هل ستدعم الجمهورية الإسلامية "المقاومة الفلسطينية المقدّسة" في لبنان؟
الإثنين، 20 شباط، 2012
هنادي شابة ناضجة تنتسب إلى مركز شبيبة مخيم شاتيلا. وبعد أن أخبرتها معلمتها الأسبوع الماضي بأن القائد الأعلى في إيران السيد علي الخامنئي والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد استقبلا القادة الفلسطينيين بحرارة في طهران عندما زاروها للمشاركة في إحياء الذكرى الثالثة والثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وأنهما أكّدا التزام إيران "بالواجب الديني والأخلاقي الذي يقضي بتخفيف العبء عن اللاجئين الفلسطينيين من أيام التطهير العرقي خلال النكبة"، قالت هنادي: "أنا وأصدقائي نحب إيران. فربما ستطلب من أصدقائها في لبنان مساعدة أبي كي يسمح له بالعمل وتتمكن عائلتنا من امتلاك منزل خارج المخيمات".
وقرابة ظهر يوم الرابع عشر من شهر أيلول/ سبتمبر من العام 1982، أي قبل يوم على إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر للبدء بمجزرة صبرا وشاتيلا، عبر باصان أبيضان شارع صبرا، الشارع الرئيسي في مخيم شاتيلا، منطلقين من مستشفى عكّا الفلسطيني.
أما السيدة حلبي، المعلّمة الفلسطينية، فقد ظنّت آنذاك أن الرجال الأربعة الذين ترجلوا من المركبتين بالقرب من مقبرة الشهداء الحالية كانوا أوروبيين تابعين لمنظمة غير حكومية ذلك أنهم كانوا يحملون خرائط مفصّلة للمخيم وقد ظنت أنهم يقدّرون حاجات المخيم لإتمام مشروع بنية تحتية.
وتتذكر السيدة حلبي كيف سألها ذلك الرجل ذو اللهجة الثقيلة: "هل يمكنك أن تطلعينا على الملاجئ في المخيم؟"
فأجابته السيدة: "بالطبع". وإذ لحقها الرجال الأربعة وهم يسجلون الملاحظات ويلتقطون الصور، كانت السيدة حلبي تشرح لهم أن الملاجئ صغيرة جدا لتتسع الجميع خلال "القصف".
وقال أحدهم الذي بدا وكأنه قائد المجموعة، والذي لا تتذكر السيدة حلبي أنها سمعت صوت أحد غيره خلال تلك الزيارة: "حسنا، أتفهّم ذلك"، ثم أضاف قائلا: "لماذا رائحة هذا المكان كريهة جدا؟"، فأحرجت السيدة من ذلك السؤال ثم أجابته بأن "مجاري الصرف الصحي في المخيمات الفلسطينية، وخصوصا في مخيم شاتيلا ومخيم برج البراجنة المجاور بحاجة دائمة للإصلاح".
أما الآن فبتنا نعرف أن "الوفد الأوروبي التابع لمنظمة غير حكومية" كان في الواقع عبارة عن عميلي استخبارات إسرائيليين برفقة رجلي استخبارات من حزب الكتائب وكان قائدهم إيلي حبيقة موجودا بينهم. وقد وصلوا إلى المخيم بغية استطلاع الملاجئ التي سيحاول الفلسطينيون الإحتماء بها خلال الأيام المقبلة.
وفي الواقع قد نجحوا في ذلك.
فميليشيا الكتائب قد عرفت طريقها إلى الملاجئ الإحدى عشر داخل المخيم وعلى أطرافه بين الأزقة التي لم تكن مألوفة بالنسبة إليها، وحينذاك بدأت المذبحة التي استمرت مدة ست وأربعين ساعة من دون توقف. ولم ينج من المجزرة غير قلة قليلة، أما آلاف اللاجئين الذين تكدّسوا داخل الملاجئ المعروفة فكانوا أول ضحايا المجزرة.
ولم تكن تلك المجموعة التي نظمها الموساد لتستطلع المخيم أول جهة تتذمر من الرائحة الكريهة فيه. فعلى مدى أسابيع سبقت المجزرة، عندما كانت القوات الإسرائيلية تتشارك مع قوات حبيقة في المقر الواقع غرب المخيم في السفارة الكويتية، كان أفراد هذه القوات يتذمرون أمام الصحافة من أن هبوب رياح الجبال نحو الشرق ومرورها بجانب المخيم باتجاه البحر "تكون في الحقيقة محمّلة برائحة الإرهابيين الفلسطينيين ".
