متى تتوقف "مشاريع" حصار مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ؟!
السبت، 13 آب، 2011
يعيش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان حصار جديدا، وكأن معاناتهم الممتدة منذ اللجوء لهذه اللحظة لا تكفيهم، وكأن المأساة والجرح النازف والتضييق والخنق والمنع من أدنى مقتضيات الحياة والبناء والمعيشة لا يكفيهم، ففكر البعض في مزيد من التضييق.. هذا ما توعد به تيار لبناني بطرح مشروع "حصار المخيمات" مجددا بعدما جرى سحبه أخيرا من مجلس الوزراء إزاء تجاذبات داخلية ومعارضة فلسطينية باعتباره مدخلا لـ"قوننة" الغبن "وشرعنة" انتهاك حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وتنقل الفريق المناهض للحقوق في تبرير فعلته بين ذريعتي "الأمن الوطني" و"الضبط الداخلي"، هادفا من عرض المشروع مرة أخرى أمام مجلسي الوزراء والنواب -ليصبح نافذ المفعول عند الموافقة- إحراز انتصار جديد بعدما أخرج العام الماضي صيغة مجزوءة "لقرار العمل".
ورأت تلك القوى في السجال الحقوقي الدائر بالساحة اللبنانية تحريضا على الوجود الفلسطيني وإثارة لمشاعر الكراهية ضده بين صفوف اللبنانيين، موجهة رسالة تحذير من ثورة داخل المخيمات ضد الحكومة في حال نفاذ المشروع، "فضلا عن صياغة مذكرة احتجاج سترفع إلى رئيسي الحكومة نجيب ميقاتي ومجلس النواب نبيه بري".
وزاد مشروع وزارتي الداخلية والدفاع أمام اللاجئين الفلسطينيين "لاءً" إضافية إلى سلسلة "لاءات العمل والتملك والميراث والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي" عبر إحكام قبضة الحصار على المخيمات الفلسطينية بتشديد حركة التنقل داخلها وتحديد المخارج ومنع البناء وفق شروط.
ونصت فقراته على "تقليص عدد المداخل الرئيسة والفرعية إلى المخيمات وإقفال المداخل التي يمكن الاستغناء عنها بواسطة بلوكات من الإسمنت بحيث تبقى سالكة للمشاة فقط بدون الآليات والسيارات". وتضمّن منع البناء في المخيمات بدون ترخيص قانوني وإخضاع إدخال مواد البناء إليها (طلبات وكالة الأونروا) لموافقة السلطة السياسية (الحكومة) بعد أخذ رأي وزارة الدفاع الوطني (قيادة الجيش) ومتابعة ومراقبة لتنفيذ مشاريع الوكالة داخلها من جانب الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
قيادات فلسطينية إسلامية لم تخف مخاوفها ومعاناتها، وقالت بكل وضوح في تصريحات صحفية عديدة: "هناك قوى وشخصيات لبنانية تحمل نظرة عنصرية اتجاه الفلسطينيين، وتريد تهجيرهم خارج الأراضي اللبنانية بأي طريقة في حين يتعامل آخرون معهم باعتبارهم خارج القانون". أما الجميع فيعلم أن قضية اللاجئين الفلسطينيين سياسية وناتجة عن واقع التهجير القسري الصهيوني العام 1948، وهم متمسكون بحقوقهم في العودة ورفض التوطين، فهل إثبات تمسكهم يقتضي أن يعيشوا هذه المعاناة وتلك المأساة؟.. أليس من حقهم أن يعيشوا حياة كريمة لحين عودتهم؟..
الملاحظ أن العقلية الانعزالية والانطوائية والمغلقة هي المسؤولة عن إثارة مشاعر الحقد والكراهية ضد الفلسطينيين، وهي العقلية التي يحتكم إليها قرار الحصار العنصري بحق اللاجئين الفلسطينيين تحت ذريعة الخطر الديمغرافي والتهجير وذريعة سحب السلاح.. وغيرها من ذرائع وهمية لا صحة ولا أساس لها.
وإزاء المشروع المقترح فإنه يتوجب على اللاجئين الفلسطينيين تدبر أمورهم بعدما تضاعف عددهم من 120 ألفا -عام 1948- إلى 430 ألفا -عام 2010- بفعل النمو الطبيعي مقابل تناقص عدد المخيمات إلى 12 مخيما بعد تدمير خمسة منها.
ولم تغير من واقع الحال تعديلات المادة 59 من قانون العمل اللبناني والمادة 9 من قانون الضمان الاجتماعي التي وافق عليها المجلس النيابي اللبناني في 17 آب (أغسطس) من العام الماضي، حيث أفرغت معادلة التوازنات والتسويات الداخلية الحقوق من مضامينها واختزلتها في الجزئيات.
ورغم الضجة المصاحبة للقرار بغية تصويره منجزا سيحد من معاناة اللاجئين غير أن الواقع المرّ الذي يرزحون تحت وطأته منذ عقود ليس مرشحا للتغير، حيث أفسح القرار العمل في قطاعات كانت محظورة عليهم في السابق -بلغت 74 مهنة- باستثناء العمل في القطاع العام التابع للحكومة ولمؤسسات الدولة إضافة إلى المهن الحرة وهي الطب والهندسة والمحاماة... حيث تشترط نقاباتها وقوانينها الانتساب إليها لمزاولة المهنة، وهو أمر ممنوع على الفلسطيني.
فيما بقي حق التملك والتوريث والضمان الصحي والاجتماعي والأمومة والطفولة خارج نطاق البحث، بحيث سيبقى 56% من قرابة 480 ألف لاجئ مسجلين لدى الوكالة متعطلين عن العمل فيما يعاني زهاء 160 ألف لاجئ من الفقر مقابل 7,9 % منهم من الفقر المدقع، وفيما 63% منهم يفتقدون الأمن الغذائي، و6 % من الفلسطينيين فقط حملة شهادات جامعية وفق معطيات (الأونروا).
ولأن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ليسوا مواطنين رسميين لدولة أخرى فهم غير قادرين على اكتساب الحقوق نفسها التي يتمتع بها الأجانب الذين يعيشون ويعملون فيها في حين يوجد زهاء 5 آلاف فلسطيني فاقدون للأوراق الثبوتية بما يزيد وضعهم سوءا.
وقد أرجعت (الأونروا) -في دراسة حديثة- سبب تردي الوضع الفلسطيني في لبنان إلى عزلهم بما لا يسمح لهم بالانخراط في الحياة المدنية، "إضافة إلى إقفال أسواق العمل في وجوههم، وحرمانهم من الضمان الصحّي وحق التملك".
تلك عينة مما يحاك من مشاريع حصار تستهدف اللاجئين الفلسطينيين في أحد أهم دول الطوق والجوار، ولا ندري متى تتوقف معاناة هؤلاء؟، ومتى يصبح من حقهم العيش بحياة كريمة محترمة تليق بإنسانيتهم وبحضارتنا؟.. هل يقتضي التمسك بحق العودة ورفض التوطين أن يعيش الإنسان في أكواخ القصدير وأن يعيش اللجوء والمأساة بكل التفاصيل واللحظات حتى يتذكر بأنه لاجئ؟.. نحن نحيا زمن التغيير وزمن الثورة وزمن الحياة والحرية.. فهل يدرك القائمون على مشاريع الحصار والتضييق أن الإنسان كرامة؟، وإذا ديست حتما سينفجر؟!..
المصدر: صحيفة الاستقلال الاسبوعية