القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

نقص الموارد تؤثر على حقوق نزلاء مراكز التوقيف

نقص الموارد تؤثر على حقوق نزلاء مراكز التوقيف


السبت، 20 حزيران، 2015

في أحد مراكز التوقيف بمدينة غزة، سُمح لعدد من النزلاء الخروج إلى ما تسمى بـ"الفورة"، وهي فترة يقضيها النزيل للاستجمام في ساحة المركز، وكان العدد يربو عن الثلاثين شخصًا، ومنهم من مضى على وجوده هنا قرابة العام، وآخرون أقاموا عدة أشهر، حسبما أفيد لمعد التحقيق.

المكوث الطويل للنزيل في مركز التوقيف يتجاوز نصوصًا ثابتة في القانون الفلسطيني، حيث ينص على أن فترة الموقوف داخل المركز لا يجوز أن تتجاوز 72 ساعة، ومن ثم يحال الى المحكمة للبت في أمره، ونقله الى السجن المركزي حال قررت تمديد فترة موقوفيته.

ويوجد 21 مركز توقيف، وخمسة سجون مركزية في قطاع غزة، تعرض عدد كبير منها للقصف والدمار بشكل كلي خلال الحروب الثلاثة التي خاضها قطاع غزة في العقد الأخير، دون أن يتسنى إعادة إعمارها مجددًا، لنقص الموازنات وغياب عملية الإعمار في القطاع المحاصر، بحسب ما صّرح به المتحدث باسم جهاز الشرطة أيمن البطنيجي.

ويفرق القانون بين مركز التوقيف المخصص لإقامة المتهم لمدة 72 ساعة (عملية الاستجواب)، وبين السجن المركزي الذي يمكث به المتهم بعد عملية توقيفه من المحكمة، حيث توفر فيه الجهات الحكومية، أغلب احتياجات النزلاء.

وجوه الأزمة

ومع قدوم شهر الصيف، تعاني مراكز التوقيف من نقص حاد في مياه الشرب، عدا عن انقطاع الكهرباء المستمر، الأمر الذي يلقي بجوانب سلبية من جميع النواحي وفي مقدمتها الجانب الأمني، بحسب مصدر يعمل في مجال السجون لـ"الرسالة".

وقال إن هناك نقصا في إمكانية توفير جودة أفضل بوجبات الطعام المقدمة للنزلاء، بفعل غياب الموازنات التشغيلية.

ومنذ تولت حكومة التوافق مسؤولية إدارة القطاع منذ عام، لم تصرف الموازنات التشغيلية على الوزارات عمومًا وادارة السجون بشكل خاص، الأمر الذي فاقم من احتياجاتها، وأدّى الى حدوث نقص حاد في مستلزماتها، بحسب ما صرح به وكيل وزارة الداخلية كامل أبو ماضي لـ"الرسالة". وقال أبو ماضي "إن الوزارة تدبر احتياجاتها بالحد الأدنى من المتطلبات، الامر الذي أثر على كثير من وظائفها".

وفيما يتعلق بشق السجون، ذكر المتحدث باسم الشرطة ايمن البطنيجي وجوه الازمة لدى الوزارة في إدارة هذه العملية، مشيرًا إلى تجميد العمل على بناء سجنين كبيرين شرعت "الداخلية" بإعداد مخططات لبنائها جنوب القطاع.

وأكدّ البطنيجي لـ"الرسالة"، وجود اكتظاظ كبير في قطاع السجون، الامر الذي دفع بإنزال بعض الموقوفين في مراكز التوقيف، خاصة أن عددا كبيرًا من السجون قد تعرض للقصف والدمار من (الإسرائيليين) خلال العدوان الأخير.

وقال البطنيجي إن ما يقارب من 70% من مقار غزة دمرت والحق بها الضرر خلال الحروب الماضية، فضلًا عن رفض حكومة التوافق التعاطي مع أي مناشدة بشأن صرف الموازنات التشغيلية.

وأشار إلى وجود مقترح لبناء سجنين كبيرين جنوب ووسط قطاع غزة يمكنهما استيعاب كافة النزلاء الذين لا يتجاوز عددهم 5 آلاف نزيل بين محكوم وموقوف، غير أن توقف ادخال مواد الاعمار يعوق ذلك.

وتسببت غياب الموازنة التشغيلية في وزارة الداخلية، بوجود نقص حاد في مستلزمات واحتياجات السجون، ما أدّى لحدوث إشكاليات قانونية وخدماتية، تمثلت في نقص الموارد الصحية والاجتماعية داخل مراكز توقيف بالقطاع، وفق ما رصدته الهيئة المستقلة لحقوق الانسان المختصة، خلال زيارة النزلاء والموقوفين.

وعدد رأفت صالحة مدير مكتب غزة والشمال بالهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، حقوق ينبغي أن تتوفر للنزلاء في مراكز التوقيف تحديدًا، تتمثل بضرورة توفير الجانب الصحي، والنظافة، إضافة إلى الحق الفصل بين النزلاء بناء على التهم التي يعتقل كل واحد منهم عليها.