وبعد مرور ثلاثين عاما على المجزرة، لا تزال مشكلة مجاري الصرف الصحي في مخيم صبرا وشاتيلا قائمة. وعندما تهب الرياح شرقا من البحر وتعبر المخيم، تنتقل رائحة مجاري الصرف الصحي في مخيم شاتيلا إلى مقر بلدية الغبيري حيث كانت السفارة الجزائرية عام 1982، ويشمها الموظفون في المكاتب كما كان يشمها الإسرائيليون في السابق. وخلال المجزرة، منحت السفارة الجزائرية اللاجئين، الذين حالفهم الحظ في الهروب من المخيم باتجاه المجمع الدبلوماسي الذي يبعد 50 مترا تقريبا عن الطرف الشرقي لمخيم شاتيلا، ملاذا يلجأون إليه. وللوصول إلى ذلك المكان، كان على الفلسطينيين اجتياز خمس دبابات إسرائيلية وضعت لقطع الطريق على سكان المخيم. أما أولئك الذين ألقي القبض عليهم فقد أجبرهم الجنود الإسرائيليون على العودة إلى مخيم الموت.
وفي السياق نفسه فإن أولئك الذين يعملون اليوم في مكاتب بلدية الغبيري الواقعة شرقي المخيم، وأولئك الذين يعيشون بجواره ليسوا الوحيدين الذين يشمون الرائحة الكريهة، ذلك أن هبوب الرياح من الشمال إلى الجنوب مرورا بالمخيم ومنطقة بئر حسن يحمل الرائحة نفسها إلى مقر السفارة الإيرانية.
وفي حين باتت المشاكل اللامتناهية داخل إثني عشر مخيما للاجئين الفلسطينيين في لبنان تؤثر على الحياة اليومية لكل فرد فيها، ومن هذه المشاكل نذكر مجاري الصرف الصحي المعطلة، وانعدام الكهرباء، وعدم وفرة المياه النظيفة، وغياب التدفئة شتاء والمكيفات صيفا، وغياب نور الشمس والهواء النظيف، وتكدّس الأفراد الذين قد يصل عددهم أحيانا إلى ثمانية أشخاص في الغرفة الواحدة، والرعاية الغذائية والصحية غير الكافية، والأمراض التنفسية التي لا تعد ولا تحصى، وارتفاع نسبة تاركي التعليم، وتزايد استخدام المخدرات، إلا أن الكلمات الأخيرة التي عبرت عن تضامن إيران مع الشعب الفلسطيني باتت محلّ تقدير.
وبحسب ما قاله القائد الإيراني الأعلى الإمام علي الخامنئي، فإن الجمهورية الإسلامية تصادق على وجود دولة فلسطين، وتنظر إلى إسرائيل على أنها فلسطين تحت احتلال "النظام الصهيوني". كما أن إيران ترفض حل الدولتين، وتعتبر أن فلسطين غير قابلة لا للتقسيم ولا للانفصال، وربما يعكس رأيا سائدا اليوم في الوقت الذي يتهاوى دعم إسرائيل الصهيونية على مستوى عالمي.
وفي ما نقل عن السيد خامنئي، قال إن: "إيران لا تريد شيئا من المقاومة الفلسطينية غير الصبر".
أما الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي كانت له زيارة ناجحة جدا إلى لبنان في العام الماضي، فقد كرر دعوته إلى استفتاء حر للشعب الفلسطيني بأكمله، وبينهم السكان العرب في إسرائيل، حول تحديد نوع الحكومة في دولة فلسطين المستقبلية. وقد كرر أن إنشاء دولة فلسطينية بمحاذاة إسرائيل "لن يعني أبدا موافقة على الإحتلال الإسرائيلي".
وقال وزير الخارجية الإيرانية علي أكبر صالحي خلال زيارته للفلسطينيين الأسبوع الفائت إنه ثمة "حاجة لتمسك الفلسطينيين بمبادئ المقاومة الأساسية على أن يكون ذلك العنصر الرئيسي في انتصارهم على إسرائيل"، وتجدر الإشارة إلى أن حديثه ذلك أوردته وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (برس تي.في.).
علاقات إيران بمنظمة التحرير الفلسطينية
قبل الثورة الإيرانية لم يكن ثمة من سفارة فلسطينية في إيران. فلقد كان الشاه شديد الحرص على إبقاء علاقات طيبة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية أكثر من اهتمامه بالفلسطينيين أو بعملية السلام العربي الإسرائيلي. أما منظمة التحرير الفلسطينية فقد أنشأت علاقات وثيقة مع المعارضة الإيرانية ودرّبت المنشقّين الإيرانيين داخل مخيمات المنظمة في لبنان.
وقد دعمت منظمة التحرير الفلسطينية ثورة العام 1979، وبعد مرور أيام على تلك الثورة، كان ياسر عرفات قائد المنظمة على رأس وفد فلسطيني زار إيران. وقد أقام رئيس الوزراء الإيراني آنذاك مهدي بازركان إحتفالا ترحيبيا لاستقبال عرفات حيث تم تسليم مفاتيح السفارة الإسرائيلية السابقة إلى منظمة التحرير الفلسطينية بشكل رمزي.
