مذبحة التاريخ في صبرا وشاتيلا
فاديا الحاج طفلة 18 ايلول تشارك في أحياء الذكرى
بقلم: عبير نوف
مجزرة وألف مجزرة تقع بحق الشعب الفلسطيني الذي ترك وطنه عام 1948 كي يعود اليه بعد ايّام معدودة، لكن دائما المعادلة تنقلب بفضل الحكومات العربية وتقلب موازين القوى فتكون النتائج مجازر وقتل وتشرّيد فلا ننسى تلّ الزعتر وصبرا وشاتيلا مسرح القتلى الفلسطينيين بكواليسه الظلماء، لم تبصر النور حتى يومنا هذا.
ثلاثة أيام من أيلول 16 و17و18من عام 1982 تستحقّ ان تسجّل من الملاحم الأسطوريّة الدموية الحاضرة في عيون من يحدّثك عن هول ما شاهد من قتل عشوائي وأجرامي بأدوات الجزّارين من بلطات وسنجات وسلاح غشيم.
مليشيا حزب الكتائب والصهاينة بإدارة وزير الدفاع الإسرائيلي أريئيل شارون ورئيس هيئة الأركان العامة الجنرال ارفائيل ايتان خططوا، واتفاقية فيليب حبيب الصادرة فلسطينية وفق 20 تموز1982 والتي تنص على خروج المقاتلين الفلسطينيين اي منظمة التحرير وفق برنامج زمني محدد ساهمت في اضعاف الشعب الفلسطيني وجعلهم لقمة سهلة في افواه الأعداء.
فبالرغم من التزام الرئيس أبو عماّر بتلك الاتفاقية ورحيل آخر مجموعة في الأول من ايلول 1982 وذلك لحماية لبنان والمحافظة على استقلاله وعدم التدخّل الأجنبي به الاّ أنّ المتواطئين والأمم المتحدة خالفت بنود الاتفاقية والتي تنص على منح الضمانات المناسبة لسلامة الفلسطينيين.
والسؤال للجميع متى التزم الصهاينة باتفاقيات أو معاهدات؟
وهل تاريخهم الدّموي يدلّ على مصداقيّتهم والتزامهم بالمعاهدات؟
وما هي الأسباب التي افتعلها الصهاينة لتكون ذريعة للقضاء على الفلسطينيين؟
قبل أن نتحدّث عن اسباب وفق ما جاء في بعض الكتب لمحمود عبدالله كلّم وبيان نويهض الحوت وتوثيق الذاكرة في مقابلة مع فاديا الحاج لا بد ان نتحدّث عن موقع مخيّم صبرا وشاتيلا وعن موقعه.
الموقع والسكّان:
هناك في وسط العاصمة التاريخيّة عاصمة الموت في مدينة بيروت اللّبنانيّة يقع مخيّم شاتيلا شرقي المدينة الرياضيّة، سمّي بهذا الاسم نسبة الى وكيله سعد الدين باشا شاتيلا.
لجأ اليه الشعب الفلسطيني بعد أن أسّسه عبد ابو كمال عام 1949في جوّ من الفقر والبؤس والحرمان.
بلغت مساحته 39،567 م2 الممتدة من مدرسة اريحا موازاة حي فرحات شرقا، ومن مدرسة أريحا حتّى سينما الشرق شمالا والحي العربي والمدينة الرياضيّة غربا، وشارع صبري حمادة والحرش جنوبا.
عام 1969 م اتسعت مساحته بدءاً من السفارة الكويتيّة الى قصر صبري حمادة طريق المطار، لتشمل مناطق صبرا الداعوق والدنا الى المدينة الرياضيّة ومنطقة الحرش وحي عرسان.
كغيره من المخيّمات استأجرته وكالات الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاّجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى " الأونروا" لمدة 99 عاما وقسما أخرا منه ملكٌ لمنظمة التحرير الفلسطينيّة.
عدد سكانه عام 2001 17بلغ الف نسمة الفلسطينيون 45% واللّبنانيون 37% والباقي من السوريين وغيرهم من جنسيات أخرى.
