نازحوا سوريا في شاتيلا ... حرمان واستنسابية في
الخدمات تزيد من ألم النزوح
الإثنين، 29 نيسان، 2013
محطة الرحاب أمامك، قف وانظر إلى جموع بشرية ذهاباً
وإيابا، بسطات لباعة من النساء والرجال قد أنهكتهم تصاريف الحياة ومشاقها، يعرضون عليها
بضائعهم الشعبية، واخرون يعرضون بضائعهم على الرصيف أو بعربات قديمة، إنها محلة صبرا
الملاصقة لمخيم شاتيلا في المكان والزمان
.
شاتيلا، انتبه انك في حزام البؤس البشري، في صبرا
وشاتيلا المنسية بأناسها، الذين يعيشون حياة بؤس وشقاء، لا يكاد أحد يذكرهم أو يتذكرهم
ليلملم جراحهم، فشاتيلا التي كتبت تاريخ أزقتها بدماء سكانها رجالاً ونساءً وشيوخاً
وأطفالاً.
يقع مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين جنوب غرب العاصمة
اللبنانية بيروت، والمخيم معروف بأنه المكان الذي حصلت فيه مذبحة صبرا وشاتيلا التي
نفذت بحق قاطنيه في أيلول/سبتمير 1982.
لشاتيلا اليوم حكاية جديدة، شخوصها أبناؤه من اللاجئين
الفلسطينيين وكذلك النازحين الفلسطينيين من مخيمات سوريا، وسوريون من مناطق سورية متعددة،
لجئوا جميعاً لأزقته طلباً للسلامة والأمن من الأحداث الدائرة هناك في سوريا توأم فلسطين
ولبنان.
وبحثاً عن كلمات تشرح المعاناة الحقيقية لقاطني
مخيم شاتيلا زارت شبكة الترتيب العربي الإخبارية المخيم، فكنا نتلمس طريقنا بين الأزقة
الداخلية للمخيم التي لا تبصر النور أو أشعة الشمس حتى في ساعات النهار، ننشد منزل
صديقنا أبو ميلاد للاستعانة به في جولتنا، للإطلاع على أحوال النازحين الفلسطينيين
من مخيمات سوريا، وكذلك السوريين والذين يعشون حياة صعبة جداً، وتكاد لا ترتقي لتسميتها
حياةً إنسانية، فالتقدميات من قبل المؤسسات والجمعيات لا تذكر وتكاد تكون معدومة واستنسابية
ومزاجية في كثير من الأحيان.
وطالب أبو ميلاد من خلال الترتيب العربي باحترام
كرامة الإنسان النازح وتقديم الحد الأدنى من المساعدات بما يحفظ كرامته وإنسانيته.
يؤكد النازح رياض عويص للترتيب العربي أنه لم يتلقى
أية مساعدات تذكر منذ وصوله إلى مخيم شاتيلا مطلع هذا الشهر سوى فرشتين وحرامين من
اللجنة الشعبية للمخيم.
و يقول عويص أنه ساعة وصوله إلى شاتيلا لم يجد مكاناً
يأوي إليه فاضطر للتنقل والمبيت عند الأقارب والأصحاب لعدة أيام، إلى أن وجد منزلاً
مؤلفاً من غرفة واحدة سكنها مع عائلته المكونة منه وزوجته وابنه المتزوج حديثاً، وبتنهيدة
عميقة حدد عويص مطالبه والتي تكاد تكون مطالب كافة النازحين من سوريا والمتمثلة بتأمين
مكان للسكن والإيواء وتوفير الطبابة والاستشفاء بما فيها تأمين الأدوية والعمليات الجراحية
والتحويلات إلى المستشفيات وكذلك انتظام المساعدات المادية والعينية من قبل" الأونروا"
والمؤسسات المدنية والإغاثية معرباً عن استياءه من سوء المعاملة وعدم ارتقاء دور المؤسسات
إلى حجم المشكلة.
و سأل عويص عن دور المجتمع الدولي ووكالة الأونروا
بشكل رئيسي تجاه النازحين الفلسطينيين القادمين من سوريا وعن دور منظمة التحرير الفلسطينية
تجاههم، لافتاً إلى احتياجات النازحين الكبيرة والعديدة التي لا تقتصرعلى كرتونة مساعدات
كل شهر أو شهرين.
وقد أشار عويص إلى الاستغلال الحاصل من قبل أصحاب
البيوت المستأجرة من قبل النازحين حيث ارتفعت الأجور بشكل جنوني ومقصود من 150 إلى
250 - 300 دولار في الشهر الواحد، بشكل يفضح اللاانسانية لبعض ضعاف النفوس في استغلال
أخيهم الإنسان بظل حاجته للمأوى الأمن.
و حول الاستشفاء والطبابة قال عويص: الأونروا مقصرة
في هذا المجال أيضاً فنحن نستفيد فقط من الاستشفاء في عيادات الأونروا دون تأمين الدواء
بشكل كامل مما يضطرنا لشراء الأدوية في كل الحالات المرضية حيث أنه وزوجته يعانون أمراضاً
مزمنة بحاجة لأدوية بشكل دوري.
