الأهالي القلقون يلملمون جراحهم وخسائرهم ويسألون عن قضية اسمها فلسطين
مخيم عين الحلوة: هدوء حذر وسط مخاوف من تجدد «تقاتل الأخوة»
الثلاثاء، 20 كانون الأول، 2011
يلف مخيم عين الحلوة من اقصاه الى اقصاه حذرا وهدوءا غير معهودين، يشبهان هدوء ما قبل «الانفجار الكبير»، فيما يعيش أهالي المخيم وسط موجات متلاحقة من الشائعات التي تجتاح المخيم، وتتحدث عن استنفار هنا، وظهور مسلح هناك، واشتباكات في هذا الحي، ووجود المقنعين في الزورايب في وضح النهار كما في الليل، وكأنهم الأشباح.
وبدا المخيم أمس، كأنه بات رهينة المسلحين الذين يتجولون في ازقته وطرقاته، وكان لصوت أي رصاصة ان يثير الذعر بين صفوف الأهالي النادرين أصلا في الشوارع. وكان إطلاق الرصاص في الهواء عند الظهيرة من قبل مجموعة من المسلحين في الشارع الفوقاني قد خلق حالة من الذعر والفوضى الأمنية في المخيم. وعلى الفور، هرب الجميع من دون ان يقفوا على حقيقة ما يحصل ولماذا أطلقت النيران. في المقابل.
كل ذلك، واهالي مخيم عين الحلوة لم يصحوا من الصدمة بعد، ولم يلملموا جراح ابنائهم، ولا الأطفال الذين لم يتجاوز عمر احدهم الستة اعوام، كالطفل ابراهيم الاسدي الذي تلقى جسده النحيل ثلاث رصاصات اخترقت إحداها عنقه الصغير، اضافة الى رصاصة ثانية استقرت في قدمه اليسرى، فيما استئصلت الثالثة من قدمه اليمنى عبر جراحة عاجلة في مستشفى الاقصى في المخيم. وتعتبر عملية الأسدي الأولى التي تجرى في «الأقصى»، وفق ما يؤكد المشرف على المستشفى الدكتور وائل ميعاري. وزار الطفل الأسدي امس قائد المقر العام لحركة فتح منير المقدح مطمئنا الى صحته.
وتبين جولة ميدانية في المخيم الذي يعيش «شبه منع تجول» وجود آثار الرصاص في كل مكان، خاصة قرب سوق الخضار، وفي حي حطين ومسجد الصفصاف والطيري اضافة الى اصابة اكثر من 15 محلا ومتجرا باضرار جسيمة. كما احترق محل لبيع «الإكسسوارات» النسائية وهدايا الاطفال العائد لمحمود صبحي ابو ليلى عن «بكرة ابيه». وشوهدت زوجة ابو ليلى تندب حظها، و«تولول» شاكية أمر المسلحين الى الله، بينما قال زوجها ان «إهل المخيم لم يحملوا السلاح من اجل تصفية بعضهم البعض، ولا من اجل هذا الدمار، بل من اجل قضية اسمها فلسطين»، معتبراً ان الحرائق الحاصلة في عين الحلوة «تشهد اين اصبحنا من فلسطين»، متسائلاً عمن يعوض عليه خسارته بعدما اصبح «على الأرض».
ولم ينته اهل المخيم بعد من وضع التقديرات حول خسائرهم في محلاتهم ومؤسساتهم حيث «ذهب جنى العمر، وضاع بفعل فاعل» إضافة إلى الأضرار في شبكات المياه والكهرباء.
كل ذلك في ظل استمرار تواجد المسلحين في كل زاوية وزاروب، وعند كل منعطف فرعي في المخيم، إضافة إلى رفع دشم حديثة ومستجدة في الشارع الفوقاني من عين الحلوة، مما آثار الريبة والهلع بين الاهالي الذين فضلوا البقاء في منازلهم خشية وقوع اي اشتباك، وباتوا أسرى الترقب والانتظار الذي يبدو انه سيطول.
وما زال المخيم شبه معطل، فيما بقيت معظم المحلات والاسواق مقفلة، ولم تتجاوز نسبة الذين فتحوا محلاتهم العشرين في المئة، في الوقت الذي ظل سوق الخضار شبه مقفل، كما أن المدارس بقيت مقفلة وتعطلت الدراسة، وأقفلت مؤسسات «الاونروا» أبوابها .
وطرح الأهالي أسئلة كبيرة في ظل انعدام الأجوبة الشافية، في ظل تخوف من نهر بارد جديد، ولا من يجيب، أو يعرف حتى. ويكاد الأهالي والمسؤولين في المخيم من سياسيين وامنيين في الفصائل المختلفة، يجمعون على وجود مشروع خارجي لجر المخيم وقواه الى اشتباكات على غرار نهر البارد، وما انتهى اليه من دمار وتشريد وتهجير، وصولا إلى التوطين. في المقابل، يتحدث آخرون عن محاولات حثيثة لاستدراج اشتباكات بين فتح والقوى الاسلامية بهدف تصفية فتح، وإنهاء وجودها من اجل سيطرة الإسلاميين المتشددين على المخيم. كما وتتحدث أطراف أخرى عن وجود مخطط لتصفية الكفاح المسلح وانهائه او شل قدراته بعد أن تحول إلى فصيل تابع لحركة فتح، وذلك من اجل الشروع بتشكيل قوة امنية ومرجعية موحدة من كل الفصائل. في المقابل، يردد آخرون الرواية المعهودة وتوجيه الاتهام الى «فلول» جند الشام وانصار الاسلام وصولا الى فتح الاسلام» .
