هل ستصبح مدرسة
يعبد مجرد ذكرى؟
الخميس، 06 حزيران، 2013
في 31 آب المقبل، لن يبقى
من مدرسة يعبد الفلسطينية إلا جزء. سيبتر الجزء الآخر، ومعه حياة دراسية لـ640 طالباً،
بعدما فشلت المفاوضات بين وكالة الأونروا ومالك المبنى الذي يطالب بإخلائه قبل الموعد
الدراسي الجديد. أمس، وقف التلامذة وأهلهم أمام مبنى الأونروا، بعدما بلّغوا بالقرار،
محذرين من المساس بخطهم الأحمر.
استلّت من حقيبتها المدرسية
"سندويشاً". جلست على حجرٍ بمقاس جسدها الصغير، تأكل زادها. لم تأبه تلك
الصغيرة المتكوّرة كجنين عند مدخل وكالة "الأونروا" في بئر حسن للكلمات التي
كان يرددها صغار مثلها من وراء المنظمين لاعتصام أمس هناك. ما كان يهمها في تلك اللحظات
أن تأكل ما "لفّته الماما" في الموعد المحدد. فالساعة التي كانت تشير آنذاك
إلى العاشرة إلا ربعٍ صباحاً، هي تماماً الساعة نفسها التي كان من المفترض أن تخرج
فيها الصغيرة إلى فسحتها في يومٍ دراسي عادي. لكنها، أمس خرجت إلى الشارع. لبست زيّها
المدرسي وركبت الباص إلى مكانٍ آخر، لا فسحات فيه ولا صفوف، للاحتجاج على قرار إدارة
الأونروا بإقفال مدرستها "يعبد" في صبرا، بحجّة انتهاء عقد الإيجار مع صاحب
المبنى.
جلست هناك تأكل. ببساطة
مفرطة. وجلس معها عشرات الصغار الذين أتوا، وفي بالهم العودة غداً إلى المدرسة. كانوا
فرحين بيوم عطلتهم الطارئ. تارة يرددون ما يقوله لهم المنظم، كالببغاوات، وطوراً يلعبون.
هكذا يقيسون الأمور. لا طاقة لعقولهم الصغيرة على استيعاب قرار يشطب "يعبد"
من قائمة مدارس الأونروا نهاية آب الحالي، على غرار تسع مدارس حشرت تباعاً في الذاكرة.
أما الأهل الذين نظموا
وقفة أمس، بمشاركة وتأييد اللجان الشعبية الفلسطينية ومنظمات التحالف، فلم يجدوا في
الأمر نزهة. ثمة "ما يحاك"، هكذا يقولون. يعودون بذاكرتهم سنوات إلى الوراء
"إلى القرارات التي أخذتها الأونروا سابقاً والتي أفضت إلى إقفال مدارس كثيرة
بالأسلوب نفسه"، تتذكر ميرفت سلامة، المتحدثة باسم لجان الأهل، مدارس باقا ويافا
وعفولة وشفى عمر التي "راحت إلى غير رجعة". مرّت حينها السيرة مرور الكرام.
لكن، "يعبد" لا يمكن "أن نسمح بإقفالها". وللأمر أسباب، فيعبد
هي واحدة من "الخطوط الحمر الذي لا يمكن تجاوزه". ويعبد أيضاً لها قصة، يرويها
الأهالي الواقفون هناك. وهي قصة سبق أن رواها آخرون في أمكنة أخرى.
أول خيوط القصة هو الاسم.
الخوف على يعبد التي غار اسمها في الذاكرة الفلسطينية والتي "تعمل الأونروا على
إلغائها هنا من ضمن السياسة التي تنتهجها"، يقول أحد المعتصمين هناك من
"القوى الوطنية". ويضيف ان الحلول البديلة التي تقترحها الأونروا لقاء قرار
الإلغاء غير مقبولة. فقد طرحت هذه الأخيرة من ضمن الحلول "إضافة" الطلاب
إلى مدرسة راس العين في منطقة الدنا. وهنا الإشكال، إذ إن "مدرسة رأس العين لا
طاقة لها على الاستيعاب لكونها صغيرة، ففي الأساس هي تضم حوالى 350 طالباً سيضاف إليهم
640 من يعبد مقسمين على ثلاث مراحل أخرى هي الرابع والخامس والسادس"، توضح سلامة.
1000 طالبٍ في مدرسة بالكاد تتسع صفوفها لطلابها الأصليين،
سيحشرون دفعة واحدة. بأي طريقة؟ تقول سلامة إن "الأونروا قد تتبع نظام الدوامين".
ومن تبعات هذا النظام "حجز أبنائنا لساعات متأخرة وزيادة أعداد الطلاب في الشعبة
الواحدة، فبدلاً من أن يكونوا 30 طالباً سيصبحون 50". أما ثالثة النتائج فهي الأصعب
"اختزال الحصة الدراسية من 55 دقيقة إلى 30 دقيقة".
كل تلك الفرضيات لم تصبح
حقيقة إلى الآن. لهذا، وقفوا منذ الصباح الباكر عند باب الأونروا. في جعبتهم مطلب واحد:
العودة عن قرار قد يعلّق الحياة الدراسية لكثيرين من الأطفال. والتجارب السابقة تشهد.