وهنا تدخل ابنه ماهر قائلاً كل يوم أخرج من الصباح
حتى المساء باحثاً عن عمل دون جدوى، فالعمل بالنسبة لنا يحل جزءاً كبيراً من المشكلة
ولا بذلك لا نعول كثيراً على المؤسسات والجمعيات التي لأترقى بمعاملتها لنا إلى المستوى
الإنساني.
ثم تابعنا جولتنا على النازحين مع الناشط السياسي
والاجتماعي صالح شاتيلا حيث التقينا بعدد من النازحات من المخيمات الفلسطينية في سوريا
إلى شاتيلا فالتقين "ام اياد وام محمود وام احمد وام فايز واخريات" غالبيتهم
من مخيم اليرموك ومخيم السبينة اللواتي أكدن للترتيب العربي على مطالبهن والتي تتمثل
بالدرجة الأولى بتوفيرالسكن والإيواء فهذا هو الهاجس الأكبر لديهن، وقد أعربن عن استياءهن
من استغلال أصحاب البيوت لهذه الأزمة حيث قاموا برفع أجار المنازل عليهن وإلا طردن وعوائلهن خارج هذه المنازل.
و كذلك طالبن بتأمين الطبابة والإستشفاء والأدوية
والتحويلات للمستشفيات وإجراء العمليات الجراحية، كما طالبن بانتظام المساعدات العينية
المادية وان تكون بشكل شهري وليس كل 3 أو 4 شهور مرة وخاصة من قبل الأونروا فهي المسئولة
بالدرجة الأولى عن إغاثة وتشغيل الفلسطينيين أينما كانوا، فهذا في الحالات العادية
فكيف وأنهم اليوم في حالة نزوح قسري .
كما تساءلت النسوة عن دور منظمة التحرير الذي يبدو
خجولاً في تقديم المساعدات ولا يرقى لمستوى هول المشكلة
.
كما التقينا بعدد من النسوة والرجال السوريين النازحين
من مناطق مختلفة من سوريا والذين كانت مطالبهم لا تختلف كثيراً عن مطالب النازحين الفلسطينيين
وخاصة في مجال توفير المأوى والسكن والاستشفاء والطبابة وانتظام المساعدات التي تكاد
تذكر لقلتها وخاصة أن هذه العائلات السورية نزحوا إلى مخيم شاتيلا ومحيطه عقب الأحداث
الجارية في سوريا، حيث شكوا من التمييز في التعاطي معهم من قبل الجمعيات والمؤسسات
الفلسطينية داخل المخيم والعاملة في مجال إغاثة النازحين من سوريا، وكذلك شكوا من الجمعيات
اللبنانية والدولية الموجودة خارج المخيمات والتي توقفت عن تسجيلهم منذ مدة، وأكدوا
أيضاً على عدم تلقي المسجلين منهم لدى هذه المؤسسات أية مساعدات إلا مرة أو مرتين فقط.
وصبوا جميعاً جل غضبهم على مؤسسة تدعي عملها في
مجال المساعدات للنازحين السوريين في مخيم شاتيلا حيث أكدوا جميعاً للترتيب العربي
بأن هذه المؤسسة تقدم مساعداتها باستنسابية ومحسوبية بالغة، حيث وصلت اتهاماتهم للتشكيك
في صحة إحصاءات المؤسسة والتي لم يجد بعضهم بأن أسماءهم قد سجلت فيها رغم أنهم قاموا
بذلك فعلاً.
كما لم يخف النازحون من سوريا ألمهم لعدم التعامل
معهم بالمثل في العناية والاهتمام من قبل إخوانهم
اللبنانيين كما عاملوهم عندما تزحوا إلى سوريا في حرب تموز 2006، ولم تتردد النسوة
وحتى الرجال في ابداء الرغبة بالعودة إلى سوريا رغم المخاطر التي قد تهددهم نتيجة الأحداث
الجارية في بلدهم بسبب المعاملة اللاانسانية التي يعامل بها النازحين من سوريا .
و حمل النازحون السوريون المجتمع الدولي أولاً مسؤولية
إغاثتهم وتقديم كافة المستلزمات لهم لتمكينهم من الحياة بأمان وكرامة ثم للمجتمع المدني
الذي يقطنون فيه.
خرجنا من المخيم دون تصوير الأشخاص، بناءً لرغبتهم
وحفاظاً على كرامتهم، ولم نصور أماكن سكنهم كي لا يشعروا بالمذلة ونحن نفعل ذلك، هول
مأساتهم لن تصفها الصور ولا الكلمات، فقد خرجنا من شاتيلا ونحن نحمل في صدورنا غصة
وألماً لما رأيناه من هول الأزمة الناتجة عن نزوح إخواننا وأهلنا من سوريا، فهي دموع
لم تجف وألام لم تنتهي ولن تنتهي إلا بأن يشعر الإنسان بأن لأخيه الإنسان حق بالعيش
بأمان وكرامة.
المصدر: الترتيب العربي