منظمة التحرير «تُضَبضب» الخلاف مع المفتي
السبت، 18 حزيران، 2011
انتقلت الأزمة بين مفتي الجمهورية والفصائل الفلسطينية من الصالونات إلى الشارع امس. لكن القيادات الفلسطينية سرعان ما احتوتها، على ان يصار إلى «ضبضبتها» ابتداءً من اليوم. فالوفد الفلسطيني الذي تعرض لـ«الإهانة» من المفتي الشيخ محمد رشيد قباني يوم السبت الماضي، سيلتقي النائبة بهية الحريري في منزلها في صيدا. وسيعرض الوفد للحريري تفاصيل ما جرى خلال لقائه قباني، عندما قال الأخير لهم «لا نريدكم ضيوفاً». ويأمل المعنيون أن تؤتي هذه الزيارة اكلها، فتُحل الازمة التي توصي سلطة رام الله بالعمل على إنهائها.
وتطبيقاً لهذه التوجهات، اجرى مسؤولو الفصائل في مخيم شاتيلا ليل الجمعة الماضي اتصالات لمنع خروج تظاهرات ضد المفتي، خصوصاً من «تجمع الداعوق»، حيث العقار المختلف عليه بين سكانه الفلسطينيين ودار الفتوى. وقرر أبناء «الداعوق» الاجتماع اليوم لإصدار «توضيح حول العقار المختلف عليه، وكيف أن عمر الداعوق قد جعلها وقفاً لتكون ملجأ للفلسطينيين لحين عودتهم»، على حد قول أحد أبناء التجمع. أما في مخيم برج البراجنة، فلم يلتزم أئمة المساجد بقرار السلطة الفلسطينية في رام الله. هناك كان أغلب اللاجئين يسيرون باتجاه واحد، نحو المسجد الواقع في مجمع الفرقان، عند المدخل الرئيسي للمخيم. دَخَل المصلّون الى قاعة المسجد. اعتلى الشيخ عبد السلام المنبر. الرجل لن يكمل الحلقة الثانية من الخطبة التي كان قد ألقاها الاسبوع الماضي، إذ «وقع امر طارئ سيجبرنا على قطع هذه الخطبة». والطارئ «هو ما جرى بين وفد فلسطيني ومفتي الجمهورية اللبنانية»، يقول الخطيب. النسبة الاكبر من ابناء المخيم مطلعة على ما جرى. فشباب المخيم تولوا مهمة توزيع نسخ عن التقرير الذي رفع الى السلطة الفلسطينية، والذي ورد فيه ما قاله قباني للوفد حينها. الشيخ عبد السلام انتقد المفتي قائلاً ان «العرب كانوا يستقبلون اعداءهم، فكيف تقول لإخوتك في الاسلام إنك لم تعد تريدهم ضيوفاً». أنهى الشيخ خطبته بالقول: «لا ينبغي ان نهتم بما قيل، ولا ان نختلف مع الرجل، فهذا سيكون من مصلحة العدو الصهيوني»، يقول الشيخ.
خرج المصلون من الجامع. شتموا المفتي، ولم يسلم الشيخ عبد السلام من انتقاداتهم «لأنه كان مسالماً في خطبته» على حد قولهم.
لكن يوم أمس انتهى على سلام، إذ لم ينفذ بعض الفلسطينيين ما كانوا يتوعدون به، كالتظاهر أمام المسجد الذي يصلي فيه قباني. واليوم، من المنتظر أن يصدر بيان عن منظمة التحرير الفلسطينية تُعلن فيه انتهاء الاشكال مع المفتي. وتدور في أروقة السفارة الفلسطينية رواية مفادها أن المنظمة «ستأخذ النية الحسنة من مبادرة المفتي بنفيه الحديث الذي نقل عن لسانه، لأن ذلك يعد تراجعاً عما قد قاله سابقاً»، بحسب أحد المسؤولين البارزين في السفارة مضيفاً: «نحن نستغرب ما نقل عن لسان المفتي، وهو لا يليق بمقامه. اما عن صحته، فمن يعرف ذلك هم من في محيط المفتي الذين يعرفون طباع الرجل». نفي المفتي ما نُقل عن لسانه كان الخطوة الاولى نحو حلحلة الامور، اذ يذكر مسؤول فلسطيني آخر نقلاً عن رئيس جمعية المقاصد امين الداعوق انه اتصل «بنا مؤكداً ان «تجمع الداعوق» لن يجرف، على أن نتوقف عن تداول الموضوع اعلامياً». وكانت التوجيهات الرئاسية من رام الله تقضي بـ«عدم اتاحة المجال لاعادة التوتر وأن يحل الاشكال عبر القيادة السياسية وعدم التصريح لوسائل الاعلام، كما ساهمت زيارة نبيل شعث الى لبنان، بحصر الامور بيد القيادة السياسية»، يقول احد قادة حركة فتح في بيروت. والقيادة السياسية المعنية في لبنان تتمثل بأمين سر حركة فتح في لبنان فتحي ابو العردات، الذي يتواصل مباشرة مع رئيس السلطة محمود عباس.
أزمة منظمة التحرير الفلسطينية ودار الفتوى أعادت إحياء خلافات قائمة بين الطرفين، لكنها مكبوتة. ويعود الخلاف الأوّل إلى منع القانون اللبناني الفلسطينيَّ من تسجيل أملاكه العقارية باسمه، مما يمنعه من توريثها. وعندما يتوفى الفلسطيني الذي يملك عقارات في لبنان، تُصبح املاكه وقفاً. وبما ان معظم الفلسطينيين ينتمون إلى الطائفة السنّية، تعود إدارة هذا الوقف وملكيته إلى دار الفتوى. أما المشكلة الثانية، فهي املاك منظمة التحرير الفلسطينية التي «تمتلك اغلبها دار الفتوى لأن الثورة الفلسطينية في لبنان كانت تسجل تلك الاملاك باسم دار الفتوى»، يقول احد مسؤولي فتح.
هذا بالنسبة إلى منظمة التحرير. أما بالنسبة إلى تحالف القوى الفلسطينية المعارضة للمنظمة، فقد رفع بعض أعضائه سقف مطالبهم، من خلال القول إن «على القيادات اللبنانية أن تأخذ موقفاً واضحاً مما جرى، لأن المطلوب هو وجود مفتٍ يحفظ مقام دار الفتوى ويكون فعلاً مرجعية دينية لجميع المسلمين».
المصدر: جريدة الاخبار – قاسم س. قاسم