قراءة معيشية وسياسية واقتصادية وقانونية وأمنية في أزمة المخيم
مؤتمر لحماس عن «البارد»: متى إعادة الإعمار؟
سعدى علوه - السفير
لم ينسجم المؤتمر الأول الذي عقده مكتب شؤون اللاجئين في لبنان التابع لحركة المقاومة الإسلامية - «حماس» أمس حول مخيم نهر البارد مع عنوانه الذي أعطى «الأولوية» لـ«الإنقاذ والإعمار». غرق المتحدثون في نقاش ما كان قبل حرب العام 2007، وما تخللها من نزوح وتهجير، وما تلاها من استمرار للمعاناة، ونهب للأرزاق وإحراق للبيوت، وخصوصاً في تحديد الجهة التي تسببت باندلاع ما حدث.
صحيح أن ما تلى حرب البارد هو جزء لا يتجزأ من المعاناة المستمرة على مدى أربعة أعوام، ولكن كان يمكن السعي، أو على الأقل المحاولة، لتقديم أجوبة تكون شافية قدر الإمكان، لأهالي مخيم نهر البارد الذين تحملوا مشقة القدوم من الشمال اللبناني إلى قلبه. كان يمكن للجهة المنظمة أن تستحضر الجهات النافذة في تقرير مصير المخيم وناسه، كالحكومة اللبنانية والجيش اللبناني و«الأونروا»، وإذا أمكن متعهدي إعادة الإعمار، والمقاولين الذي التزموا الورش القائمة.
ولم تكن مشاركة رئيسة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني مايا مجذوب، في الجلسة الافتتاحية، كافية لتفسير التأخير المستمر وغير المبرر، في عملية إعادة الإعمار. واكتفت مجذوب، بعد رسم صورة وردية عن العلاقات اللبنانية الفلسطينية، بالاعتراف بالتأخير والعثرات التي شابت وعود الدولة اللبنانية والتزاماتها تجاه عملية إعادة الإعمار، لتقول ان «ذلك لا يلغي الالتزام ولا يعني انه ما زال موجوداً».
ولم تتطرق مجذوب إلى الأسباب الجوهرية لعدم تسليم الجزء الأول من الرزومة الأولى من بين ثماني رزم يعاد إعمارها في البارد القديم، كما لم تتطرق لا من بعيد ولا من قريب لوضع المنطقة المحاذية لمخيم نهر البارد التي تولت الحكومة اللبنانية الإشراف على إعادة إعمارها، وخصوصاً السعي لتأمين التمويل اللازم لذلك.
في المقابل، جاء تمثيل «الأونروا» ضعيفاً عبر مسؤول معني بالإعلام، وآخر من ممثليها في مخيم نهر البارد، ولم يخصص المؤتمر كلمة لأي منهما، في إشارة إلى العلاقة المتوترة بين «حماس» والوكالة الدولية حول ما يحصل في مخيم نهر البارد خصوصاً.
ولا تلغي الإشارة إلى ضرورة أن يقدم المؤتمر بعض الأجوبة الشافية لفلسطينيي البارد، أهمية المداخلات التي تليت والتي تفند بالأرقام والمعطيات ما حصل ويحصل مع أهالي المخيم، ولكن خرج أكثر من مشارك في النشاط ليقول ان اللاجئين الفلسطينيين أتخموا من المؤتمرات واللقاءات، وأنهم يتطلعون إلى خطوات عملية على الأرض.
وطالب المناضل الفلسطيني صلاح صلاح، بعدما رأى انه «كان هناك قرار بتدمير المخيم نفذه الجيش اللبناني»، بضرورة رفض نموذج مخيم نهر البارد الذي يحاولون أن يعمموه، داعياً إلى وقف المؤتمرات والخروج بتظاهرات واعتصامات، مضيفاً «وليخرج معنا من يناصروننا من اللبنانيين لنعتصم نحن من داخل حاجز الجيش اللبناني على أبواب المخيم، وهم من خارجه».
افتتح المؤتمر منسقه سامي حمود، ثم عرض المسؤول عن مكتب شؤون اللاجئين في «حماس» ياسر عزام عن ظروف اشتعال حرب البارد « بأيد غير فلسطينية»، وخروج أهل المخيم من بيوتهم، بقصد التعاون مع الجيش بعدما صدقوا أن «الخروج مؤقت والعودة مؤكدة والإعمار حتمي».
