القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

مشروع إعلان «دولة فلسطين» في عيون شباب مخيماتها

مشروع إعلان «دولة فلسطين» في عيون شباب مخيماتها

الأربعاء، 14 أيلول، 2011

لم يتوقف الرجل الخمسيني عن الابتسام. كان يفعل ذلك كلما عاد وانطلق في حديثه. لم تكن حاله كحال الرجل الجالس قبالته أمام الدكان عند مدخل مخيم مار الياس في بيروت، والذي كان يستمع إليه وإمارات الملل بادية على وجهه. يومئ له برأسه ما إن يكرر ذاك: «لم أنم ليل البارحة. لقد فعلها المصريون. اقتحموا سفارة اليهود والسفير هرب. إن شاء الله كامب دايفيد باي باي. الوضع عم يتغيّر يا زلمي. عم يتغيّر!»، يقول مفعماً بالأمل. لكنه لم يأت على ذكر مشروع إعلان الدولة الفلسطينية في أواخر أيلول الجاري. ربما في ذلك شيء من سأم جيله من كل ما يذكّر بالمفاوضات والمجتمع الدولي. فهل ينسحب ذلك على الأجيال اللاحقة من شباب المخيمات الفلسطينية في لبنان؟

مع وضدّ

«لا خيار بديلا عن قيام الدولة الفلسطينية»، يقول محمد عربيد (مخيم مار الياس) ثم يضيف: «في إعلان الدولة تتم إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية ومن ثم حضورها على المستويين الإنساني والدولي». يرى محمد في محاولة الإعلان عن الدولة «فرصة لحماية الحقوق الفلسطينية ومنها حق العودة. إذ إن قيام الولايات المتحدة بوضع فيتو على القرار سيخلق واقعاً جديداً على الساحة الفلسطينية من بين نتائجه انهيار السلطة الفلسطينية عبر وقف كل أشكال الدعم الذي تحصل عليه اليوم، وعندها سيبحث الشعب الفلسطيني عن بديل، لن يكون أقله قيام انتفاضة ثالثة».

لا تعتقد رشا (مخيم عين الحلوة) أن هناك جهوداً حقيقية، ولكن «قرارا سياسيا سيطبق حسب مصالح الأطراف المستفيدة (السلطة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية) ومن يحيط بهما». أما خالد (مخيم مار الياس) فيعتبر قيام الدولة مفيدا «لأنه يذكر العالم بقضيتنا، لكنه سيهيئ لجهة الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني وأنا ضد الاعتراف بإسرائيل».

«أنا ضد إعلان الدولة من الأساس»، تقول ميس ( مخيم البداوي) انطلاقاً من المنطق القائل بأن الفلسطينيين لن يستفيدوا كثيراً، «ذلك أن مصير فلسطينيي أراضي العام 1948 ما زال مجهولاً، فأنا من صفد وفي ظل الدولة التي ستنشأ لن استطيع العودة إلى قريتي!».

يشترك هاني وأحمد (مخيم برج البراجنة) إضافة إلى محمد مكية (مخيم مار الياس) في النظر إلى ما يحصل باعتباره عرضاً مسرحياً «فدولة ستقوم لا بد أن تكون على قياس مصلحة من يفاوض لأجلها. القصة ليست قصة قضية. القصة تجارية». يتفق هاني مع محمد الذي لا يبدي اندفاعاً لمشروع إعلان الدولة: «لأن الأمل شبه معدوم عند الكثيرين منّا والأهم منه وعي جيلنا الناقص بالقضية الفلسطينية».

«شيء أحسن من لا شيء!»

يختلف شباب المخيمات في ما بينهم على حدود وشكل الدولة التي يطمحون إليها. ينطلق بعضهم في مقاربته للموضوع من خلفية سياسية واضحة. أما البعض الآخر فيبني مواقفه على مزيج من الأمل والخوف. أمل بكسب ما تيسر من تراب فلسطين، وخوف من أن تغدو الدولة العتيدة بحدودها التي لا تتعدى عشرين في المئة، فلسطين النهائية.

يرى باسم (مخيم عين الحلوة) في دولة بحدود العام 1967 وعاصمتها القدس «خياراً مجمعا عليه من مختلف الأطياف الفلسطينية، وقد أثبت ذلك في أكثر من مناسبة لا سيما من خلال المشاركة بالانتخابات الأخيرة. من يؤيد الشعب الفلسطيني علية احترام هذا الخيار».

