مخيم عين الحلوة.. مقصد الجوار
عين الحلوة، أو عاصمة الشتات الفلسطيني، كما يسميها البعض، تفور وتمور، حتى تكاد تخالها جبلاً تتكسّر كل الأمواج عند قدميها. في العام 1982، وبالتحديد في الاجتياح الصهيوني للبنان، وعندما وصل جيش الاحتلال الصهيوني إلى بيروت وحاصرها، بقيت عين الحلوة صامدة، شامخة، وبأفراد قليلين من المقاتلين صمدت ثلاثة وعشرين يوماً، رغم القصف الشديد وآلة الحرب الصهيونية المدمرة التي ما أبقت حجراً فوق حجر.
يقول سامر عبد الله (33 عاماً)، قبل الاجتياح ـ ورغم حداثة سني أيامها ـ إلا أنني ما زلت أذكر كيف كنا نخرج من المنزل للتوجه إلى سوق المخيم، وبالتحديد إلى دكان أبو غالب، لشراء علكة أو شوكولا. كانت الثورة الفلسطينية «بعزِّها» آنذاك، وانعكس ذلك «بحبوحة» على أهل المخيم والجوار.
ولكن يقول الحاج أبو محمد (66 عاماُ)، «سوق المخيم» الممتد من أول الشارع التحتاني، إلى آخر الشارع الفوقاني كان منظماً جداً، ولم يكن أحد يلاحظ وجود عربات خضار في وسط الطريق، أو امتدادات «لبسطات» الخضار من اليمين واليسار، كما هو حاصل في هذه الأيام.
ويعتبر سوق المخيم، مقصداً لأهالي المخيم ومناطق الجوار «تعمير المخيم، صيدا، أهالي درب السيم، الغازية..»، وتتعزز هذه الحركة بشكل كثيف أو تتراجع تبعاً للظروف الأمنية في المخيم، أو للإجراءات المتخذة تشديداً أو تخفيفاً على مداخله، مما ينعكس سلباً أو إيجاباً على البائعين في السوق.
مقصد الجوار
ويقصد السوق من غير أهل المخيم لرخص الأسعار وتدنيها قياساً على الأسعار الغالية التي تباع فيها الخضار والفواكه والحاجيات الأخرى خارج المخيم.
وفي تجربة جديدة من نوعها وتعبّر عن مدى الثقة؛ افتتح أحد تجار حسبة صيدا ويدعى أبو أحمد، محلاً أول سوق الخضار مع شريك له من المخيم. ويعتبر أبو أحمد أن محله هذا سيكون فيه «بيع أكثر، وربح أكيد».
ورغم هذا الكلام والفعل من خارج أبناء المخيم، فإن المفارقة، أن جميع الذين يمتلكون محالاً تجارية في سوق الخضار يشتكون من قلة البيع، والعديد منهم أو لنقل أكثرهم، قاموا بتأجير محالهم للعمال السوريين، بمبالغ تتراوح ما بين 300 و400 دولار أمريكي في الشهر الواحد.
«زحف»
ويجد المرء في سوق المخيم كل ما يطلبُ، فالمنطقة شعبية، وذات كثافة سكانية عالية بما يسمح بتبادل أطراف العملية التجارية بكل سهولة وَيُسْر؛ عرض وطلب، وبيع وشراء. فيوجد محال لبيع الخضار والفواكه، والأدوات المنزلية، والسمانة، وهذه الأخيرة «يسيطر عليها» بشكل رئيسي: الحاج الحيدري، الحاج الصفوري، وأولاد المرحوم أبو غالب دياب.. كما توجد فيه محلات لبيع الألبسة والأحذية «بوتيك العرايس، ومحلات عبد المجيد عيسى..».
