وطن في خيمة.. مواليد فلسطين.. عايشوا النكبة.. ويروون شهاداتهم
الإثنين، 21 أيار، 2012
لينة عطوات/ خاص «لاجئ نت»
ما يزيد عن أهالي عشرة قرى فلسطينية، تحلقوا في «خيمة العودة» بيومها الثالث. الوطن تجمّع في خيمة، وأبناء الوطن، من مواليد فلسطين اختلطت ذكرياتهم، وامتزجت أحاديثهم، وبتّ تسمع همهماتهم وهم يتشاركون بعض الصور التي تشابهت بين قرية وأخرى.
مايسترو ديوانية شهود النكبة، الشيخ علي اليوسف، نقل المايكروفون من قرية إلى قرية، يحكي رجالها قصة وطن مليء بالخيرات وبالمميزات التي سُلبت منه ومن أهله. شعب، صفورية، عكا، الصفصاف، صفد، نمرين، حيفا، وغيرها من المدن والقرى كانت حاضرة هناك. فهذا يلقي موالاً حمله معه منذ النكبة حتى اليوم، يحيي فيه أصالة التراث وجمال اللحن الفلسطيني الشجي، وذاك يسرد بطولات عائلته في الدفاع عن الوطن والعرض.
الحاج ضرار الحسن، خرج من قرية صفورية ابن التسع سنوات، لكن تفاصيل قريته لا تزال ماثلة أمامه كأن شيئاً لم يتغير فيها، ويلفت الحاج ضرار بأن قريته امتازت بكثرة العلماء، لكن القرية كلها بخيراتها وعلمائها وأهليها اضطروا للرحيل قسراً عنها، منهم من رحل إلى الناصرة، ومنهم من جاء إلى لبنان بشكل خاص. ولم يتبق اليوم فيها إلا قلعة من زمن الرومان اتخذها صلاح الدين الأيوبي مركزاً له، وديراً للراهبات، ولا يدخل القرية اليوم إلا السائحون أو من يكتب التاريخ. ويستكمل الحاج أمين الموعد حديث صديقه من نفس القرية صفورية، فيؤكد أن هذه القرية كانت من أبرز القرى التي تمتعت بالاكتفاء الذاتي، فلديها من الخيرات ما لا يخطر على بال أحد، من الفاكهة إلى الخضار، إلى الطيور والمواشي، وصولاً إلى البساتين المتنوعة والعسل، كما اشتهر أهلها بالترحاب وبالمقاومة، حتى أن الصهاينة يرتجفون خوفاً عندما يسمعون اسم القرية، كما ذكر.
وهذا كان حال قرية السميرية أيضاً، فقد ذكر الحاج عمر سعيد اليوسف، مواليد 1933، غنى قريته بما لذّ وطاب على امتداد أراضٍ واسعة جدا تصل لبدايات عكا. ولما سأله الشيخ علي عن دوره في زراعة الاراضي، أجاب: «نحن لم نكن نعمل، فنحن أصحاب أراضي، بل كنا نستقدم العمال وهم يقومون بكل ما يُطلب منهم». قرية السميرية اليوم، لم تعد كما هي، فقد هدمت عن بكرة أبيها، ولم يبقَ منها سوى جامع القرية.
أما الحاجة عائشة حليلحل من قرية قدّيثا قضاء صفد، فلا تزال تحتفظ حتى اليوم بمفاتيح بيت العائلة هناك، وبثقة كبيرة أكدت الحاجة أنها تفضل النوم في قنوات مياه قريتها والدفن هناك، على البقاء بعيداً عن قريتها الأم.
ومن صفد إلى حيفا، قال الحاج وليد حداد مواليد 1937، الذي أكد أن حيفا المدينة لم تستسلم بل قاومت كباقي القرى والمدن الفلسطينية، وتشهد مقبرة «بلد الشيخ» على دفن عشرات الشهداء الذين ارتقوا فداء للوطن، وأبرزهم الشيخ عزالدين القسام.
تعددت ذكريات شهود النكبة، وتشابكت أحاديثهم، لكنهم اتفقوا جميعاً على أن مسألة التوطين لا تعني اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولا مسألة الوطن البديل، وأن الجميع على استعداد تام للتخلي عن كل ما لديهم هما، والعودة إلى قراهم الأصلية، ولو مشياً على الأقدام. وأكثر ما بدا مؤثراً في ديوانية «خيمة العودة»، حرقة أحد الشهود وهو يطالب بوحدة الصف والقتال حتى الشهادة: «بدنا المدفع والوحدة».
إذاً، هي رسالة واضحة أرسلها هؤلاء، بأن الوطن حيّ في قلوب أبنائه، وذلك بمجرد وصفهم لبعض صور الوطن التي حملوها في ذاكرتهم عبر كل هذه السنوات. وبمجرد سردهم لتفاصيل بعض المواقف من معارك ومشاحنات مع العدو، وكأنها ماثلة أمامهم، هو دليل على إصرار اللاجئين مهما مرت عليهم السنين، بأن الشعب الفلسطيني عائد إلى موطنه بالكفاح المسلح، بالبندقية، بالجهاد، بالكرامة، وأن الجميع لا يريد ولا يقبل إلا عودة واحدة ميمونة.