وفصّل عزام بمنع فلسطينيي البارد من توريث بيوتهم في المخيم الجديد إلى أبنائهم، ودفعهم الثمن عندما تبين ان البيوت في المخيم القديم لم تعد لهم، بل أصبحوا مستأجرين عند الدولة في عملية رأى البعض انها مرتبة منذ البدايات لتصبح «حربا، فتهجيرا، فتدميرا، فقرار هدم، فمصادرة ارض، فإعادة إعمار في ملكية جديدة، ما يعني سلب آلاف الفلسطينيين بيوتهم من دون مسوغ قانوني سوى الاستيلاء بالقوة». وأشار إلى انهم «عندما أصروا على التمسك بالمخيم، فإذا بهم في سجن كبير تحت مسمى منطقة عسكرية».
ولخص أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم نهر البارد سميح لوباني معاناة فلسطينيي «المخيم المنكوب» بـ«التشرد والعيش في «البراكسات»، والتأخر في إعادة الإعمار، وجعل المخيم منطقة عسكرية وفرض تصاريح الدخول، والظروف المعيشية القاتلة، وعدم تسليم ما تبقى من مناطق في المخيم الجديد، وعدم السماح ببناء ما تهدم من مبان ووحدات سكنية، ومشاكل التعليم وتدني مستوى الطلاب والصعوبات التي تحول دون الدراسة الجامعية، وعدم دفع التعويضات». وطالب لوباني بضرورة استرداد أملاك منظمة التحرير الفلسطيني وتأمين موارد كافية لإعادة الإعمار برمتها.
وبعدما عرضت مجذوب مساعي الدولة اللبنانية من مؤتمر فيينا وما قبله وما بعده، أبدت أسفها «لان المقاربة لم تؤد إلى وضع سليم في المخيم»، مشيرة إلى وجود تحديات كبيرة.
ورأى عضو المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع غالب قنديل انه «من المخزي لنا كلبنانيين ان يكون هناك لاجئون يحلمون بعودة ثانية الى مخيم لجوء دمرته حرب لا أعرف ان كنا أخذنا عبرة»، داعياً الإعلام اللبناني إلى «كشف هذه المعاناة والى تحرير الرأي العام والدولة اللبنانية من القراءة العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني».
واستعرض النائب علاء الدين ترو الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة العربية، متسائلاً عن «المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، ووحدة الموقف الفلسطيني، وعن الحوادث الأمنية على أبواب المخيمات». وعاهد ترو الفلسطينيين على البقاء معهم في حل مشاكلهم والنضال من اجل إقرار حق التملك في المجلس النيابي، وبقية الحقوق الفلسطينية.
ورأى ممثل حماس في لبنان علي بركة «ان المسؤولية عن تأخر عملية إعمار المخيم وتباطئها تقع، في الدرجة الاولى، على الحكومة اللبنانية المعنية بتوفير المال اللازم للاعمار ثم على وكالة الاونروا التي تقوم بعملية الاعمار بتكليف من الحكومة اللبنانية والدول المانحة».
وسأل: «لماذا هذا التأخير في تسليم الرزمة الاولى الى اصحابها، خصوصا ان العقد مع الشركة المعنية بالاعمار ينص على تسليم المباني في تشرين الثاني 2010، متسائلاً «لماذا السكوت عن عدم التزام شركات الاعمار العقود والمواقيت؟ ولماذا لا تستخدم وكالة الاونروا البند الجزائي في العقد؟ ومن المستفيد من تأخير عملية الاعمار وتباطئها؟ ولماذا هذا التواطؤ مع شركات البناء؟ ولماذا هذا الهدر المالي على الاعمال الادارية التي تسبق عملية البناء واثناءها وربما بعدها؟» كما سأل عن الكلفة المضاعفة وعن الدور الأميركي في إعادة الإعمار.
