هربت من
الموت في سوريا لتلقى القدر القاسي.. حادث أقعد ماهر عمر بين الحياة والموت
الأربعاء،
09 تشرين الأول، 2013
من
وجوههم تبدأ الحكاية... حكاية نكبة إلى نكسة إلى نزوح... تستمر فصولاً وفصولاً،
تروي مأساة كتبت على اللاجئين من جيل إلى جيل، بين جدران المنازل المؤقته التي
لجأوا إليها في مخيمات البؤس والفقر والحرمان هرباً من الموت من مخيمات سوريا، حيث
ترتفع أصوات الأنين وجعاً، تختلف بين نازح وآخر، ولكنها دوماً عنواناً لنكبة لم
تنتهِ بعد...
فبين
ليلة وضحاها، تبدّلت حياة عائلة رمضان عمر، إحدى العائلات الفلسطينية النازحة من
مخيم اليرموك في سوريا إلى لبنان قسراً، رأساً على عقب، إذ هربت من الموت لتلقى
القدر القاسي، بعدما تعرّض ولدها ماهر إلى حادث سير مؤسف، فرَّ الجاني، ولم تستطع
العائلة تسديد تكاليف علاجه الطويلة، بينما الأمل المعقود على أصحاب الضمائر الحية
لإنقاذ العائلة من الدمار الكامل...
في أحد
أحياء مخيم عين الحلوة تقطن عائلة عمر مؤقتاً، تنتظر العودة إلى منزلها في سوريا
أو منزل أجدادها في فلسطين، الوطن الأم. تتحسر على أيامها في لبنان، بعدما كبر
همّها بفلذة كبدها ما يفوق طاقتها على التحمّل... تردد بآهات من يسمع نداءها كي
يوقف جرحها النازف إلى الآن...
«لـواء
صيدا والجنوب» قصد العائلة في مخيم عين الحلوة، ليسمع حكايتها ويرفع صوتها عسى من
أحد أن يمد لها يد العون...
مأساة
ماهر
تروي هدى
أبو شقرا «أم ماهر» مأساة ابنها ماهر رمضان عمر (27 عاماً) وهو رب أسرة متزوج
ولديه طفل وحيد، وعينيها مغرورتين بالدموع، والغصّة في صوتها الخافت، تقول: «لقد
تعرّض ماهر لحادث سير بتاريخ 25 حزيران
الماضي على طريق الرميلة - الأولي عند مدخل مدينة صيدا فأصيب فيه، بنزيف دماغي،
وكسرت رجله، بعدما كان قد خرج من منزله عند الساعة السابعة صباحاً، إذ أوصل زوجته
ومعه صنارة صيد السمك ليمارس هوايته في البحر».
وتضيف،
وهي تتنهد بحسرة: «لقد تأخّر عن موعد عودته الى المنزل، فاشتعل قلبي قلقاً وناراً
عليه، فسارعت للبحث عنه في كافة مراكز قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، فتبيّن
انه لا يعلم أحد عنه شيئاً، فازداد خوفي وقلقي عليه، وفي اليوم التالي تابعت رحلة
البحث عنه، في المراكز الطبية والمستشفيات إلى أن وجدته في «مستشفى صيدا الحكومي»
بعدما نقله «الصليب الأحمر اللبناني»، بداية لم نعرف كيف أصيب، وكنا نسمع حكايات
وحكايات عن الحادث، وقد سرقت منه بطاقته الشخصية وكل ما يملك من مال».
وتابعت
بحسرة: «لقد بقي ماهر في غيبوبة شبه كليّة لمدة شهرين تقريباً، ولم يكن في وعيه
إلا ما يعادل نسبة 10%، وأجريت له عملية جراحية في قصبته الهوائية بعدما فشل في
القدرة على التنفس بشكل طبيعي، لكن المأساة الحقيقية كانت في خروج ماهر من
المستشفى، إذ لم نستلم أي تقرير طبي تشرح
حالته الصحية، بينما الأطباء أعطونا احتمالين:
الأول:
انه من الممكن أن تتحسّن حالته الصحية.
والثاني:
أن لا يحصل أي ردة فعل إيجابية تعيده إلى حياته الطبيعية».
وبغضب
على الظروف الصعبة التي وصلت إليها، إذ أنها هربت بأولادها من الموت في سوريا إلى
لبنان لتلقي مصيراً صعباً، بحياة ابنها وكأن القدر لها بالمرصاد، أردفت «أم ماهر»
«ومما زاد الطين بلّة، التكلفة الباهظة لثمن العلاج في المستشفى، وهو مبلغ لا
يُمكن توفيره لعائلة نزحت من تحت القصف والموت، فبلغت الفاتورة 41 مليون ليرة
لبنانية، مما أوقعنا في صدمة كبيرة، إذ اننا لا نملك قوت يومنا، وقد حسمت وزارة
الصحة اللبنانية والمستشفى مبلغ 24 مليون ليرة من تكلفة الفاتورة، فبقي من المبلغ
المتوجب علينا 17 مليون ليرة لبنانية».