لذلك، لم يكن على لسانهم إلا عبارة واحدة "roger come here" (روجر ديفيس نائب المدير العام لوكالة الأونروا).
لكن، روجر لم ينزل إليهم بسهولة. كانت الحناجر قد بدأت تجف عندما ظهر فجأة بينهم، بعد
مفاوضات عسيرة. وقفوا أمامه وتلوا مذكرتهم التي قالوا فيها إن اعتصامهم "يهدف
لإيصال رسالة سلمية جداً وإنسانية لإنقاذ مستقبل أولادنا". لكن الرسالة السلمية
لم تخلُ من تحذير الوكالة "فيما لو تم تجاهل مطلبنا بالعودة عن القرار أو إيجاد
بديل مناسب، لأننا عندها سنقوم بخطوات تصعيدية آخذين بالاعتبار عدم إجراء الامتحانات
النهائية". ثمة رسالة أخرى للرجل من طفلة نازحة من سوريا، تهجّرت مرتين، مطالبة
الأونروا بتحمل المسؤولية الكاملة لإنقاذ "مستقبلنا الذي لا نملك سواه".
أما ديفيس المحمل بالمطالب، فلم يجد إلا الاعتذار بداً، مشيراً إلى أن "الأونروا
تتفهم مشاعر الأهل، وستكمل لقاءاتها مع الأهالي من أجل التشاور، نأمل أن يكون الاجتماع
بعد الظهر (أمس)". لكن الأهالي لم يرضخوا لطلبه، إذ فضلوا التوافق في ما بينهم
"قبل تحديد الموعد مع الأونروا"، تختم سلامة.
وكانت الأونروا قد وزعت
بياناً قبل أسبوع على الطلاب نقلوه لأهاليهم، أشارت فيه إلى ذلك الأسف الذي أعرب عنه
ديفيس. وأشارت خلاله إلى أنها "تحاول منذ ثلاث سنوات التفاوض مع مالك المبنى الذي
يطالب بحقه، لكن الأمور وصلت إلى طريق مسدود وبات الأمر خارج سيطرة الوكالة بسبب القيود
القانونية التي تفرضها حقيقة أن المالك يريد هدم مبنى المدرسة وهذا حق يمنحه إياه القانون".
وبما أن موعد الإقفال "سيكون أواخر آب المقبل، فلا يوجد أمامنا بديل إلا المبنى
الثاني المتبقي الذي سيضم الطلاب من الصف الأول إلى الخامس وفق نظام الدفعتين، وإلى
مدرسة حيفا التي ستستضيف طلاب الصف السادس الوافدين من يعبد".
هكذا، رسمت الأونروا خريطتها
الجديدة. تبدو بصيغتها نهائية، وهذا ما يخيف الأهالي "كوننا تبلغنا القرار بعدما
هندست الأونروا كل شيء". أما الخوف الأكبر، فمن القانون. فهل تموت يعبد على طريق
باقا ويافا؟ هل يُحرم الفلسطينيون من آخر مدارسهم؟
وأكدت المذكرة أنه
"في حال عدم التجاوب مع مطلبنا العادل سنقوم بخطوات تصعيدية آخذين ضمن خياراتنا
عدم إجراء الامتحانات النهائية لأبنائنا احتجاجا على القرار، والاعتصام الدائم أمام
مقراتكم للرجوع عن هذا القرار الظالم".
ولفت عفيفي إلى أن عمر
هذه المشكلة ثلاث سنوات وكان بالإمكان إيجاد حل أفضل من الذي طرحته "الأونروا"
خلال هذه الفترة. كما أشار إلى أن اجتماعاً سيعقد في وقت قريب مع ممثلين من "الأونروا"
للتباحث في القضية.
إلى ذلك، حمل رئيس
"اتحاد الشباب الديموقراطي الفلسطيني - أشد" يوسف أحمد "الأونروا المسؤولية
الكاملة عن ضياع مستقبل أكثر من 600 من طلاب المدرسة"، مطالباً من مكان الاعتصام،
بإيجاد "حل سريع للتلامذة، رافضاً حل الوكالة، القاضي بتوزيع الطلاب على المدارس
المجاورة واعتماد نظام الدفعتين. ودعا أحمد كل القوى واللجان الفلسطينية إلى التحرك
للضغط على الوكالة لوقف الإهمال المتبع بحق اللاجئين الفلسطينيين".
كذلك أصدرت "اللجان
الشعبية" بياناً أكدت فيه "عدم قانونية هذا الإجراء، فالإخلاء لا يتم قبل
إيجاد البدائل، وعلى الأونروا التي ستقوم بالإخلاء تأمين بدائل عملية وأن لا يكون الإخلاء
على حساب بقية الطلاب في الدمج أو نظام الدفعتين".
تجدر الإشارة إلى أن ابتدائية
"يعبد" تضم نحو 680 تلميذاً من أبناء مخيمي صبرا وشاتيلا، إضافة إلى مجموعة
من التلاميذ من سكان منطقة الطريق الجديدة.
المصدر: رابطة بيت المقدس