مخيم نهر البارد: الحرمان والدفاع عن الكرامة والحقوق يحركان الأهالي
الإثنين، 06 آب، 2012
نجح اللاجئون الفلسطينيون في مخيم نهر البارد في وضع مطالبهم الإنسانية والاجتماعية المحقّة، وقضيتهم العادلة على رأس قائمة الاهتمامات اللبنانية – الفلسطينية المشتركة، منذ 15 حزيران/ يونيو، يوم بدأ الأهالي في المخيم بحراكهم المدني المطالب بتحسين أوضاعهم. شرارة هذا الحراك انطلقت حين طلبت دورية من الجيش اللبناني من أحد الفلسطينيين، الذي كان يقود دراجة نارية، التوقف عند الحاجز، فرفض. هنا، ذهبت دورية من الجيش إلى منزله واعتقلته، وبدأوا بإهانته وضربه أمام أهالي الحي، واعتدوا على والدته وأخته، فوقف شباب الحي إلى جانب الشاب معترضين على الطريقة التي يعامل بها، وقذفوا دورية الجيش بالحجارة، فردت الدورية بإطلاق النار عشوائياً من بنادق آلية، ثم من الرشاشات الموضوعة على المجنزرات، وهي من عيار 12،7 ملم، ما أدى إلى استشهاد الشاب أحمد قاسم.
وعند تشييعه، حصل صدام آخر بين المشيّعين والأهالي والجيش اللبناني، فاستشهد شخص آخر من آل لوباني، واعتقل الجيش عشرة من الفتيان.
أزمة عميقة
لا يمكن فصل أزمة مخيم نهر البارد عن أزمة الوجود الفلسطيني في لبنان، فالمخيم يعيش حالة من المعاناة الإنسانية والعامة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون، ومنها على سبيل المثال:
1- تتعاطى السلطة اللبنانية مع الوجود الفلسطيني في لبنان، من خلال زاوية أمنية بحتة، ولا تتذكر المخيمات واللاجئين إلا بعد الأحداث الأمنية.
2- لا رؤية سياسية لبنانية للتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين، ولا رؤية إنسانية اجتماعية للتعامل مع قضاياهم الملحّة؛ فالدولة اللبنانية لا تقدّم للاجئين الفلسطينيين سوى الماء والهواء والكهرباء.
3- تمنع القوانين اللبنانية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من حق العمل والتملك وتأسيس النقابات والانتساب إليها، وبالتالي نتيجةً لهذه السياسة، تحوّل مجتمع اللاجئين إلى مجتمع مطلوب أمنياً وخارج عن القانون.
4- تفرض الدولة اللبنانية إجراءات أمنية مشددة (طوق عسكري خانق) على ستة من أصل اثني عشر مخيماً، وتمنع الدخول والخروج إلا بإجراءات وتدابير أمنية.
5- يمارس عدد من السياسيين والأمنيين اللبنانيين سياسة الانتقام من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، على خلفية اتهامهم بالتسبب بالحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975 واستمرت لعام 1990. ويحمّلونهم مسؤولية الكوارث السياسية والأمنية والاجتماعية التي لحقت باللبنانيين، كما ويحمّلونهم مسؤولية الحرب التي اندلعت في مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام، مع العلم بأن أهالي المخيم ليس لهم أي علاقة بالموضوع، ولم ينضم فلسطينيون إليهم، ولم يقاتلوا معهم.
ولا تزال هناك قوى سياسية لبنانية وشخصيات سياسية وأمنية وعسكرية تحاول دائماً إظهار المعركة بين فتح الإسلام والجيش اللبناني على أنها معركة بين الجيش اللبناني والفلسطينيين، وهناك في مؤسسات رسمية لبنانية من يتعامل بهذه الطريقة من دون أن يجاهر بها، ويستخدم سياسة الثأر والانتقام.
حراك من أجل الكرامة
تأخر أهالي مخيم نهر البارد في إطلاق هذا الحراك الجماهيري لدرجة كاد البعض أن يعتقد أن الأهالي تأقلموا مع المشاكل والإجراءات الأمنية والمستوى الاجتماعي السيئ.
تأخر الأهالي في إطلاق هذا الحراك الكبير، لكن التحركات الشعبية الأخرى على كل المستويات كانت متواصلة، فالاعتصامات والبيانات واللقاءات الشعبية كانت تنظم دائماً، ومنذ عامين نظم الأهالي تجمعاً كبيراً في وسط العاصمة اللبنانية.
لكن هذه التحركات لم تلق آذاناً صاغية عند المسؤولين اللبنانيين الذين عملوا على استنزاف التحركات وتنفيس المطالب، ولم يحترموا مشاعر الأهالي، وظنوا أن القمع هو المخرج الوحيد، إلى أن حصل هذا الحراك الشعبي الذي يرجع إلى الأسباب الآتية:
1- استمرار الطوق العسكري حول المخيم: حواجز على المداخل، تفتيش، دوريات عسكرية دائمة داخل المخيم...