وأمس، انهمك قائد الكفاح المسلح محمود عبد الحميد عيسى «اللينو» في عقد اجتماعات متلاحقة في مقر حي الصفوري مع قيادة وكوادر فتح ومع اللجنة الأمنية وقيادة القوى الإسلامية. وأكد «اللينو» للجميع ان المخيم «امانة بين اياديكم، ونحن لن ننجر الى اشتباكات، ولن نقوم باي اعمال عسكرية شاملة، ولن تكون هناك حرب بيننا وبينهم». الا ان «اللينو» لم يتهم فقط «فلول» جند الشام وفتح الاسلام وغيرها، بل اتهم امس «وجوها جديدة» ظهرت في المخيم، وتقوم بترويع الاهالي، وهي لم تكن موجودة فيه من قبل، من دون ان يسميها أو يعلن عن هويتها. وأكد «اللينو» بأنه يملك معطيات حول هذه «الوجوه» سيعلن عنها في الوقت المناسب، تاركا للقوى الاسلامية وللجنة المتابعة وقيادة المخيم امر معالجة الموضوع على طريقتهم.
بدوره، يؤكد قائد المقر العام لحركة فتح منير المقدح «ان لا دليل بعد حول هوية مطلقي النار، «ونحن ضحية مشروع كبير يستهدف المخيم من اجل تحويله الى بارد جديد، وتدميره وفق ما تخطط اميركا واسرائيل من اجل استسهال التوطين والتعويض». ويشدد المقدح على «اننا في مخيم عين الحلوة امام مخطط للفتنة بين مكونات عين الحلوة، وجميعنا يتحمل المسؤولية، ولا استثني احد من نفسي ومن الجميع، وعلى الجميع وعي خطورة ما يجري، وعلى فتح ان تتخذ الموقف المناسب ممن يطلق النار بهذا الشكل ويستسهل الاغتيال الارعن». وطالب المقدح من لديه أي «دليل واضح وملموس على اي اسم متورط عليه ان يبادر فورا الى تقديمه الى لجنة المتابعة لتقوم بدورها».
وصيداويا، دان رئيس التنظيم الشعبي الناصري الدكتور أسامة سعد التقاتل بين الفصائل الفلسطينية في مخيم عين الحلوة، داعياً إياها إلى وضع حد نهائي للتقاتل الذي تحول إلى مسلسل عبثي لا ينتج عنه إلا الأذى والموت والخراب». كما دعا الفصائل إلى الارتقاء إلى مستوى المسؤولية التي تفرضها التحديات التي تواجه لبنان والقضية الفلسطينية. وقال سعد «لم يعد مقنعاً لأحد إلقاء كامل المسؤولية على الأيدي الخارجية والطابور الخامس، فبعض الفصائل في المخيم تتحمل على الأقل جانباً من المسؤولية، وما كان للأيدي الخارجية والطابور الخامس أن ينجحوا في تفجير الوضع لولا وجود تجاوب وتربة خصبة داخل المخيم».
وأضاف سعد «إن الاشتباكات في المخيم أدت إلى خسائر فادحة، من سقوط الضحايا وتدمير الممتلكات إلى ترويع السكان الآمنين، وإلى إلحاق أضرار بالغة بالأمن والاستقرار في مدينة صيدا ومنطقتها، وانه لم ينتج عنها إلا الإساءة لقضايانا الوطنية والقومية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية».
وخلص سعد إلى القول إن الاختلاف بين الأحزاب والفصائل وتوجهاتها هو أمر مشروع. أما تحويل الاختلاف إلى خلافات وصراعات واشتباكات فهو أمر مرفوض، ولا يخدم إلا أعداء القضية الفلسطينية، وأعداء لبنان والأمة العربية...
كما دانت النائبة بهية الحريري الأحداث الأمنية المتكررة، معتبرة «انها تأتي في سياق واحد وهدف واحد، وان تكرارها واستهدافاتها المباشرة، توحي بأن هناك من يريد جر المخيم الى مشكل امني كبير واستدراجه الى اتون صراع داخلي يدفع ابناء المخيم وصيدا ولبنان كله ثمنه». ودعت الحريري جميع القوى والفصائل الفلسطينية في المخيم الى تفويت الفرصة على من يقف وراء هذا المسلسل الأمني المتلاحق في عين الحلوة من ان ينفذ مخططه، منوهة بحكمة قيادتي الكفاح المسلح وحركة فتح في التعاطي مع هذه الأحداث، وبجهود كافة القوى والفصائل الممثلة في لجنة المتابعة الفلسطينية من اجل نزع فتيل التوتر». وأجرت الحريري اتصالا هاتفيا بـ«اللينو» مؤكدة على ضرورة التحلي بالحكمة في هذه المرحلة الدقيقة والخطرة التي يمر بها لبنان وقطع الطريق على من يريد جر المخيم وصيدا الى اتون الأحداث الأمنية والى حالة دائمة من التوتر واللاإستقرار.
المصدر: محمد صالح - السفير