نفايات الرشيدية: زحفاً زحفاً نحو البحر
الإثنين، 20 حزيران، 2011
لن يعود أمامنا سوى البحر، ما سينعكس سلباً على الموسم السياحي المقبل (الأخبار)كارثة بيئية كبيرة تهدد مخيم الرشيدية والجوار. فبعد إقفال مكب راس العين في صور، بات لزاماً على أهل المخيم تصريف نفاياتهم بأي طريقة. لكن «أين المفر؟» إذا كان المخيم يفتقر لأي مساحة حتى للسكن؟ يبقى البحر «من أمامهم» والنفايات من خلفهم، أما البلديات المجاورة فترفض التعاون
منذ أقل من أسبوعين تقريباً، كادت الاوضاع «تنفجر» في مخيم الرشيدية، ليس أمنياً أو سياسياً بل صحياً وبيئياً. إذ طفح كيل المستوعبات بأكياس النفايات، فتدلت منها واندلقت حولها في جميع أرجاء المخيم حاملة معها الى الروائح الكريهة المختمرة في «عين الشمس»، مختلف انواع الفيروسات والبكتيريا اضافة الى الحشرات المتنوعة والكلاب والقطط الشاردة. على مدى 13 يوماً تكومت النفايات أمام المنازل، وبمحاذاة تجمع المدارس في المخيم. لا بل إنها وصلت إلى مداخل المقبرة فيه، إذ توقف عمال «الأونروا» عن نقل النفايات بعدما أقفل المكب «المؤقت» في شمال المخيم الذي استحدث استثنائياً ريثما يصار إلى إيجاد البديل. فأزمة تصريف النفايات بدأت، بحسب ما يشرح لنا مدير الخدمات في وكالة الأنروا في مخيم الرشيدية فادي الصالح «منذ نحو 3 أشهر حين أقفل مكب رأس العين الذي كان يستقبل نفايات قرى صور ومعه ضمناً المخيم، وقتها تواصلنا مع البلديات المجاورة لا سيما بلدية باتوليه التي يعدّ المخيم خاضعاً لمنطقتها العقارية، فكان جوابها بالرفض مبررة بأنها بالكاد تستطيع أن تستوعب هذه البلدات نفاياتها.
وحدها بلدية برج الشمالي وافقت على استقبال نفايات الرشيدية لكن لفترة محدودة، وهو ما حصل بالفعل». ويتابع الصالح مستفيضاً: «بيد أن مهلة الاتفاق مع بلدية برج الشمالي انتهت، فعاودنا مجدداً الاتصال بالبلديات من دون جدوى. حينئذ لجأنا إلى الداخل بعدما استنفدت جميع الطرق، فوقعت الاونروا على اتفاق مع اللجان الأهلية والشعبية في مخيم الرشيدية لاستحداث مكب مؤقت في الجهة الشمالية من المخيم متاخم للبحر، ريثما نصل إلى حل جذري.
اتفاق لم يكن من السهل إبرامه، إذ جوبه بداية بالرفض المطلق من الأهالي المجاورة منازلهم للمكب، وذلك نظراً للأضرار الجسيمة اللاحقة بهم. بيد أن هذا الاتفاق ما لبث أيضأً أن انتهت مهلته، كما لم يعد المكان يستوعب النفايات الوافدة إليه، وذلك من دون التوصل إلى أي حل بشأن تصريفها. وهنا حلّت الكارثة في المخيم بعدما توقفنا عن جمع النفايات التي تكومت في أزقته، فيما بادر الكثير من الأهالي إلى رميها في البحر».