وبالمقابل، كان آية الله الإمام الخميني قائد الثورة الإسلامية يدعم القضية الفلسطينية ولكنه لم يكن شديد التحمس لعرفات. وخلال لقاء مكثف دام ساعتين يوم 18 شباط/ فبراير عام 1979، انتقد آية الله الخميني منظمة التحرير الفلسطينية بسبب جدول أعمالها الذي اعتبره محدود الوطنية وشاملا للعرب جميعهم. وقد حث عرفات على تشكيل منظمته بناء على مبادئ الثورة الإسلامية. ولأن عرفات كان مسلما دقيق الملاحظة، أخبر معاونيه السبب الذي جعله لا يتفق مع بعض أفكار الإمام الخميني. ولم يلتق عرفات والإمام الخميني بعد ذلك الحين أبدا.
وكما هي الحال مع معظم دول المنطقة، شهدت علاقات منظمة التحرير الفلسطينية بإيران الكثير من الأخذ والرد الذي غالبا ما كان سيء الطابع. وتدهورت سريعا عندما أبدى عرفات تأييده للعراق خلال الحرب الإيرانية العراقية بين عامي 1980 و 1988 ومجددا عندما أقدم صدام حسين على غزو العراق. وفي العام 1988 أدانت إيران عرفات بعد اعترافه بإسرائيل واستنكاره الإرهاب ودعوته إلى محادثات سلام معها. وفي العام 1989 أطلق السيد علي الخامنئي صفتي "الخائن والمعتوه" على عرفات. وفي الوقت الذي عززت المنظمة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، لم تقدم إيران أي مساعدة لمنظمة التحرير الفلسطينية حتى العام 2000.
وإذا تحدثنا بصورة مجازية، هل ستساعد إيران في إصلاح مجاري الصرف الصحي داخل المخيمات؟ وهل ستتطلب القيادة الإيرانية من أصدقائها اللبنانيين المقربين سنّ قانون العمل وإبطال قانون العام 2001 الذي يحرم الفلسطينيين من امتلاك المنازل في لبنان؟ بكل صراحة، إن غياب هذه الحقوق الإنسانية الأساسية في لبنان يهدد حياة الفلسطينيين يوما بعد يوم ولا يؤثر على هدف تحرير الأقصى، إلا أنه يبقى مسألة ضرورية الحل.
رجاء، ليس لديهم الحق في العمل وفي امتلاك المنازل، إنهم فلسطينيون!
"الآنسة الدولية"، زينب الحاج المولودة والتي تربّت في مخيم شاتيلا، دائما ما تشرح لزوار المخيم الإيرانيين قولها: "إذا تمكننا من العمل وامتلاك المنزل ستتزايد طاقتنا لصراع من أجل تحرير فلسطين. فنحن كجزء من الطبقة المتوسطة ماديا نستطيع أن نفعل أكثر من وضع الخبز على المائدة ليأكله أطفالنا. ستكون لدينا الطاقة والوقت الأطول لمقاومة الإحتلال الصهيوني لبلدنا. أما الآن فنحن في قمة الحرمان، من منا يمتلك الطاقة للقيام بشيء غير البقاء على قيد الحياة، لست أعني الحياة وإنما محاولة البقاء مع عائلاتنا".
لا زال الفلسطينيون بحاجة إلى ما هو أكثر من كلمات التضامن من الأصدقاء الإيرانيين لمساعدتهم في تخطي مجاري الصرف الصحي التي تقع على بعد أمتار من الأماكن التي يعيش فيها إخوانهم وأخواتهم المسلمون وجميع الأجانب في لبنان متمعين بحقوقهم المدنية كاملة.
خلال هذه الذكرى الثالثة والثلاثين للثورة الإسلامية في إيران، والذكرى الثلاثين لمجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، يتوجب على طهران وبيروت والقوى السياسية في لبنان أن يوجدوا علاقات وثيقة وأن يدفعوا باتجاه حل واحد لجميع مشاكل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حتى تتمكن الحكومة الإيرانية من إعطاء إنجازات مضمونة لما قالته ولتسهيل حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في العمل وامتلاك المنازل. وعلى البرلمان اللبناني أن يلبي الإلتزام المعدل دستوريا والمكفول دوليا القاضي بمنح ربع مليون لاجئ فلسطيني في لبنان الحقوق الإنسانية الأساسية في العمل وامتلاك المنزل إلى أن يتمكنوا من العودة إلى وطنهم فلسطين.
المصدر: د. فرنكلين لامب – قناة المنار