مخيم برج البراجنة يخرج في جنازته
العابد المتصدّق أبو علي يوسف يقضي بصعقة كهرباء
الأربعاء، 20 تموز، 2011
بيروت، لاجئ نت
الزمن يعود بنا إلى الوراء، ليعيد تذكيرنا إلى أيام الطفولة حين كنا نسمع عن مقاتل، لا ينام لأيام، يكره الظهور، عنيد، جسور، وزد ما شئت من صفات الشجاعة والمروءة، فكلها كلّها في رجل كنيته أبو علي كارلوس. هكذا كانوا ينادونه، وبهذا أحببناه دون أن نعرفه.
تمضي السنون، يسافر إلى ألمانيا، لكن حميّة أعادته إلى مخيم برج البراجنة، حيث مسكنه. خالد أحمد يوسف، فرع طيب من نبت طيب، هو ابن الأستاذ أحمد يوسف. خالد، في كل مكان له حكاية، يعين يتيماً هناك، ويعطي سائلاً هنا، ويحث الناس على الصلاة هناك وهنا.
لحية طويلة، وكلام خافت، بالكاد تسمعه، وخمسة وأربعون عاماً لم تُضعف في عزيمته ونشاطه. أبو علي، ليس هناك من روّاد صلاة الفجر من لا يعرفه. يصحو قبل آذان الفجر بحوالى ساعة ونصف، فالوقت لديه ضيق ليهاتف أكثر من 150 شخصاً، يوقظهم، فالصلاة خير من النوم. يهاتف شباباً في مناطق عدة، ليصل صوته إلى مصر: حيّ على الصلاة.
يقول أبو علي لصاحبه في صلاة الفجر "إنني سأهاتف شخصاً أهاتفه منذ عامين، وأنا أعلم أنه لا ينهض ليصلي الفجر، ولكني آمل من ربي أن يهديه يوماً". رجل آخر يقول له أبو علي "سأوقظك لصلاة الفجر"، فيجيبه ذلك الرجل "إنني لا أملك هاتفاً". فيذهب أبو علي ويشتري له هاتفاً وبطاقة ليوقظه فجراً.
كنا ننتظر جثماناً عند المقبرة، فأخذ رجل يشكي من أن ولده يريد أن يتعلّم، لكن ليس عنده مال، فيميل أبو علي على كتفه ويطمئنه بصوته الخافت "إن كانت القصة قصة مال فالقضية محلولة".
فعّال للخير، لكن بصمت. وعند وفاته ظهرت الكثير من مكارمه؛ أيتام كثيرون كفلهم، لكن بشرط عدم البوح بذلك حتى لا يضيع أجره، تبرعات لمؤسسات عديدة. وبعد الدفن جاء شيخ إلى العزاء وقال إن هناك كُتيباً وضعه أبو علي في المكان كذا، فيه الكثير من الأمانات، وأكثرها لعمال سوريين، لم يجدوا من هو أكثر أمانة منه، فحفظوا أموالاً كثيرة لديه.
لا عجب وهذه بعض من صفاته، أن تكون جنازته من أكبر الجنازات التي شهدها المخيم، ولعلها أكبرها على الإطلاق، شبان يبكون، وآخرون يضربون رؤوسهم بالجدران، إنه أبو علي. صعقة كهربائية أصابت مخيماً بأكمله قبل أن تصيبه، فلنا في حياته عبرة، ولأهله وأصحابه وكل من عرفه الصبر والسلوان.