الأحداث المتتالية لأفتعال مجزرة صبرا وشاتيلا:
الثلاثة أحداث الّتي تتالت كانت واضحة كل الوضوح لنية المتواطئين والصهاينة لتفجير حقدهم العنصري في مخيّم الشتات شاتيلا.
5\9\1972: عملية كفربرعم وأقرث المعروفة بعملية ميونخ والّذي نفّذها عدد من الأبطال من نادي الكرمل الرياضي لكرة القدم، خمسة منهم من سكان مخيم شاتيلا. في ذلك اليوم كان الرياضيون الصهاينة في مقر البعثة الإسرائيلية في مدينة الألعاب الأولمبية ميونخ حيث اقتحم المناضلون مقر الوفد وأجبروهم على التجمّع داخل غرفة وقتلوا من حاول الهرب وكانت الحصيلة 11 قتيلا، ثمّ صرّحوا في بيان أذاعته المنظمة بأفراج السلطات الصهيونيّة عن مئتين معتقل في سجونها ومن بينهم المناضل الياباني كوزوموتو بطل عملية الّلد الثانية (3\5\1972) وعدد من السوريين وضابط لبناني الاّ أنّ حكومة المانيا الغربية هاجمت الفدائيين فقتلت خمسة منهم والمناضلون الثلاثة ثمّ سجنهم في السجون الألمانيّة.
على أثرها بدأت الاغتيالات من قِبل الصهاينة.
10\4\1973 اغتال الصهاينة القادة الفلسطينيين الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان ومحمد يوسف النجّار في فردان بيروت.
11 \3\1978 ردّا على الأغتيال قامت الشهيدة دلال المغربي بعملية تسمى( الشهيد كمال عدوان) وهي من سكّان صبرا – مخيّم الداعوق.
22\11\1979 اغتال الصهاينة علي حسن سلامة (ابو حسن) وأربعة من مقاوميه في اعتراض موكبه بسيارة مفخّخة في بيروت.
3 حزيران 1982 محاولة اغتيال سفير الكيان الصهيوني في لندن شلومو أرغوفامام فندق دورتشنزوقد اتهم الصهاينة منظمة التحرير الفلسطينية في عملية اغتياله، والمنظّمة نفت الاتهام. وعلى اثره كانت حجة الصهاينة للدخول الى لبنان في تاريخ 6\6\1982 أي بعد ثلاثة أيام وخلال هذه الفترة كان الصهاينة على اتصال مباشر بالقوات اللّبنانية الكتائب حيث ارسلت الأخيرة بعض من رجالها للتدرب على أساليب القتل فوق الأراضي الفلسطينيّة وهذا يدلّ على تخطيطها الجهنّمي لمثل هذه المذابح ولكي تنجح في تسديد مرماها خطّطت لاغتيال الرئيس بشير الجميّل يوم الثلاثاء في 14 أيلول 1982 أثر انفجار مروّع في مقر القوّات اللّبنانيّة بحي الأشرفية في بيروت الشرقيّة أدّى الى مقتله على الفور بالإضافة الى 21 شخصا أخرين وإصابة 59 بجروح.
نجح الصهاينة بمخططهم فبعد أن انسحب المقاتلون الفلسطينيون "منظمة التحرير الفلسطينية" في لبنان بالإضافة الى القوات المتعدّدة الجنسيات / الأمريكية والإيطالية والفرنسيّة بعد أن أشرفت على مهمّتها. لم يكفّ الصهاينة عن الاعتداء بل زحف وجهّز وخطّط ليحكم الطوق على العاصمة اللبنانيّة ومحاصرة صبرا وشاتيلا بحجّة انّ هناك ما زال 2500 مقاتل فلسطيني داخل المخيّم.
بدأت المجزرة التي شملت منطقة شاتيلا بكل احيائها القسم المحاذي لصبرا المحاذي لمنطقة شاتيلا كما شملت جزءا من منطقة بئر حسن.
طفلة التسع سنوات تتحدّث بعد ثلاثين عاما حول ما شاهدت في المجزرة.
فادية الحاج من بلدة الغابسيّة تلك الطفلة التي كانت تبلغ من العمر التسع سنوات حين وقوع المجزرة.