الجلسة الاولى
وخصصت الجلسة الاولى التي ترأسها النائب الوليد سكرية، لـ«المسؤولية السياسية ومن يدير الدفة؟». وأشار سكرية الى «ضرورة استخلاص العبر مما حصل في نهر البارد كي لا تتكرر المأساة»، لافتا الى «الانقسام الفلسطيني وغياب مرجعية تضبط الوضع في المخيمات، ما أدى الى تسرب «فتح الاسلام» الى المخيم، وايضا في ظل الانقسام اللبناني بين فريق داعم للمقاومة في اتجاه تحرير فلسطين وفريق آخر يريد السير في التسوية مهما كانت الحلول التسووية». ووصف ذلك بـ«التشرذم والضياع السياسي في الحالتين اللبنانية والفلسطينية».
وذكّر المسؤول عن العلاقات اللبنانية في حركة «حماس» رأفت مرة، بموقف الفلسطينيين الذين استنكروا الاعتداء على الجيش اللبناني والذين خرجوا من المخيم بناء على وعد الرئيس السنيورة بالعودة وإعادة الإعمار، وبأن قضية البارد هي نموذج للعلاقات الفلسطينية اللبنانية، وان اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يحتفظون بحقهم السياسي والقانوني.
وبعدما استعرض جذور مشكلة البارد، والعلاقات اللبنانية الفلسطينية، ومستويات القضية السياسية والاجتماعية والفنية، وتحويل المخيم إلى فراغ، قدم عضو المكتب السياسي لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» مروان عبد العال ما أسماه روافع مطلوبة لمرحلة جديدة. وتتلخص المطالب بـ«التمويل لاستمرار الإغاثة واستكمال الإعمار والتعويضات كافة، حل القضايا القانونية العالقة، اللجوء إلى محاكمات عادلة للموقوفين من ابناء المخيم، استعادة الحياة الطبيعية والمدنية والاقتصادية في البارد، اعتبار إعادة إعمار البارد وترسيخه نموذجاً في العلاقات اللبنانية - الفلسطينية».
وعرض الناشط الحقوقي والأهلي محمد الشولي عن «دور الاونروا في اعادة الاعمار والتعليم والصحة»، الأخطاء والثغرات والمشاكل التي ترافق إعمار الوحدات السكنية في البارد، مشيراً إلى «ان هناك منازل هي غير ما تم التوقيع عليه، وان حجم الوحدات صغير جداً وكأنها معلبات صغيرة، ان الزجاج المستخدم شفاف لا يحجب الرؤية وليس هناك من دفاعات تحمي الأطفال، هناك نش ورطوبة من الجدران، والبلاط المستخدم هو من أسوأ الأنواع، بعض الحمامات ليس فيها «دوش» للاستحمام، وبعض الشقق ليس فيها أماكن للاستحمام، عرض الدرج لا يتجاوز الـ67 سنتمتراً، وقطر مجاري الصرف الصحي لا تزيد عن ثمانية «انشات»، وهناك منازل بلا سلالم وللصعود إليها على سكانها سلوك سلالم مبنى مجاور، كما أن هناك منازل اتسعت على حساب أخرى.
الجلسة الثانية
وبعدما عرض المدير العام لمنظمة (ثابت) لحق العودة علي هويدي الظروف التي نكبت مخيم نهر البارد تحدث عن «دور المنظمات الاهلية، وعملية الاعمار والادارة وتحديات الواقع والمستقبل». وفصل هويدي في الرؤية القانونية لما يحدث وفي فرض التصاريح والرقابة العسكرية، متخذاً من «حي سعسع» نموذجاً.
وتوقف الباحث جابر سليمان عند العلاقات اللبنانية الفلسطينية والمواقف الرسمية اللبنانية من ازمة نهر البارد، مقدماً اربع مقاربات بما يخص امن المخيم والمحيط والعقد - الوثيقة التي سربت حول العلاقة بين الدولة واللاجئ، وحقوق الإنسان والمفهوم القانوني لأمن الفرد وامن الدولة.
وبعدما استعرض مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد) محمود الحنفي ظروف تهجير الفلسطينيين من مخيم نهر البارد، استحضر القوانين الدولية التي يمكن الاستناد إليها في الدفاع عن حقوق أهالي المخيم. وفصّل حنفي في الحصار الامني على مخيم نهر البارد من منظور القانون الدولي لحقوق الانسان والقوانين اللبنانية.
شارك في المؤتمر الدكتور حيان حيدر ممثلا الرئيس سليم الحص، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان السفير عبدالله عبدالله، النائب السابق زهير العبيدي، الشيخ عبدالله حمود ممثلا «حزب الله».