وأوضح صالحة لـ، أن غياب الموازنات التشغيلية للوزارة، تسبب بنقص في بعض هذه الخدمات، خاصة وأن مراكز التوقيف غير متهيئة أصلًا من حيث المبدأ لاستقبال نزلاء يقضون فترات طويلة، الأمر الذي سبب اكتظاظًا في هذه المراكز، ويحتوي بعضها لوجود عشرات النزلاء، منوهًا الى ضرورة العناية في الجانب الصحي في المقام الأول.

وبيّن صالحة ضرورة وجود عيادات خاصة في كل مركز توقيف، الامر الذي يتعذر في بعض المراكز، مشيرًا إلى أنه لا يجوز اجبار الموقوف غير المحكوم عليه بالأشغال الشاقة على ممارسة أعمال النظافة، حيث يشتكي من ذلك بعض النزلاء.

ويعاني قطاع غزة من حصار خانق، تسبب في انقطاع لساعات طويلة بالكهرباء، وشح في تمديد المياه، ما أثر على قطاع السجون كما غيرها من قطاعات المجتمع الفلسطيني.

وذكر تقرير للهيئة المستقلة لحقوق الانسان، وجود 27 حالة توقيف في غزة لم تعرض على الجهات القضائية المختصة، مقابل 55 بالضفة المحتلة التي تصرف فيها الحكومة الموازنات التشغيلية لوزارة الداخلية.

مسؤولية التوافق

في الأثناء، أكدّت الجهات المعنية بملف السجون، أن وزارة الداخلية اضطرت إلى تعجيل الافراج عن بعض المتهمين على خلفية قضايا بسيطة، واستوعبت متهمين في مراكز التوقيف، نظرا للاكتظاظ الكبير في السجون الرئيسية، وعدم وجود عدد كاف من هذه السجون وتدمير بعضها في الحرب الأخيرة.

وزارة العدل على لسان مدير دائرة تفتيش السجون بالوزارة أحمد الكحلوت، قال إن غياب الموازنة أدى حدوث إشكاليات في قطاع السجون خاصة في مراكز التوقيف، وأثر على توفير الكثير من الاحتياجات التي تتطلبها الادارة.

وأكد الكحلوت أن التوقيف لمدة طويلة في مراكز التوقيف امر لا يتفق مع القانون، لكن غياب توفر سجون الإصلاح، وتدمير المراكز الشرطية، أدّى الى اللجوء لهذا الخيار، مشيرًا إلى أن الجهات المسؤولة بالداخلية توفر الحد الأدنى في ضوء الشح الكامل للاحتياجات والمستلزمات المالية لها. داعيًا إلى ضرورة توفير الأدوية والأغذية الموائمة.

وأشار إلى ضرورة عزل الموقوفين كل على التهم التي أوقف عليها، "لكن حالة التكدس الكبيرة في مراكز التوقيف تحول دون ذلك".

من جهته، عزا نهاد الرملاوي وكيل نيابة مدينة غزة، افتقار مراكز التوقيف للخدمات الأساسية، "لأنها بالأساس وضعت لظروف احتجاز ضمن مدة قصيرة لا تتجاوز 24 ساعة"، مشيرًا إلى وجود إشكاليات تتعلق بالفصل بين الموقوفين، إضافة لتكدس كبير داخل مراكز التوقيف، وشح في الموارد، وكل ذلك ناجمًا عن غياب الموازنات وعدم عناية "التوافق"، بوزارة الداخلية.

وأوضح أن الجهات الأمنية اضطرت الاحتراز على عدد من المتهمين داخل مراكز التوقيف، لعدم وجود بدائل أو كفاية داخل السجون المكتظة بالأصل.

إشكاليات سياسية

وأمام هذه الإشكاليات الناجمة عن منع حكومة التوافق صرف موازنة الداخلية، حمّلت الجهات المسؤولة رامي الحمد الله بوصفه رئيسًا للوزراء ووزيرًا للداخلية، المسؤولية الكاملة عن هذه الانتهاكات، وقال رئيس المجلس الأعلى للقضاء عبد الرؤوف الحلبي، وجود هذه الانتهاكات التي يتحمل مسئوليتها في المقام الأول وزير الداخلية ورئيس الوزراء رامي الحمد الله، الذي يرفض حتى هذه اللحظة القيام بمسؤولياته والاضطلاع بها في إدارة أزمات الوزارة.

وقال الحلبي إن قطاع السجون يعاني من شح كبير في الإمكانيات والأدوات، ويقابله بذلك تكدس كبير في إعداد الموقوفين، مستدلًا على رفض الحكومة امداد اللجان الفنية التي تعمل داخل أروقة القضاء بأجهزة تساعدها في التعرف على الجريمة، ما يزيد من تعقيد مهام الجهات المختصة ويعطل من دورها ويساعد في تكديس عدد أكبر من الموقوفين، موضحًا أن بعض القضايا يصعب التعرف على فاعليها لعدم وجود أدوات خاصة بلجان العمل الفني الجنائي.