حدّثتني في طريقنا الى البيت في 18 أيلول 2012حين عودتنا من أحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، ووضع الأكاليل على أضرحة الشهداء برفقة جمعية كي لا ننسى الإيطالية، قالت "رأيت ما لا تراه عين بشر رأيت الجثث أمام ناظري حين قالت لنا أمي الحاجة أم صالح يجب أن نخرج من البيت والاّ سيأتي الصهاينة والكتائب ويقتلونا خرجت من البيت وأذ ارى مذبحة امامي قرب المستديرة، فأخذت أمرّ من فوق الجثث قتلوهم بالبلطات، مناظر تقشعرّ لها الأبدان وتبكي الحجر. وتابعت بقولها أذكر اخي الصغير الذي لم يتجاوز عامان حين كان على ذراع أمي وهي تمرّ من فوق الجثث، وضع يده على عينيه وبقيت أربعة ايام متواصلة وعندما نقول له انزع كفك عن عينيك يصرخ ويبكي لا اريد اخاف ان يذبحونني."
وصفت فاديا كيف انتقلت من البيت الى ملجأ فتح حيث ظنّوا أهلها بأنّه المكان الآمن لكن جاء رجل وقال لهم لا تبقوا هنا لأنّهم يقتحمون كلّ مكان كان لمنظمة التحرير ويقتلون من به، لذا تركوا الملجأ. قالت " ذهبنا الى بناية بالجوار وقضينا ليلتنا ونحن جالسون في مدخل البناية، وفي الصباح خرجت امرأة لبنانيّة وقالت ماذا تفعلون هنا ومن انتم ؟ اجابتها نحن هاربون لأنهم يقتلون الفلسطينيين، فصرخت بنا ارحلوا من هنا بسرعة ولا تعودوا الى هنا ثانية، فتوجهنا حينها نحو الكولا ومن هناك رحلنا الى نخيّم نهر البارد ولن نعود ثانية للسكن في صبرا".
وتابعت قائلة "بهذه الحرب فقدت خالتي فاطمة حمادة ولن نعرف عنها شيئا"...وعند سؤالي هل فرح اهلك بخروج الفدائيين من لبنان ؟ قالت حزن اهلي كثيرا تخوّفا من المستقبل الغامض. تلك الأيام لن انساها واليوم تجسّد امام ناظري ذاك المشهد الدموي، وشعرت بالخوف والرعب من حرب عمياء وكلّما مرّت حرب على لبنان اشعر كأني سوف أُقتل انا وأطفالي لما حصل في صبرا وشاتيلا لدرجة أني اصبحت أتناول بعض الحبوب المهدّئة، والأن اعاني من مرض في القلب واجريت لي عملية القلب المفتوح".
الصورة تجمع والذكريات واحدة والأحداث تتكرّر دون عقاب، وآلاف القتلى قضوا ضحيّة الخونة والمعتدين الصهاينة حيث قدّر الكاتب الأمريكي رالف شونمان في شهادتة امام لجنة اوسلو قال نقلا عن مسؤولين في الصليب الأحمر نحن دفنّا 3000 ضحيّة ولا يشمل العدد اولئك الّذين تحت الأنقاض ولا الّذين قضت عليهم الجرّافات تحت الأنقاضٍ، لكن التقديرات يتراوح العدد بين 4000 و4500 ضحيّة.
مضى ثلاثون عاما على المجزرة وحتى الحين لم يحاسب المجرمون ولم يعوّض اهالي الضحايا، فالصمت قائم رغم المؤسسات الحقوقيّة ورغم الجمعيّات الأجنبية التي نقلت وما زالت تنقل احداث المجزرة في كافة بقاع الأرض، لكن السؤال الى متى وفي كل حين وكل حرب تقع على الأراضي العربيّة تتكرر نكبة الفلسطينيين بحيث لم يجدوا سوى الشتات طريقهم لأنهم سلبوا وطنهم الأم فلسطين في ظل صمت عربي دامس يقطن قلوب الحكام العرب ومؤامراتهم تفضح نواياهم.