«ليست هذه الدولة التي نطمح إليها»، تقول منى (مخيم البداوي) بشكل قاطع. فهي تعارض قيام دولة «على حساب كل فلسطين». وكذلك الأمر بالنسبة للميس التي تعتقد أن «مطلق أي فلسطيني لن يوافق على هذا الواقع». أما محمد ق. (مخيم مار الياس) فلا يقبل بدولة في حدود العام 1967 إلا على قاعدة واضحة وصريحة: «قيام دولة بحدود العام 1967 على قاعدة استرداد كامل التراب الفلسطيني والقدس عاصمة نهائية لفلسطين، إضافة إلى الحق في تقرير المصير. ولا يحق لأي كان سواء في الداخل أو الشتات التفريط بهذه الثوابت».

تختلف النظرة قليلاً عند محمد مكية (مخيم مار الياس) ومراد ( عين الحلوة). فمحمد مثلاً يجد في دولة بحدود العام 1967 أو أكثر أمراً جيداً لان «شي أحسن من ولا شي»، أما مراد فيعتبر أن «الظروف الصعبة قد تجبرك أحيانا على قبول ما يتعارض وحلمك. أعلم أني أريد كل فلسطين وليس فقط دولة بحدود العام 1967 ولكن ماذا لو لم يتوفر غير هذا؟ عليّ القبول». أما مجد وإبراهيم (مخيم القاسمية) فلا يرضيان بغير «فلسطين كاملة».

«الأسى ما بينتسى»

يتفق جميع من قابلهم «شباب السفير» على استحالة التعايش مع الإسرائيليين، سواء أقامت دولة فلسطينية أم لم تقم لأن الكيان الإسرائيلي سيبقى بنظرهم احتلالاً. أما أسباب الرفض، فبعضها ينطلق من أساس تاريخي ومن الذاكرة الجماعية الفلسطينية والعربية المثقلة بالمجازر، في وقت تستند فيه الأسباب الأخرى إلى نظرة دينية بحتة!

يقول ابراهيم مثلاً إن «التعايش معهم (الإسرائيليين) مستحيل إلى يوم الدين. هكذا يقول لنا القرآن. لا تعايش وسلام مع اليهود إلى يوم الدين!». لا تحمل منى هذه النظرة. فهي تستند في رفضها التعايش مع الإسرائيليين إلى ما هو واقعي وليس بصفتهم يهوداً أو أعداء دينيين: «لا إمكانية للتعايش مع الصهاينة لسبب بسيط، إن حالنا معهم يصح فيها المثل القائل «الأسى ما بينتسى». ثم إن التعايش صعب جدا مع أناس لا يعترفون بوجودك ويرتكبون فيك المذابح. لا أعتقد أني، في حال عدت إلى فلسطين، سأكون قادرة على احتمال رؤية عدوي يذلني كلما سنحت له الفرصة بذلك!».

لا يتوقع محمد عربيد أن تتبدل الأوضاع كثيراً حتى لو قامت دولة «فإسرائيل التي لم تتورع عن ارتكاب الفظاعات بحق الشعب الفلسطيني لن تصبح فجأة دولة يتمتع رؤوسها بحس إنساني رفيع». لكنه يرى فيه «فرصة لتثبيت حق المقاومة الشرعية في الدفاع عن الدولة الفلسطينية أي مقاومة محمية من الشرعية الدولية كون الدولة ستكون معترفا بها دولياً»، يشرح.

حق العودة: خطّ أحمر

دولة ديموقراطية حاضنة لجميع مكونات المجتمع الفلسطيني هي ما يتمناه معظم الشباب. لكن هل تجري الرياح بما يشتهي هؤلاء؟ ألا يحق لمن شرع في التفاوض منذ زمن أن يمسك بالسلطة؟ أي أن تشكل «منظمة التحرير الفلسطينية» أساس الدولة؟

تعتقد منى أن حركة «فتح» ستكون ممسكة بزمام السلطة «لأن لا أحد غيرها فاوض ويفاوض». لا تقف مناقشة الموضوع عند هذا الحدّ. فأهل الشتات بحسبها «لم يؤخذ برأيهم ولا مرة منذ بدء المفاوضات وهذا يعني أنه من البداية لا توجد ديموقراطية. فالأساس غلط». قبل أن تختم: «إعلان الدولة أشبه بمسرحية عملها رئيس السلطة للحصول على مكاسب».