2- الاحتكاك المباشر بين جنود الجيش اللبناني والمدنيين الفلسطينيين، من خلال التفتيش والتدقيق ومراقبة الأهالي وتفتيش النساء والرجال.
3- استمرار العمل بنظام التصاريح، أي إنه يمنع على الرجال الدخول إلى المخيم إلا بعد حصولهم على أذونات من مخابرات الجيش.
4- بطء الإعمار في المخيم، حيث إنه من أصل ثماني رزم لم تسلم إلا رزمة واحدة، وقاربت الأموال المرصودة على الانتهاء، ولا خطوات عملية للحكومة اللبنانية أو للأونروا لجمع التبرعات.
5- الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأهالي، من خلال منع العمل، واستقدام عمال من الخارج للعمل في الإعمار، والتشدد في دخول اللبنانيين إلى المخيم، وخاصة أن المخيم يشتهر بالعمل الزراعي والتبادل التجاري.
6- انتشار الآفات الاجتماعية في المخيم بنحو منظم.
7- عدم السماح بترميم عدد من المباني، ما يبقي مئات العائلات في أوضاع صعبة.
8- سيطرة الجيش على أراضٍ داخل المخيم يطالب بها الأهالي لاستخدامها مقبرة لدفن الموتى، بعدما لم تعد المقابر القديمة قادرة على استيعاب الموتى.
9- المعاناة الدائمة للأهالي بسبب ضعف التعليم والرعاية الصحية وتردي الوضع البيئي.
لهذه الأسباب وأسباب أخرى، جاء الحراك الشعبي من أجل الكرامة والدفاع عن الحقوق المدنية والإنسانية. وميزة هذا الحراك أنه نابع من العقل والقلب وغير موجَّه ويوحِّد أبناء المخيم حوله على مطالب عادلة.
تحركات سياسية
من ضمن الحراك الشعبي الجماهيري في المخيم، نظم الأهالي خيمة اعتصام دائمة كانت تغص بالشباب، وأصبحت الخيمة خلية عمل تستقبل الزائرين والضيوف المتضامنين، وتنظم أنشطة ثقافية وفنية وسياسية.
وفي موازاة هذا الحراك، قامت القوى السياسية الفلسطينية بمجموعة من الزيارات والاتصالات السياسية شملت رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، ومسؤول مخابرات الجيش العميد إدمون فاضل ونائبه، وعدداً من الوزراء والنواب وقادة الأحزاب السياسية وقيادات في منطقة الشمال.
وعرضت القوى الفلسطينية المطالب الشعبية وتلخصت بالآتي:
1- إزالة الطوق العسكري عن المخيم.
2- إلغاء العمل بنظام التصاريح.
3- تسريع عملية الإعمار.
4- إبعاد الجيش عن الاحتكاك اليومي بالأهالي.
5- إطلاق سراح الموقوفين على خلفية الأحداث الأخيرة.
6- فتح المخيم أمام الحركة التجارية.
وأصرّت القوى السياسية الفلسطينية على أن مطالب أهالي المخيم هي مطالب مدنية إنسانية عادلة، ليست لها علاقة بالاشتباك السياسي الحاصل في لبنان بين القوى المختلفة، وليست لها علاقة بالأحداث الأخيرة في منطقة عكار، كذلك ليست لها علاقة بالتوتر السياسي الناجم عن الأزمة السورية، أو تداعياتها على لبنان، في ظل الانقسام السياسي اللبناني الحاصل.
وسمع الفلسطينيون كلاماً إيجابياً من رئيس الحكومة وقيادة الجيش، غير أن وعودهما لم تنفذ في الوقت المناسب، وهذا ما أعاد حالة القلق إلى الأهالي.
سقوط النموذج
سعت الحكومات اللبنانية إلى اعتبار مخيم نهر البارد نموذجاً للعلاقة الفلسطينية اللبنانية، وذلك من خلال ادعائها أن هذا المخيم سيعامل بطريقة حديثة في الإعمار والأمن والحقوق والحالة الإنسانية.
لكن بعد خمس سنوات ثبت أن نظرية الحكومات اللبنانية المتلاحقة فاشلة وعديمة الجدوى، فالحصار يحكم المخيم والعمل ممنوع والإجراءات الأمنية مشددة، والإعمار متوقف، والأهالي في المخيم انتفضوا على الذل والمهانة، وانضمت إليهم مخيمات أخرى.
وبالتالي، لا مجال إلا للتعامل مع المخيم من خلال رؤية إنسانية مدنية سياسية بعدما ثبت فشل الخيار الأمني.
ولعل لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني مع رئيسها الجديد د. خلدون الشريف تنجح في ذلك.
المصدر: رأفت مرّة – مجلة العودة العدد التاسع والخمسون