأل أبو النمل: "سنة 2012 اين اصبحت اللجنة الوزارية التي ذهبت في حينه إلى عين الحلوة بذريعة: الحكومة تريد معلومات! ضحك الذين يعرفون كم عدد المخبرين الذين تسهر عيونهم على دبيب النمل الفلسطيني. إنقلبت المواقع: صارت الحكومة معارضة والمعارضة حكومة! لم تفعل سوى الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف! عام 2005، كان تجاذب غير رحيم في الوسط السياسي اللبناني: تخوين متبادل. مُسخت القضية الفلسطينية إلى مضبطة إتهام. ما جرى كان إبتذالا فظاً لفلسطين. الدليل ان شيئا عمليا لم ولن يتحقق. طرحت الحقوق الفلسطينية للإحراج وللمزايدة".

أما عن مستقبل العلاقات فيقول: "لم نمتلك شروط التغيير بعد. ما زلنا نحمل التأهيل الفكري والسياسي الكارثي نفسه. ما زال التعاطي مع قضية فلسطينيي لبنان كورقة تكتيكية. قناع يستخدم للمناسبات. اذا كان مرضيا عن حكومة لبنان فلا حديث عن الحقوق. عند الخلاف تقع المناورة بالفلسطينيين! نؤسس لكارثة حين نحول مأساة فلسطينيي لبنان إلى مجرد مسألة أمنية. تكون الحماقة حين تترك السياسة للأمنيين. لبنان وفلسطين أكبر من ذلك. السياسة هي من تتدبر الأمر. الضباط ينفذون بعيداً عن التلفزة. تجربة أن الأمنيين يقودون الحوار قادت إلى صدام السبعينيات".

يتابع: "لم نجر مراجعة في العمق. قمنا بمصالحة متسرعة. لا زال الواحد يرى الاخر شيطاناً. كل الفرقاء يتحدثون عن الحقوق الفلسطينية، لكن لا نتائج. يجب توفير قناعات لدى الطرفين. على كل طرف أن يفهم الآخر. إذا بقي الفلسطيني يعتقد ان العالم كله بخدمته فهو ما زال واهما. العالم لديه همومه الأخرى الخاصة والضاغطة والمشروعة. أما اذا بقينا على خطاب (النائب) نعمة الله أبي نصر، فإن ذلك يعني أنه ما من خيار أمام الفلسطيني سوى الموت! الفلسطيني لن ينتحر كرمى مزاج أبي نصر، أو لتقر عيون "أبو أرز". سيقاتل كما يكون القتال ضد كل دعوة للموت أوهدر الكرامة. خطاب أبي نصر، وصفة سحرية لتحويل الفلسطيني الضحية قاتلاَ، وقد صار قبلاً. يجب أن لا يتكررا. هل من يُفهم نعمة الله أبي نصر أن خطاب كراهية الفلسطينيين أتى بعكسه: بخطاب كراهية المسيحيين".

ينهي أبو النمل كلامه: "يطلب الجميع وقف رقصة الدم، لكن أحداً لم يقل كيف؟ بتاريخ 24/9/ 2011 سمع الفلسطينيون رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع يقول: هل مقبولٌ أن ننكفئ نحن المسيحيون عن الشرق في اللحظة عينها التي بدأ فيها الشرق يشبهنا؟ وفي اللحظة عينها التي بدأ فيها بتجسيد المفاهيم التي لطالما نادينا بها نحن، وبتحقيق أحلامنا نحن، في الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية وحقوق الانسان؟ ثمة من قد يسأله، ربما المحامي الدكتور إبراهيم نجار، كيف صار الشرق العربي يشبهنا؟ هل نشبه نحن الشرق الديموقراطي الموعود؟". يستطرد أبو النمل من خطاب جعجع إلى "خطاب طرحه الكتائبي الشاب النائب سامي الجميل في برنامج "كلام الناس" مع الزميل مرسيل غانم، حين تحدث عن مخاطر إستمرار العمل بموجب نظام يستدعي وجود طرف مغبون كل مرة".

لم يضف أبو النمل سوى "رجاء من يهمهم الأمر تذكير الدكتور جعجع والنائب الجميل، أنهما تحدثا عن "تحقيق أحلامنا نحن، في الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية وحقوق الانسان. عن أن لا يعود هنالك مغبونون! من أجل ذلك قاتل الفلسطينيون قرناً وسيقاتلون قروناً. التاريخ شاهد. لا يخدع إلا نفسه من ظن أن الفلسطيني خصي. صار حملاً. لا تصدقوا السياسي الفلسطيني، صدقوا ما قاله الشاعر محمود درويش حين كان شاباً: حذار.. حذار.. من جوعي ومن غضبي. صدقوا توفيق زياد أرثوذكسي الناصرة، حين قال: وإن كسر الردى ظهري وضعت مكانه صوانة من صخر حطّين! يبدد وقته من يتحدث مع الفلسطيني بلغة لا تقوم مفرداتها على الكرامة والعدل".

المصدر: أنيس محسن - المستقبل