من الحرب في سورية إلى
الهمّ في نهر البارد.. نازحون ينتظرون
الفرج
خاص لاجئ نت/ أويس محمد/ نهر البارد
على الرغم من ثقل المصاب الذي حل بأبناء مخيم نهر
البارد واستمرار معاناتهم بعد خمس سنوات من انتهاء حرب مدمرةٍ لم يكن لهم فيها ناقة
ولا جمل، وعلى الرغم من عودتهم إلى محيط المخيم الذي أصبح يُعرف بالمخيم الجديد بعد
إعادة إعماره بجهود أهل المخيم فقط لا غير من دون مساعدة من الأونروا أو الفصائل أو
الدولة اللبنانية. هاهم اليوم يستقبلون اخواناً لهم تشابهت أسباب نزوحهم ولكن معاناتهم
أصعب بكثير. إانهم فلسطينيو سورية الذين زُجّ بهم أيضاً في حرب لا ناقة لهم فيها ولا
جمل.
وفتح البارد صدره لحوالى مائتي عائلة حسب بعض الإحصائيات
جلّهم من مخيم اليرموك وضواحيه. «وكأن القدر يعيد نفسه ولكن مع فلسطينيين آخرين»، تقول
الحاجة أم فتحي مفتتحة كلامها مع مراسل لاجئ نت. فالحاجة أم فتحي لديها ابنة متزوجة
من فلسطيني سوري يقيم في مخيم سبينة في ريف دمشق.
وقد نزحت هي وزوجها وأبناؤها الثلاثة، وهم اليوم
يقيمون معها في الكراج الذي كان يضيق بأم فتحي وزوجها المُسنّ، بالإضافة إلى اثنين
من أبنائها. ليصبح مجموع من يقيم في هذا الكراج تسعة أشخاص، تضيق بهم مساحته، وهي
عبارة عن 4×4 أمتار.
لا معيل لهاتين العائلتين إلا الله. أما الزوج فيعمل
دهان في طرابلس بأجرة 15000 ليرة (10$) باليوم، يصرف منها خمسة آلاف للمواصلات. وعند
إجراء المقابلة كان الرجل في العمل، لذلك لم نتمكن من مقابلته. وقد رفضت زوجته خديجة
أن تعطينا اسمه خوفاً على أهله في سورية.
تبدأ حكاية نزوح هذه العائلة كما تقول خديجة «عندما
قُصفت مطحنة مخيم سبينة، فقرر زوجي الخروج من المخيم والتوجه إلى مخيم اليرموك القريب.
وعند اشتداد الأزمة وبسبب سوء الأوضاع الأمنية قرر زوجي أن نأتي إلى لبنان».
تقول خديجة إن الإجراءات على الحدود اللبنانية السورية
(نقطة المصنع) كانت سهلة، وقالت بأن الله يسّرها معنا، أما عن الدخول إلى المخيم فقالت
إنها أيضا كانت ميسرة. وأشارت إلى أن زوجها سلّم هويته في سرايا حلبا، ودفع مبلغ مئة
ألف ليرة بدل إقامة أيام قليلة من العيد.
ولفتت خديجة إلى وضع زوجها النفسي، فهو الآن في
حيرة من أمره، هل يرجع إلى الشام على الرغم من خطورة الأوضاع هناك أم يبقى مذلولاً
في لبنان.
واشتكت من أن الفصائل والمؤسسات الأهلية والانروا
لم يتفاعلوا معها، وصلتهم فقط مساعدة الصليب الأحمر الدولي التي قامت اللجنة الشعبية
بتوزيعها، وذلك على الرغم من أن العائلة مسجلة لدى لوائح اللجنة الشعبية المعتمدة في
التوزيع عن الفصائل.
أما الحاجة أم توفيق ابنة
مخيم اليرموك، حيث عاشت منذ أكثر من عشرين عاماً فيه، يوم تزوجت وهي السادسة عشرة
من عمرها، وزُفّت إلى فلسطيني سوري من مخيم اليرموك. تقول إنه مع بداية الأزمة السورية
لم هناك أي شيء في المخيم، بل على العكس كانت الحياة طبيعية جداً.
بدأت الأوضاع بالتدهور
عندما وجدت خمس عشرة جثة لعناصر من جيش التحرير(الباص الذي فُقد في طريق مخيم
النيرب وعثر عليه لاحقاً). حيث خرجت مظاهرة في المخيم احتجاجاً على مقتل العناصر، ولكن
بدأت عملية إطلاق الرصاص على المظاهرة حيث قتل 10 أشخاص بينهم طفل.
بعد ذلك قرر أهل المخيم
كلهم تهدئة الأوضاع وعدم الخروج في مظاهرة أخرى لما في ذلك من مصلحة للمخيم. وبدأ الشباب
بجمع مساعدات للنازحين الوافدين إلى المخيم، وكانت هذه المساعدات تجمع من البيوت وبجهود
شخصية، كي تُقدم إلى النازحين.
وتقول أم توفيق إن عدد
سكان المخيم بالإضافة إلى النازحين أصبح بالملايين، وذلك قبل خروجي، حيث فُتحت القاعات
والأندية الرياضية ورياض الأطفال والصالات والمدارس لاستيعاب العدد الضخم من النازحين.
