من اليرموك وشاتيلا
الأربعاء، 15 أيار، 2013
عند حاجز قوى المعارضة داخل مخيم اليرموك،
استباحت نظراته جسد ابنتها البالغة من العمر أربعاً وعشرين سنة.
اقترب منها وهمس في أذنها كلاماً لم تعد
تذكره، صرخت غادة وهي تدفعه لإبعاده عن ابنتها «قتلني قبل ما تعمل شي ببنتي». ارتبك
المسلح.
صاحت الأم بغضب «الحرب خطفت ابنتي وما بدي
شوف ابنتي الثانية عم تُغتصب أمام عيوني، اقتلني قبل».
لم ينظر إليها، اكتفى بتهديدهما إن حاولتا
المرور مرة أخرى، وسمح لهما بالعبور.
توفيت ابنتها الصغرى، وهي طالبة جامعية،
خلال أحداث ذكرى النكبة في أيار العام 2012.
تستحضر غادة الواقعة وهي تعضّ على شفتها
محاولةً كبت دموعها، ولا تفلح. «كانت بتحب الدراسة كتير»، تعبّر بعينيها المثقلتين
حزناً.
نزحت غادة إلى منزل شقيقتها في مخيم شاتيلا
قبل ستة أشهر. اضطرّت إلى المجيء لوحدها، تاركةً زوجها وابنتها لأنهما لا يملكان أوراقاً
ثبوتية. «زوجي كان فدائياً وفقدَ أوراقه بعد أحداث أيلول الأسود في الأردن»، تشرح.
تحتاج غادة إلى أدوية بشكل منتظم للقلب والضغط والسكريّ، وتلك لم تعد متوفرة في اليرموك
بعدما نُهبت المستشفيات والصيدليات.
حاولت زيارتهما أربع مرات منذ وصولها إلى
شاتيلا، لكنها لم تتمكن من رؤيتهما سوى مرتين. تفكر بهما باستمرار، ولا وسيلة لديها
للاطمئنان عليهما سوى عبر زيارة المخيم برغم المخاطر والكلفة المادية. الاتصالات مقطوعة.
لا كهرباء ولا ماء ولا خبز. تصف واقع المخيم منذ امتداد الصراع إليه.
«واقعين بين نارين»، تتحدث المرأة الخمسينية:
حواجز النظام وحواجز المعارضة. شهدت غادة كل أنواع الذل والإهانات. تتذكر ابن جارهم،
طفلٌ في الثانية عشرة، أوقفته قوات النظام وثبتته بكرسيّ عند الحاجز ليدلّ على مناصري
قوات المعارضة. وحين رفض الطفل القيام بمهمة المُخبر، بدأوا يطفئون السجائر في جسده
الطريّ.
عند الحاجز نفسه، خلال زيارتها الأخيرة قبل
نحو شهرين، سرقوا منها ربطات الخبز التي جاءت بها من بيروت إلى عائلتها في اليرموك.
يومها، استغرق عبور الحاجز نحو عشر ساعات. إن تجرأ أحد العابرين على الاعتراض، ينال
نصيبه من الضرب وربما الاعتقال. «إذلال وإهانة، هيك صار مخيم اليرموك»، تقول وهي تحمّل
مسؤولية ما آلت إليه الأمور إلى تورّط الفصائل الفلسطينية في النزاع الدائر.
لم ينته الأمر في مخيم اليرموك وحواجزه.
تعيش غادة لدى شقيقتها الأرملة في غرفة صغيرة،
إيجارها مئة وخمسين ألف ليرة شهرياً.
لمّا علمت صاحبة المنزل بأمر النازحة، قررت
أن تزيد قيمة الإيجار. لذلك، تضطر غادة لإمضاء النهارات في أزقة المخيم حتى وقت متأخر
من الليل كي لا تراها صاحبة المنزل، فتفرض على شقيقتها خمسين ألفا إضافية.
المصدر: السفير