ماذا يحصل لبعض الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة منذ العام 48؟!
السبت، 13 تموز، 2013
لا
تزال الأراض الفلسطينية المحتلة (48) تشهد يومياً العديد من حوادث القتل والاعتداء
والدهس من أطراف يعرف بعضها، وبعضها الآخر يبقى مجهولاً دونما دراية بهوية المجرم.
مدينة
الناصرة، والتي تعتبر أكبر المدن الفلسطينية، والتي بقيت عربية بامتياز داخل أراضي
48، تزداد الحوادث فيها بشكل غير طبيعي، فلا يلبث المشاهد للواقع، والمتابع
للأحداث أن ينسى ويبعد ناظريه عن جريمة حصلت، ويستدير إلى الخلف حتى يجد ضحية
أخرى، وجريمة أكبر.
ففي
المدينة المذكورة، قطع عبد الكريم أبو صالح الطريق بسيّارته على ابن عمّه، أخرجه
من سيارته وانهال عليه بضربات الهراوة القاتلة، هذا المشهد الذي التقطته كاميرات
الحراسة للمحال التجارية المجاورة. لم
ينتهِ أبو صالح عند هذا الحد، فبعد أن أردى أبو صالح ابن عمّه عاد إلى سيّارته
وتناول منها فأساً، واصل فيه تهشيم الجثّة الملقاة، غادر لدقائق وعاد حاملاً
سكيناً وواصل تسديد عشرات الطعنات للجثة الهامدة. تبين بعد الحادث أن الخلاف هو
على قطعة أرض! عندئذٍ سارع المارة والمشاهدون إلى التواري عن الأنظار خوفاً من
التورط في الجريمة.
كما
قتلت فتاة على يد أخيها في مدينة الطيرة، إضافة إلى العثور على جثة فتاة مقتولة
طعناً وخطيبها مشنوقاً إلى جانبها في قلب جبال الكرمل، علاوة عن قتل أمّ لأطفالها
الثلاثة في مدينة رهط في صحراء النقب.
هذه
الجرائم ليست إلا جزءاً من أحداث القتل والعنف التي شهدها الفلسطينيون في الداخل
خلال أحد عشر شهرًا، فقصص القتل والعنف تتواصل بتصفية حسابات إجرامية، وقتل خلال
عمليات سطو، أو خلافات بين عائلات تمتد لسنوات طويلة من سفك الدماء والثأر
المتواصل.
خلافات
تبدأ بصراعٍ على قطعة أرض، أو على دراجةٍ هوائيّة، فتتصاعد القصص وتكشف وجوهاً
جديدةً من المأساة الإنسانية حيناً، ومن العبث في أحيانٍ أخرى.
الواضح
أن أغلبية أحداث العنف تدور داخل الدوائر الاجتماعية المقلّصة، العائلة النواتية،
العائلة الموسّعة، أو البلدة، ما يدلّ على تصدّعات في أصغر الحلقات الاجتماعيّة:
أخ يقتل أخاه، زوج يقتل زوجته، ابن يقتل أباه وابن عم يقتل ابن عمّه...
أما
حول الأرقام الكارثية التي تثبت أن القضية ليست قضية قصة إنسانية قد تحدث في أي
مكان في العالم، بل جزء من وضع اجتماعي عام وشامل، له أسبابه الموضوعية، وله
نتائجه الكارثية، ففي النصف الثاني من العام المنصرم والنصف الأول من هذا العام،
سُجّلت أكثر من 1600 حادثة إطلاق نار في القرى والمدن العربيّة، منها 157 جريمة
قتل، وهي 41% من جرائم القتل التي حدثت داخل الأراضي الفلسطينة المحتلة منذ العام
1948، أي تحت سلطة العدو الصهيوني. لكن الإحصائيات نفسها تشير إلى أن متهمين
فلسطينيين لهم صلة بـ67 %من جرائم القتل عامة، وبـ52 في المئة من محاولات القتل في
البلاد.
في
العام 2010، نشرت شرطة العدو معطيات عن "إنجازاتها" في "تنظيف"
البلدات الفلسطينيّة في الداخل من السلاح، حيث ألقت القبض على 500 مسدس و200
بندقيّة، و50 عبوة ناسفة و80,000 رصاصة. طبعا الأمر مضحك جدًا، لأن عدد البنادق
والمسدسات المذكور ما هو إلا قطرة في بحر يُغرق المجتمع، فعدد العبوات الناسفة رقم
صغير مقابل ما يُستخدم على أرض الواقع.
وكلما
حصلت جريمة تستنكر الأحزاب السياسية وتقول: "تقاعس الشرطة"، وهو مسبب لا
خلاف عليه، لأن الشرطة لم تتوصل إلى كشف أي من التفاصيل لأكثر من 60 %من جرائم
القتل في المجتمع الفلسطيني ضمن أراضي48، لأن التحقيقات تجري بشكلٍ سطحي دون أي نيّة جديّة باعتقال
المجرمين، ولأنها – ربما – يسرها ما يجري في الداخل الفلسطيني، ولا تسعى لكشف
ملابسات الجريمة.
الأحزاب السياسيّة التي تتهم الشرطة بالتقاعس
تتناسى أنها أول من يتهم المجندين للشرطة - باعتبارها شرطة للعدو- بالعمالة
والتواطؤ. وأنها آخر من يفكر بمواجهة المسلّحين والمجرمين المعروفين في كل بلدة
ومدينة فلسطينية بالاسم.
ولا
ننسى أن الاقتصاد عامل حرج في هذه القضيّة، فنسبة البطالة تصل إلى48% بين الرجال
و80 في المئة بين النساء. و65% من الأطفال الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر بينما
50 في المئة من مجمل الفلسطينيين يعيشون تحته.
أمام
كل هذا، وأمام فقدان مؤسسة فلسطينية جديّة تأخذ دورها وتحل التناقض بين مكافحة
الإجرام والتواطؤ مع العدو، لا تبقى إلا حملات التوعية التي تقودها الجمعيات الأهلية
والمؤسسات والبلديّات أحيانا، بفعاليات محدودة لا تصل إلى المواقع الحقيقية
للجريمة، ولا تقدم حلولاً للمشاكل الجديّة. ومثل كل حملات المجتمع المدني في
فلسطين، تبقى هذه أيضاً شعاراتيّة تتحدث للمقتنعين بها أصلاً.
هذه
صورة لما يحدث عندما يتصدع مجتمع فقير، يعيش تحت سطوة، وعلى هامش مجتمع صهيوني
مهووس بالعسكرة والتسلح وماكينات القتل، ويُطلق يد أفراده في استخدام السلاح
وتداوله بكل حريّة.
المصدر: القدس للأنباء