إهانة..
وذل
وتشرح
«أم ماهر» رحلة ذل السؤال في طلب المساعدة من المؤسسات الخيرية والمنظمات
الفلسطينية، وتقول: «لقد طرقت أبواباً كثيرة، وتحملت الإهانة والذل كي أسدد فاتورة
المستشفى المتبقية علينا، فتوجهت الى الجمعيات والمؤسسات الخيرية و»منظمة التحرير
الفلسطينية» ووكالة «الأونروا» ولم ألقَ الجواب الشافي، والحجة أن الحادث هو قضاء
وقدر وحادث سير، مثله مثل غيره، لكن غاب عن بالهم أن المجرم مسبب الحادث قد فرّ
إلى جهة مجهولة ولم ينقله إلى المستشفى أقلها، أو يتكفّل بنفقات علاجه وتركه على
الأرض مرمياً بين الحياة والموت... المجرمون يفرون والأبرياء يدفعون الثمن، إنني
أناشد جميع الخيّرين من الدول العربية والرئيس الفلسطيني محمود عباس «أبو مازن»
وسفير فلسطين في لبنان أشرف دبور أن يلتفتوا إلينا، بعدما سدَّت كل الأبواب في
وجهنا».
وتشكو
«أم ماهر» حال ابنها الذي يحتاج إلى جهاز شفط البلغم والأوكسجين، وإلى عملية أخرى،
لتطلق نداء بمساعدة عاجلة، عسى تجد من يُساعدها في تأمين تكاليفهما وتغطية نفقة
المستشفى، وانقاذ العائلة التي دمرت كلياً بفعل غياب الإنسانية في حياة البشرية.
وتطالب
المسؤولين في الدولة اللبنانية «أن يلقوا القبض على المجرم الذي ألحق الضرر بإبني،
فهو انسان يحق له العيش بكرامة مثله مثل غيره من الأشخاص الأخرين».
اقتصاص..
ومناشدة
أما أبو
ماهر عمر (50 عاماً) فيقول، بصوت خافت تكاد لا تسمعه والدمعة في عينيه: «حكاية
ابني ماهر تحوّلت إلى كابوس يقض مضجعي، لقد تحوّل بين ليلة وضحاها من شاب ملؤه الحركة والحيوية كزهرة، إلى آخر لا
يقوى على الحراك، فيما الهم الأكبر تأمين مصاريف باقي علاجه، وتسديد ما تبقى علينا
من مستحقات مالية إلى «مستشفى صيدا الحكومي»، وقد طلبت مني الإدارة أن أوقّع على
تعهد خطي بدفع المبلغ، ولانني لا أملكه عرضت عليَّ العمل لديها، وتسليم هويتي
الشخصية كي لا أفكر بالهرب، فوافقت لأنه لا خيار أمامي، وتقوم الإدارة بحسم باقي
المبلغ وهو 17 مليون ليرة لبنانية، فوجدت انني سأعمل لا يقل عن 9 سنوات براتب 600
ألف ليرة لبنانية، وتحسم منه 200 ألف ليرة لبنانية كل شهر ليبقى لي 400 ألف ليرة لبنانية فقط، وهي لا
تعيل عائلتي المؤلفة من 6 أشخاص، بينهم ماهر المريض الذي يحتاج دوماً إلى علاج
ودواء».
ويطالب
«أبو ماهر» «بالاقتصاص من الجاني، لأنه دمّر عائلة بكاملها، أقعد الشباب ماهر،
وفرّ دون تقديم أي مساعدة له، ما يستحق العقاب الشديد بلا رحمة، إحقاقاً للحق
والعدالة الإنسانية، فماهر لن يعود كما كان عليه قبل الحادث، كما أطالب أصحاب
الضمائر الحية والأيادي البيضاء النظر إلى عائلتي ومد يد العون لنا، وأدعو وكالة
«الأونروا» باعتبارها الجهة الرسمية والمسؤولة عن رعاية اللاجئين الفلسطينيين بشكل
مباشر، إلى متابعة ملف ماهر، وتقديم الدعم الطبي والمالي اللازم للاستشفاء،
والقيام بما يلزم من اجل الحفاظ على حياته».
المصدر: ثريا
حسن زعيتر - اللواء