يحيلنا هذا الاحتمال إلى توقع اقتتال فلسطيني فلسطيني. ما الحلّ إذاً؟ تقول رشا: «نحن بحاجة لفرق سياسية مختلفة، جديدة، شبابية تحمل أفكارا ممكنة التطبيق وفيها آفاق بعيدة المدى. نحن بحاجة لدولة فلسطينية تتوحد على دراسة وضعها مع إسرائيل (أراضي 67 أو أراضي 48) وتسعى إلى تطبيق ما نريد».

رغم صعوبة طرح رشا يبقى الحل الأنجع برأي محمد عربيد «دولة ديموقراطية تحتضن كل مكونات المجتمع الفلسطيني ومنهم اللاجئون بعد إجراء انتخابات تحت شعار «شركاء في الدم شركاء في القرار».

لا تنازل عن حق العودة. هذا ما يفصح عنه الشباب صراحة. «لا يحق لأي أحد أن يشطب حقنا بالعودة. نحن من يقرر ذلك والشاهد على وجودنا المؤقت في لبنان مسيرة العودة في 15 أيار الماضي» يقول محمد ق.

حتى إن مشروع الدولة لن يسمحوا له أن يكون على حساب حرمانهم العودة إلى أرضهم. توضح ميس: «أهالي مخيم البداوي معارضون في أكثريتهم لهذا المشروع لان وضع اللاجئين فيه غير واضح وهو ما يثير الريبة». ورغم أن القرار الدولي رقم 194 كفل للاجئين حق عودتهم إلى ديارهم فإن شيئاً من هذا لم يحدث. فخالد يتوقع أن يصبح أجنبياً في لبنان في حال سقط حق العودة، وبالتالي سيكون وأهله «أقرب إلى الخارجين على القانون». والفلسطينيون المحرومون من أبسط وسائل العيش في لبنان، يعرفون الاستثناء. استثناء قبول بعضهم بالتوطين ولكن ليس في لبنان... « قد افعل ذلك في إحدى الدول الأوروبية»، يختم إبراهيم.

اللاجئون في لبنان.. و«الدولة»

المسألة مبهمة، هذا ما يمكن استنتاجه من كلام المحامي الدكتور صلاح دباغ ورئيس لجنة حقوق الإنسان الفلسطيني سهيل الناطور، حول الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين في لبنان، في حال إعلان الدولة الفلسطينية. فدباغ يرى أن الموضوع يتوقف على الشكل الذي سيُقدم فيه مشروع الدولة الفلسطينية. «إذا كان على أساس حدود 67 فهذا يعني ضمنيّاً إلغاء منظمة التحرير الفلسطينية. الموضوع شائك. لا وجود لرؤية إستراتيجية. حتى لو قامت الدولة الفلسطينية فإن اللاجئين في لبنان لن يتغير واقعهم القانوني إلا في حال واحدة: أن يتحولوا إلى رعايا بعد اعتراف لبنان بالدولة الفلسطينية. وعندها سيحق للفلسطيني التملك كأي مواطن من رعايا الدول الأخرى مثلا. فهل سيسمح لبنان للفلسطينيين بالتملك؟ المسألة حساسة جداً».

ويرى دباغ في مشروع إعلان الدولة الفلسطينية مخاطر أكثر مما يرى من فوائد. فالدولة التي ستقوم «ليست قابلة فعلياً للحياة. ستكون دولة هزيلة».

أما سهيل الناطور فيقول إنه وفي حال إعلان الدولة فإن «على المجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان) أن يقدم رؤية صريحة حول الهيكل التمثيلي للاجئين»، مضيفاً «أن اللاجئين وحق العودة محميان بالقرار الدولي 194 الذي يكفل لأي إنسان من أي جنسية أو دين كان العودة إلى منزله في فلسطين. وعليه فإن الوضع القانوني للاجئين سيبقى على ما هو عليه حتى مع إعلان الدولة». ويشير الناطور إلى أن «الفارق النوعي الذي سيحدث لو أعلنت الدولة الفلسطينية هو تطمين اللبنانيين أن لا توطين. وأن الدولة المزمع إعلانها ستكون مقدمة لاستقطاب الدعم الدولي لمشروع تحرير كامل الأرض الفلسطينية».

المصدر: علي السقا - جريدة السفير