التشريعي

ولم يخفِ النائب يحيى موسى رئيس لجنة حقوق الانسان في المجلس التشريعي، وجود إشكاليات في مراكز التوقيف ناجمة عن غياب الموازنات من التوافق، مؤكدًا أن الوزارات في غزة تعمل من العدم، ولا تستطيع تغطية الحد الأدنى من الاحتياجات.

وحمّل موسى في حديثه لـ"الرسالة"، رئيس السلطة محمود عباس ورئيس وزرائه الحمد الله المسؤولية الكاملة عن كافة الخلل الناجم في أداء الوزارات بغزة، لعدم وجود موازنات تؤهلها للقيام بأعمالها على اكمل وجه.

وقال موسى، إن الحمد الله تخلى تمامًا عن دوره ليس فقط في الداخلية بل في مجمل وزارات القطاع، واصفًا ما تتعرض له غزة، بالمؤامرة الخطيرة والمعقدة، التي تقوم عليها عدة أطراف وتنفذها السلطة الفلسطينية.

وأشار إلى أن التشريعي يمارس دوره كرقيب في كافة المجالات، لكن الاحتياجات الكبيرة للوزارة والتي يقابلها النقص الحاد في الموارد، وهي أشياء يتحمل مسؤوليتها محمود عباس.

وفي سياق ذلك، دعا المتحدث باسم الشرطة إلى ضرورة توفير حماية دولية لما تبقى من مراكز توقيف وسجون في القطاع من أي قصف (إسرائيلي)، خاصة في ظل الاستهداف المباشر لهذه المراكز في كل عدوان.

وألقى البطنيجي باللوم على قصور الدعم المقدم من بعض المنظمات الدولية، خاصة في ظل الاحتياج المهم في قطاع السجون.

المنظمات الحقوقية والدولية

أما سهير زقوت المتحدثة باسم الصليب الأحمر فأكدت، أن مراكز التوقيف تعاني فعلًا من شح في الإمكانيات، لكن ليس من اختصاص المنظمة الدولية الاشراف على هذه المراكز، وتحاول فقط توفير بعض المساعدات؛ "لتحسين حالة السجون القائمة"، والاهتمام بالحقوق القانونية للموقوف.

ودعت المتحدثة باسم الصليب الأحمر إلى ضرورة توفير الموازنات القادرة على انقاذ قطاع السجون في قطاع غزة، منوهة إلى أن رصد الانتهاكات داخل السجون تتعلق في المقام الأول بمهام المنظمات الحقوقية في غزة.

ويوافقها الرأي المحامي صالحة، الذي قال إن غياب بعض الأجهزة دفع برجال الأمن لاتخاذ إجراءات غير قانونية، مثلًا "لو توفرت أجهزة لكشف المخدرات والاترمال في دم المتعاطي، لن يضطر رجل الامن للتعامل بقسوة معه، وسيتعرف على الجريمة بكل سهولة ومثّلت ورقة ادانة جاهزة".

ودعا المسؤول بالهيئة المستقلة لحقوق الانسان، حكومة التوافق إلى ضرورة العمل على دفع الموازنات التشغيلية تفاديًا لانهيار قطاع السجون، والتسبب بتفشي الجريمة.

رواية التوافق

ومن خلال التواصل مع المتحدث باسم حكومة التوافق إيهاب بسيسو، الذي أكدّ أن وزير الداخلية رامي الحمد الله ورئيس الوزراء هو رئيسًا للشق المدني فقط في الوزارة، وهو ما يثير علامة استفهام لعدم تعاطيه مع قطاع السجون الذي يمثل أحد أهم مرتكزات الشق المدني بالوزارة.

وبشأن عدم صرف الحكومة للموازنات التشغيلية، برر بسيسو ذلك بأنه عائد الى طبيعة الخلافات القائمة، وعدم تمكين الحكومة في قطاع غزة، على حد تعبيره.

وبمعزل عن تبريرات الحكومة، فإن المختصين يحذرون من خطورة استمرار الأزمة المالية، الناجمة عن غياب الموازنات التشغيلية، بأن تتسبب بمزيد من التدهور في قطاع السجون، ويؤثر سلبًا بشكل أكبر على حقوق النزلاء والمساجين في مراكز التوقيف والاعتقال.

ويخلص المهتمون إلى ضرورة دعم المؤسسات الدولية والمعنية برصد حقوق الانسان، لجهود الأجهزة الأمنية في القطاع من الناحية المالية، لضمان تعزيز أداء هذه الأجهزة في التعامل مع حقوق النزيل التي تعتبر من مرتكزات حقوق الانسان.

المصدر: الرسالة نت