ماذا يجري بمخيم عين الحلوة؟
الأربعاء، 28 كانون الأول 2011
مخيم عين الحلوة، عاصمة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يعيش حالة من التوتر الأمني نتيجة حوادث الاغتيال المتكررة، والتي يختلط فيها الصراع المحلي، بالأهداف الدولية.
مخيم عين الحلوة، الواقع في مدينة صيدا، بوابة الجنوب اللبناني، والممرّ الإجباري لقوات "اليونيفيل" العاملة في الجنوب، تتضاعف أهميته بواقعه الجغرافي، وثقله السكاني والسياسي، فتصبح لكل مشكلة أمنية مضاعفات على لبنان والمنطقة.
الاغتيال
تفجّرت الأزمة الأمنية مع اغتيال اثنين من مرافقي قائد الكفاح المسلّح في المخيم محمود عيسو المدعوّ بـ "اللينو". وهذان الاثنان يتمتعان بحظوة لدى اللينو، ويعتبران الذراعين التنفيذيين له. الاغتيال الأول كان يوم الأربعاء (14-12) حين أقدم مقنّع على قتل مرافق اللينو أشرف القادري وهو داخل دكّانه، بواسطة إطلاق النار عليه من مسافة قريبة.
والقادري كان قد قام في شهر آب/أغسطس الماضي بإطلاق النار على شخص من آل الغيطاني، محسوب على إحدى الجماعات الإسلامية، ما أدّى إلى إصابة الأخير إصابة خطيرة، وما زال يرقد في إحدى المستشفيات، وهو على شفير الموت. وهو ما قاد بعض التحليلات إلى اتهام الإسلاميين باغتيال القادري.
بعد ذلك بثلاثة أيام؛ قام مسلحون تابعون للينو يستقلون سيارة، بإطلاق النار على مجموعة من الإسلاميين، فأصابوا شخصًا يُدعى أحمد عبد الله. تبع ذلك بيوم اغتيال مرافق آخر للينو هو الملازم رمزي أبو ستة الملقب بـ "عامر الفستق" وذلك وفي وضح النهار، في سوق الخضار في المخيم، من خلال مقنّع أطلق النار عليه.
هذه الحوادث أدّت إلى استنفارات عسكرية في المخيم، وتخوّف البعض من حدوث تداعيات خطيرة، وربط ما حدث بتطورات إقليمية، ما يمكن أن يقود إلى نهر بارد آخر. خاصة بعد تصريح للينو قال فيه إن "مجموعات مشبوهة ومربوطة بجهات خارجية هي التي تعبث بأمن المخيم (...) هناك تواجد لفتح الإسلام في منطقة الطواري (في المخيم)".
الأحداث الأمنية في المخيم جاءت بعد استهداف الكتيبة الفرنسية العاملة في إطار القوات الدولية "اليونيفل"، في منطقة قريبة من مخيم برج الشمالي في مدينة صور الجنوبية، وبعد إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني نحو فلسطين المحتلة، وإعلان ما يُسمّى "كتائب عبد الله عزام"، المسؤولية عن الحادث.
ووفق مصدر فلسطيني؛ فإن التسمية لا تخلو من الدلالة، فعبد الله عزام هو إسلامي فلسطيني، جاهد في أفغانستان، فالمقصود في التسمية اتهام الإسلاميين، والفلسطينيين، والسلفيين الجهاديين.
اعتقالُ "مشبوه"
المفاجأة كانت باعتقال قوات الكفاح المسلح، بقيادة اللينو، أحد الفلسطينيين في المخيم، ويُدعى عبد الله الغزي، للاشتباه في تنفيذه عملية اغتيال مرافق اللينو عامر فستق. ووفق معلومات خاصة بـ "المركز الفلسطيني للإعلام"، فإن عائلة الغزي هي التي قامت بتسليم ابنها للكفاح المسلّح، لتقطع الطريق على الفتنة.
وتضيف المصادر إن التحقيقات الأولية أشارت بقوة إلى تورّط الغزي بأحد حادثي الاغتيال على الأقل. وإن بعض جوانب التحقيقات والاعترافات حضرها بعض وجهاء المخيم. وقد تمّ تسجيل هذه الاعترافات. تبع ذلك تسليم الغزي للأجهزة الأمنية اللبنانية. ويُذكر أن الغزي يعمل لدى اللواء منير المقدح، أحد قادة فتح في مخيم عين الحلوة، الأمر الذي قاد إلى استنفارات مسلحة متبادلة بين قوات المقدح وقوات اللينو في المخيم.
الواضح أن ما جرى في مخيم عين الحلوة هو عملية ثأر وانتقام، وتنازع على النفوذ، وإن كان لا يمكن استبعاد فرضية مخطط خارجي تمامًا؛ نظرًا لتقاطع شخصيات في المخيم مع أجهزة استخبارات محلية ودولية. وتقول مصادر إن محمد دحلان، القيادي السابق في حركة فتح، ما زال يملك نفوذًا في بعض المراكز الحساسة في قيادة الحركة في لبنان، وليس هناك ما يمنع من استثمار نفوذه لغايات شخصية، ومصالح إقليمية ودولية.
ما حدث في مخيم عين الحلوة أظهر أن الأمن في المخيم ما زال عرضة للاختراقات، ويمكن التلاعب به، وباستقرار السكان، من أجل غايات سياسية ومصالح تتعارض مع مصالح أهل المخيم وفلسطينيي لبنان. كما أظهرت هذه الأحداث أن اللينو تعرض لضربة قوية بعد مقتل اثنين من المسؤولين التنفيذيين لديه. وأن طموحه بالإمساك الكامل بأكبر مخيم فلسطيني في لبنان بدا وكأنه مستحيل التحقيق، فلا يمكن لفصيل فلسطيني أن يمسك بمخيم، مهما كبر هذا الفصيل، أو صغر هذا المخيم، فالتوافق هو وحده كفيل بضبط الأمن، وتحقيق مصالح الناس.
وتختم مصادر فلسطينية بالقول: إن الحاجة مضاعفة لإيجاد مرجعية سياسية للفلسطينيين في لبنان، ومعالجة جذرية للمشاكل الاجتماعية التي يعيشها الفلسطينيون في هذا البلد، والتي "تفرّخ" مشاكل أمنية وسياسية. ومخيم عين الحلوة هو اليوم في عين العاصفة لما يشكّله من ثقل ديمغرافي وسياسي، لذا فإنه يجب استثمار جوّ المصالحات الفلسطينية لخلق حلول تُنقذ المخيم من المجهول.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام