مخيم عين الحلوة
يستعيد ذكرى حرب المخيمات
الأربعاء، 26 آب، 2015
ما يجري في مخيم عين الحلوة
للاجئين الفلسطينيين في لبنان، يتجاوز الاشتباكات المتقطعة بين حركة فتح و"مجموعات
إسلاميّة". فهذا المخيم، الموجود عند أطراف مدينة صيدا في جنوب لبنان، يُعتبر
أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، إذ يعيش فيه نحو 120 ألف لاجئ، ويسمى بـ"عاصمة
الشتات". والمخيم يتعرّض اليوم لمعركة تكاد تكون معركة إلغاء. تُشير المعلومات
الواردة من المخيم إلى أن حركة فتح اتخذت قراراً بالقضاء على الحالة الإسلامية، المكونة
من عددٍ من المجموعات من أبرزها "الشباب المسلم". وتُشير المعلومات أيضاً
إلى أن القرار بخوض هذه المعركة مرتبط بشكلٍ ما بالمؤتمر الحزبي الذي تنظمه حركة فتح
قريباً. فالاشتباكات مع الإسلاميين تقوي الطرف الذي يخوضها داخل "فتح"، خصوصاً
مع تحوّل الموقف من الإسلاميين إلى عامل أساسي في الانتخابات الفتحاوية. وسأل بيان
للحركة صدر يوم أمس "إلى متى ستبقى هذه المجموعات الإرهابية التي تحمل أجنداتٍ
سياسية وأمنية مُعادية لتطلعات شعبنا وأهلنا في المخيمات، تسرح وتمرح، وترتكب الجريمة
تلو الجريمة دون رادع"؟ ورأى البيان أن هذه المجموعات تستبيح أمن المخيم، والأمن
الاجتماعي، وهي "تتحدى هيبة وكيان القيادة السياسية في لبنان والمكونة من القوى
الوطنية والإسلامية، وآن الأوان لاتخاذ قرار حاسم بشأن هذا الخطر الذي يهدد واقع الشعب
الفلسطيني ومستقبله". ولطالما اتهمت قوى حزبية لبنانيّة وفلسطينية التجمعات الإسلامية
في المخيم بأنها تؤوي الإسلاميين المطلوبين من القضاء اللبناني.
لكنْ، هناك بُعد آخر لما
يجري. هناك من يسعى عبر التنسيق مع القيادي الفتحاوي المطرود محمد دحلان، وأجهزة استخبارات
عربية، إلى وضع المعركة مع المجموعات الإسلاميّة في المخيم تحت عنوان "الحرب الدوليّة
على الإرهاب"، وهذا ما يتقاطع مع ما ترغب فيه جهات لبنانيّة داخليّة. وفي حال
توحّدت هذه الجهود تحت عنوان "الحرب على الإرهاب"، فإن هذا الأمر يعني عودة
العميد، محمد عيسى (اللينو)، إلى صفوف "فتح" وهو المقرب من دحلان، كونه
"الأقدر على خوض هذه المعركة"، بحسب ما تقول مصادر مقربة من حركة فتح. لكن
هذا يعني حكماً من الجهة الأخرى انضمام "عصبة الأنصار" إلى المجموعات الإسلامية،
بحسب ما تؤكد مصادر إسلامية فلسطينية. بهذا الشكل، تكون المعركة لصالح الإسلاميين،
خصوصاً وأن "العصبة" تعتبر الأكثر تنظيماً وتدريباً وتسليحاً في المخيم.
لكن معركة المخيم الداخليّة
غير معزولة عن العمق اللبناني. ليل الإثنين ــ الثلاثاء، خرجت أصوات داخل المخيم تدعو
إلى خروج سكانه إلى صيدا، وهو ما يعني إفراغه وتحويله إلى منطقة عسكرية. وقد سارعت
مجموعات من الفصائل الفلسطينية لمواجهة هذا الطرح، واعتبرت "الخروج من المخيم
خيانة وطنية". وإلى جانب الدعوات لخروج المدنيين، استدعت حركة فتح مقاتلين من
مخيمات لبنانية أخرى. وتؤكّد المعلومات وصول مقاتلين من مخيم الرشيدية (في مدينة صور)
بسلاحهم إلى المخيم، كما تنتشر معلومات عن وصول مقاتلين من دون سلاحهم من مخيم برج
البراجنة (ملاصق للضاحية الجنوبية). ومن المعلوم أن المخيمات، محاصرة من الجيش اللبناني
الذي يُدقق في حركة الداخلين والخارجين. وبالتالي فإن حركة المسلحين هذه أخذت غطاء
من السلطات اللبنانيّة. وفي هذا السياق انتشرت يوم أمس صور لمسلحين، يُعتقد أنهم من
حركة فتح، يُشاركون في الاشتباك ومتمركزين في نقاط تكاد تكون ملاصقة لمواقع الجيش اللبناني.