يستفيض مدير الخدمات في الأونروا في الرشيدية بالشرح فيقول «هذه الكارثة التي تمّ احتواؤها حالياً بنحو مؤقت، كانت لها ارتدادات على مختلف الصعد، فلقد رصدت حالات كثيرة من الإسهال، وانتشرت الأمراض الجلدية من الفطريات وغيرها بين أبناء المخيم، عدا انتشار الحشرات والذباب الأزرق والديدان على الرغم من قيام عمال النظافة برش الكلس. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ إن أزمة النفايات تسببت في إشكالات بين أهالي المخيم على خلفية رميها عند منازل بعضهم.. وأمام هذه الأزمة لجأنا مجدداً إلى اللجان الأهلية في المخيم لاستحداث مكب جديد في الجهة الجنوبية منه الملاصقة للبحر، والذي يمر عبر الملعب الرياضي الوحيد في المخيم. بيد أن الكارثة آتية لا محالة، خصوصاً أن مهلة سريان هذا الاتفاق حتى العشرين من الجاري فقط، ولم يعد هنالك أي بقعة جغرافية ممكن استغلالها في المخيم...».
لذلك يناشد الصالح المعنيين الالتفات إلى هذه الأزمة تفادياً للكارثة المرتقبة، معلناً أن الأنروا على استعداد لدفع أي كلفة تترتب عليهم، مقابل تصريف النفايات.
«يتفضلوا يجبّروا الجرة قبل أن تنكسر»، يعلّق عضو اللجان الأهلية في المخيم أبو العبد عوض، محذراً من أن «الكارثة الآتية غير محصورة فقط بأهل المخيم، فإذا ما تراوحت الأمور مكانها، فلن يعود أمامنا سوى البحر، وهو الملاصق لشواطئ صور، ما سينعكس سلباً على الموسم السياحي المقبل». ويتابع العوض: «حتى إن طريقة تصريف النفايات التي تحصل حالياً داخل المخيم لا ترتد سلباً فقط على اهل المخيم، بل ايضاً تهدد الجوار خصوصاً أن المكبين الشمالي والجنوبي هما على تماس مع شاطئ البحر، ما يحتّم اختلاطها مع المياه اثناء حركات المد والجزر، كما تهدد مياه الشفة، لتسرب المياه الآسنة إلى الآبار الأرتوازية حيث باتت النفايات تعوم على سطوحها»، علماً أيضاً أن خفر السواحل كانوا قد حذروا الجهات الرسمية والأهلية من وصول النفايات إلى الشواطئ المجاورة، كما بدأت تصل شكاوى من مراكز الجيش المحاذية للمخيم من الروائح الكريهة التي بدأت تتصاعد من المكبات الداخلية.
لكن «أين المفرّ؟» يسأل عضو اللجان الأهلية في المخيم أبو خالد مرّة، «فالنفايات باتت تحاصرنا من الجنوب والشمال حاملة معها الأمراض والروائح الكريهة، ومن الجهة الشرقية مدخل المخيم حيث تمركز الجيش اللبناني، وهكذا لم يبق إلا عباب البحر حلاً وحيداً لأهلنا في المخيم».
مهما يكن فإن مخيم الرشيدية مقبل على كارثة كبيرة، خلال الأسابيع القليلة المقبلة من شأنها أن «تفجّر غضب الأهالي». وهو غضب لن يكون بأي حال فولكلورياً، مثل «سميّه» في مسرحية «شي فاشل» لزياد الرحباني.
اللجان الأهلية تستغرب
تستغرب اللجان الأهلية في مخيم الرشيدية على لسان أبو خالد مرّة «كيف تتعاطى الدولة بازدواجية مع المنظمات الدولية الموجودة لديها، أي اليونيفيل من جهة والأونروا من جهة أخرى. ففيما تأمّن مكب نفايات للأولى الصادرة عن المراكز التابعة لها في منطقة تبنين، لم يتحرك أحد تجاه الأونروا المسؤولة عن تقديم الخدمات لشعبنا». ويلفت مرّة الى أن الأونروا في المخيم قد طرحت فكرة تصريف النفايات في تبنين رغم أنها تبعد 25 كلم، وهي على استعداد لتحمل كل المصاريف والأعباء، وقد يكون ذلك الحل الوحيد، بيد أن طلبها لم يلق أي صدى حتى الآن».
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية - سوزان هاشم