وتكمل أم توفيق قائلة:
بدأ القصف والضرب بجوار المخيم في حيّي التضامن والحجر الأسود. وأخذت الأوضاع
بالتدهور تدريجياً وسيطر فلتان الأمني على الوضع، حيث كانت تقتحم المخيم عصابات تعيث
الفساد فيه، وكان الأهالي يجابهونهم بالسكاكين والعصي، مردفةً أن السبب الرئيسي
لخروجها من المخيم هو خوفها على بناتها، ولم يكن أبداً السبب في الخروج هو الخوف
من الموت.
ويوم خروجها من المخيم،
كان قد مرّت على أهل المخيم ثلاث ليالٍ بدون نوم بسبب القصف على الأحياء المجاورة والتحليق
الكثيف للطيران فوق المخيم.
طريق النزوح
كان الخروج في أول شهر
رمضان المبارك، تقول أم توفيق، حيث كان الدخول إلى لبنان سهلاً (كان تختيم الجوازات
يتمّ بسرعة بسسب موجة النزوح الهائلة في حينه) ودخلت لبنان هي وأبنائها بجواز السفر
وليس الهوية حيث مُنحوا إقامة لمدة أسبوع. ثم تم تمديد مدة الإقامة إلى ثلاثة أشهر،
وقامت بدفع مبلغ 50000 ليرة عن كل فرد من العائلة. وقالت إن الدخول الى المخيم كان
سهلاً أيضاً، وهي الآن تقيم في إحدى الشقق.
وتجب الإشارة إلى أنها
عندما تهجرت كانت برفقة ثلاث عائلات، ولكن هذه العائلات لم تستطع تحمّل المعيشة في
لبنان فهاجروا إلى أوروبا، وبقيت هي وأبناؤها وحيدة، فزوجها رفض أن يصبح لاجئاً من
جديد وبقي في اليرموك.
الفلسطيني في لبنان
تقول إن المعيشة في
لبنان صعبة للغاية، ففي سورية كان الفلسطيني يتمتع بكل الحقوق التي يتمتع بها السوري،
وكان يشعر كأنه في وطنه.
أما في لبنان فان الفلسطيني
مهمش ويعاني من التمييز العنصري، «لم اشعر أني لاجئة إلا عندما دخلت لبنان، حيث عرفت
معنى كلمة لاجئ فلسطيني، واستغرب كيف يستطيع الفلسطيني العيش في لبنان في أوضاع صعبة
للغاية».
تبيّن لأم توفيق أن مصروف اليوم الواحد في لبنان يعادل مصروف خمسة
عشر يوماً في سورية، وذلك بسبب الغلاء الفاحش في لبنان. أما الخدمات التي قدمت لهم
كنازحين فالأنروا لم تقدم شيئاً لهم أبداً بحجة أنها لا تزال تدرس الوضع، اللهم إلا
خدمة الطبابة في العيادات، أما المدرسة التي فتحتها الوكالة لأبناء النازحين فقالت
إنها للترفيه فقط وليست حلاً وأن الأونروا وضعت شرطاً لتسجيل أبناء النازحين في المدارس
العادية، وهو أن تكون الأم من مواليد لبنان وهو الذي سمح لأبنائي بالتسجيل في المدارس
العادية، ولكن بعد جهد طويل.
تشعر أم توفيق بحالة الحصار
المفروضة على المخيم حتى وهي داخل بيتها، وأن صورة المخيم الجديدة «لم تدخل إلى عقلها»
حيث أن صورة المخيم القديم بحاراته وزواريبه هي المسيطرة على عقلها.
وبسبب الوضع النفسي
الضاغط، تقول، إنها تعرضت لانهيار عصبي في أول التهجير، فهي كانت تأتي إلى المخيم ضيفة
لأيام، أما اليوم فهي تأتي بصفة مهجرة أو نازحة ولا تدري هل تعود أم لا؟
وتؤلمها نظرة الناس إلى
النازحين او اللاجئين، فهم يستغربون أن يلبس النازح الثياب الجديدة، بل عليه أن يكون
دائما كالشحاذ وملابسه عفنة وسخة. وتقول إنها مستعدة للهجرة من لبنان فوراً، وأن السبب
الوحيد الذي ساعدها على البقاء في لبنان هو أخواتها وتونيسهم لها. وهي أيضاً مستعدة
للعودة إلى مخيم اليرموك ولكن ليس بهكذا أوضاع، فمخيم اليرموك قطعة من قلبي.
هذه حكاية عائلتين من أصل
أكثر من مئة عائلة لجأت إلى مخيم نهر البارد. حيث قررت هذه العائلات أن يصبح المخيم
المنكوب عنوان لجوئها الثاني بعد فلسطين، فلكل عائلة من هذه العائلات مئة حكاية ولكن
جلّهم يرفضون التحدث بسبب الخوف.
أما أوضاعهم، فهم لا يزالون
يفتحون أفواههم للهواء علّها تسكت جوعهم في ظل غياب الغذاء. وغياب الفصائل، والغياب
الاكبر للأنروا المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين في كل بلاد اللجوء.
تقول إحدى النساء النازحات
بأن جدتها ترفض رفضاً قاطعاً تصديق ما يجري في سورية الآن، بل تصرّ على أن الوضع آمن،
فهي أمضت أكثر من 63 سنة من عمرها في مخيم اليرموك، وفجأة كل شيء ضاع كأنه سراب. ببساطة
لم يعد موجوداً.