وفي السياق عينه، يشير أحد
المسؤولين في فصيل فلسطيني يساري إلى أن حركة فتح طلبت من هذا الفصيل عدداً من الشبان،
ليلتحقوا بأحد معسكرات التدريب بهدف تدريبهم وتسليحهم ليكونوا على أتم الاستعداد للمشاركة
في معركة الحسم مع الإسلاميين. ويلفت إلى أن هذا الفصيل امتنع عن ذلك حتى اللحظة، بسبب
تخوّف من أن التدريب سيكون بإشراف سرايا المقاومة التابعة لحزب الله. وهذا عنصر تعقيد
إضافي؛ ففي الأشهر الماضية، نشطت سرايا المقاومة بشكلٍ كبير داخل المخيم. جنّدت العديد
من الشبان، ودفعت رواتب كبيرة لهم، بالمقارنة مع الوضع المعيشي المزري في المخيم. في
المقابل، عمل الإسلاميون لمواجهة هذه الظاهرة، فقاموا باغتيال عدد من مسؤولي سرايا
المقاومة في المخيم.
وتتقاطع المعلومات من جهات
مختلفة في مخيم عين الحلوة، باتجاه التأكيد على عدم قدرة حركة فتح على الحسم العسكري
في وجه الإسلاميين. وبالتالي، فإن دفعها باتجاه هذه المعركة يضع المخيم أمام احتمالين:
إما سيطرة الإسلاميين عليه، ووضعه في مواجهة مع السلطة اللبنانيّة، أو دعم حركة فتح
من قبل سرايا المقاومة والأجهزة الرسمية اللبنانيّة بهدف السيطرة على المخيم. وفي الحالتين،
فهذا يعني "حرب مخيمات" جديدة، أو على الأقل نسخة متطورة من معركة مخيم نهر
البارد (شمالي لبنان)، الذي دمر بالكامل عام 2007، ولم تتم إعادة بنائه بالكامل بعد.
اللافت أنه خلال اشتباكات ليل الإثنين ــ الثلاثاء، سُجل استنفار عسكري لمجموعات عسكرية
غير لبنانية في المناطق القريبة من المخيم.
وفي الحالتين، إذا سارت
حركة فتح في سيناريو القضاء على الحالة الإسلاميّة، فإن هذا سيعرّض أمن المحيط اللبناني
للخطر، إذ عند اندلاع كل اشتباك تقطع الشوارع المحيطة في المخيم، وهي التي تربط صيدا
بالجنوب اللبناني المحسوب مذهبياً وسياسياً على حزب الله وحركة أمل. كما أن أية مشاركة
لبنانية في هذه المعارك ستُعيد نبش تاريخ من العنف بين اللبنانيين والفلسطينيين، خصوصاً
حروب المخيمات المختلفة. وهو ما سيترك آثاراً كبيرة، وتداعيات قد يكون ضبطها صعباً.
في المقابل، لا يوافق مصدر
في إحدى الفصائل الأساسية في المخيم على هذا الاحتمال، إذ ترى هذه المصادر أن
"فتح تحاول استعادة كرامتها عبر إدخال المخيم في حروب متتالية، والهجوم على حركة
الجهاد الإسلامي وحركة حماس وعصبة الأنصار والشيخ جمال خطاب، وتحميلهم مسؤولية الفشل".
ولا ينفي هذه المصدر وضع المخيم تحت شعار "الحرب على الإرهاب"، ووجود عمل
فاعل لأجهزة استخبارات عربية، باتجاه توتير الوضع في المخيم، لكن تفاؤله يرتبط بقناعته
بعدم وجود مصلحة من تفجير المخيم، كما عدم وجود قدرة لضبط تداعيات أي تفجير.
انتهت موجة الاشتباكات التي
بدأت ليل الإثنين ــ الثلاثاء، بعدد من القتلى والجرحى، ومسيرة للمطالبة بتثبيت وقف
إطلاق النار. تجدر الإشارة إلى أن الهدنة السابقة، صمدت من ظهر الأحد الماضي إلى مساء
الإثنين. فهل تصمد هذه الهدنة لمدة أطول؟ وخصوصاً أن الأصوات التي تخرج من داخل
"فتح" وتطالب بضرب الحالة الإسلامية بقوة تزيد يوماً بعد آخر. وقد تم التوافق
في اجتماع اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا في عين الحلوة على وقف إطلاق النار و"تشكيل
لجان ميدانية عدة لتأكيد الالتزام به حيث تقوم بجولة ميدانية على الأرض، واحدة باتجاه
فتح مؤلفة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وأخرى نحو الإسلاميين المتشددين مؤلفة
من "حماس" والقوى الإسلامية، وثالثة نحو مفترق سوق الخضار مؤلفة من القيادة
العامة و"حركة الجهاد الإسلامي"، ورابعة من أجل صياغة البيان وإعلانه في
المساجد على أن يتولى الشيخ، جمال خطاب، متابعة كل اللجان".
المصدر: العربي الجديد