كما أن زحف «البسطات» من داخل المحلات إلى خارجها، جعلها «تأكل» من الجهتين أكثر من نصف الطريق، ويمكن للمرء أن يتخيل مع وجود العربات «تمر هندي وجلاب، والقهوة والشاي...»، كيف يصبح الوضع؛ فأيام الآحاد والعطل «يقاتل الإنسان وبشراسة» كي يستطيع التخلص من الحشود والمرور بأقل «الخسائر» الممكنة.
ويصف البائع نزار عمله داخل السوق فيقول: «كنت أبيع على عربة لمدة عامين ومنذ ثلاثة أشهر، استأجرت وأخي محلاً في السوق.. ولا أخفيك أنني بت أشعر بالاستقرار أكثر. وأتمنى أن تزدهر الأعمال وتتحرك العجلة الاقتصادية بما يخدم أبناء المخيم، ويخفف عنهم الضغوط الاقتصادية الكثيرة».
ويقول جاره محمد: «أن يجد الإنسان له موطىء قدم في السوق، فهذا أمر جيد، وأعتقد أن الاهتمام بالسوق، وتنظيم حركة المشاة فيه، وتخفيف «العجقة»، أو تنظيمها، يساهم بشكل كبير في زيادة الحركة. والحركة بركة وتجلب الفلوس».
ونتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة، وحالة للبطالة المتفشية، فقد «تمدد» السوق، وباتت محلات الخضار والألبسة تنتشر بكثافة في الشارعين الفوقاني والتحتاني. وبات المرء يميز العديد من المحلات التي اكتسبت شهرة: «معرض فرهود للأحذية، محلات الأسدي للألبسة...».
معالجة
رغم الصورة الإيجابية التي ظهرت وتعكس في جزء كبير منها حالة المخيم، إلا أن مظاهر عديدة سلبية تبقى موجودة وبحاجة إلى معالجتها من قبل المعنيين:
ـ حالة الازدحام الشديد. وفي هذه الحالات، بشكل عام، تحصل عمليات سرقة وسلب، إلا أنه والحمد لله، تبقى هذه في سوق المخيم حالات لا تذكر. ففي سوق الهرج في بغداد، مثلاً، تنتشر بسبب الازدحام عمليات السلب بشكل كثيف. ويُنقل عن أهل بغداد قولهم إن عمليات السرقة تتم بدرجة عالية من الحذق والمهارة، كما أن بعض رجال الشرطة المولجين حماية المواطنين، يتقاسمون ما تجنيه ـ عذراً تسرقه ـ أيدي اللصوص الحاذقين!! ويتناقل أهل بغداد حكاية ظريفة أن لصاً سرق محفظة فوجد فيها ثلاثة دنانير. ولكن الرجل المسروق أخذ يصيح بأعلى صوته: سُرقت محفظتي وبها عشرة دنانير. فاحتال السارق وأعاد المحفظة إلى صاحبها، وهرب. وعندما أمسكه الشرطي، قال له لماذا أعدت المحفظة؟ فقال السارق: المحفظة فيها ثلاثة دنانير، وهو قال فيها عشرة، وأنت ستحاسبني على العشرة فما لي وهذه الخسارة!!
* إعادة تنظيم السوق؛ والبعض يتحدث أن مشروعاً كان موجوداً لنقل العربات إلى ساحة كبيرة وجعلها كسوق خاص، إلا أن ذلك لم ير النور حتى الآن.
* تنظيم «بسطات» أصحاب المحال، بحيث لا تخرج «وتندلق» إلى خارج المحل لمسافة متر أو مترين، من كلتي الجهتين. مما يعيق حركة المارة ويزيد من حالة الازدحام.
* يعزز من حالة الازدحام أو على الأقل عرقلة حركة المارة، الشباب الذين «يفترشون» الأرض، ويشربون «النارجيلة».
وأخيراً يمكن القول إن عامل الاستقرار الأمني في المخيم يساهم في ازدهار الحركة التجارية والاقتصادية، أما التوترات الأمنية فتنعكس سلباً ليس على الحركة الاقتصادية بل على مجمل الأوضاع في المخيم والجوار.
المصدر: القدس للأنباء