هذا ما نقلته وثائق «ويكيليكس» عن بعض المسؤولين اللبنانيين:
المخيمات الفلسطينية في لبنان «أكبر تجمعات الإرهابيين في الشرق الأوسط»!!
رأفت مرة/ بيروت
نكاد نقول شكراً، لا بل ألف شكر لأسانج مؤسس موقع "ويكيليكس" لأنه نشر وثائق كشفت حقيقة ما يجري في الاجتماعات واللقاءات. وأظهر الأمور على حقيقتها بعيداً عن وسائل الدعايه أو التصريحات الصحفية والمقابلات والمؤتمرات التي تحمل الكثير من المساحيق.
لسنا معنيين بكل ما نشر في «ويكيليكس»، بل نحن معنيون في هذا المقال بتسليط الضوء على مجموعة من الوثائق التي نشرها الموقع والتي تتناول اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
لكن قبل ذلك نشدد على نقطتين جوهريتين:
إنَّ ما نشره الموقع يحمل صدقية عالية. فالولايات المتحدة والدول الأوروبية لم تشكك أبداً في صدقية المعلومات حتى حين أرادت ملاحقة أسانج ومعاقبته.
إنَّ النَّفي الذي صدر عن جهات كثيرة، ومنها نفي وزير الدفاع اللبناني ونائب رئيس الحكومة إلياس المر لِما جاء في الوثائق لم يكن مقنعاً لأحد ولم يكن نفياً يستحق عناء إشغال العقل.
ماذا في الوثائق؟!
نشر موقع «ويكيليكس» مجموعة من الوثائق التي تنقل محتوى حوارات ونقاشات حصلت بين مسؤولين عسكريين وأمنيين أميركيين ومسؤولين سياسيين وعسكريين لبنانيين، وتناولت التعاون العسكري بين الولايات المتحدة ولبنان. وجرت هذه اللقاءات على مراحل ، لكن الوثائق المنشورة محددة في بداية عام 2008، وننقل هنا أبرز ما جاء فيها:
في الأول من نيسان 2008، عُقدت اجتماعات بين مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاصة، مايكل فايكرز، وقائد قوات العمليات الخاصة مايكل مولهولاند والقائمة بالأعمال ميشال سيسون والملحق العسكري، ووزير الدفاع إلياس المر وقائد الجيش ميشال سليمان ومدير الاستخبارات العميد جورج خوري.
كان جو اللقاء ترحيبياً، وتضمن تقديراً عالياً للدعم الذي تقدمه حكومة الولايات المتحدة الأميركية، واستضاف الجنرال سليمان الوفد على الغداء في نادي الضباط في اليرزة، وهو شرف يخص به ضيوفه المهمين.
وينقل الأميركيون عن وزير الدفاع اللبناني إلياس المر ما يأتي:
- الهدف الأول لهذا التحول في الجيش يجب أن يكون التصدي للتهديدات الإرهابية داخل لبنان. قال لنا المر إنَّ سورية لا تزال تساعد الإرهابيين الموجودين في المخيمات الفلسطينية الثلاثة عشر. وبحسب ما قاله المر فإن دولاً عربية أخرى تستخدم المخيمات أرضاً خرجة «لمواطنيهم القذرين».
إنَّ أحد الأمور المثيرة في نهر البارد كانت أنَّ أياً من أعضاء فتح الإسلام الثلاثين الذين قتلوا والثلاثين الآخرين الذين قبض عليهم، لم يكن اسمه موجوداً في قواعد بيانات وكالات الاستخبارات الأميركية والأوروبية والعربية.
- «إذا نظرتم إلى عين الحلوة، فقد نواجه «نهراً بارداً» آخر في أي وقت. يجب أن نكون مدربين وجاهزين». بحسب معلومات المر، فإن عين الحلوة يتحول إلى نهر بارد آخر، لكنه أكثر سوءاً. إذا اندلع قتال غداً في عين الحلوة، فسيكون على المر أن ينقل إليه مئة في المئة من قواته الخاصة، وهذا سيتركه من دون أي احتياط للتصدي لأي طارئ قد يحدث. وإذا اندلعت المعركة في مخيمين في الوقت نفسه، فإنَّ الجيش اللبناني لن يتمكن من السيطرة على أي منهما. لهذا السبب، يريد المر الانتقال سريعاً من أجل تحويل الجيش اللبناني إلى جيش مرتكز على القوات الخاصة.
- أخبرنا المر أن مخيم عين الحلوة هو أكبر تجمع للمجموعات الإرهابية في الشرق الأوسط.
في عين الحلوة منظمات متشددة دينياً ومذهبياً، وهو يؤدي أيضاً دور الحاضن لإرهابيين فرنسيين وألمان. وبما أنَّ الأمم المتحدة لن تدخل إلى المخيمات، يشعر المر بأن الحكومة اللبنانية مجبرة على الاستمرار بتغذية النزاعات الفلسطينية الداخلية، لإبقاء مختلف المجموعات غير واثقة ببعضها. مستنداً إلى القرار 1701 كنص يشرع القيام بخطوات داخل المخيمات، يخطط المر لإرسال قواته الخاصة لتوقيف الإرهابيين داخل المخيمات.
وينقل الأميركيون عن قائد الجيش ميشال سليمان الذي أصبح بعد شهر من هذا الكلام رئيساً للجمهورية ما يأتي:
إنَّ الجيش تعلم دروساً عدة من نهر البارد. الدرس الأول أن المخيمات جزء من «شبكة إجرامية» مسؤولة عن تفجيرات في لبنان. في حالة نهر البارد، كان على الجيش أن يوقف المجرمين. الدرس الثاني هو أن الجيش لم تكن لديه فكرة عما هو موجود في باقي المخيمات، وعليهم أن يكونوا جاهزين لملاحقة المجرمين في تلك المخيمات أيضاً. «نحن بحاجة إلى حل، نحن بحاجة إلى أن نكون مستعدين للدفاع عن أنفسنا وعن المواطنين اللبنانيين في وجه هؤلاء المجرمين»، يقول سليمان. مخيم عين الحلوة يمثل مشكلة لجهة أنَّ جيرانه في مدينة صيدا متآلفون مع سكان المخيم. وهذه الحالة معاكسة للحالة في نهر البارد صيف عام 2007، حيث كان السكان المحليّون غير مساعدين للفلسطينيين.
ثم ينقل الأميركيون عن العميد جورج خوري رئيس إستخبارات الجيش اللبناني في ذلك الوقت قوله:
- إنَّ تهديد الإرهابيين داخل المخيمات هو جدّي وفي تصاعد، متحدثاً عن 57 عاماً من تاريخ وكالته في جمع ملفات استخبارية عن المخيمات. ويشعر خوري بأن مديريته هي في الموقع الأفضل لتنفيذ عمليات لمكافحة الإرهاب في لبنان. ومع أن القتال في نهر البارد قد انتهى، أكد خوري أن ثمة مجموعات عديدة آتية إلى لبنان عبر سورية متآلفة مع الإرهاب، وهذه المجموعات تتمركز في المخيمات الفلسطينية.
يرى خوري وجود علاقات استراتيجية تمتد من باكستان إلى المغرب تربط هذه المجموعات بعضها ببعض. ويعتقد خوري أن تنظيم القاعدة يسعى إلى دعم عمليات انطلاقاً من المخيمات الفلسطينية. ويؤكد أنه مستعد لتلقي أي دعم أو تدريب تقدمه حكومة الولايات المتحدة، لكي يتمكن من «محاربة الإرهاب في سبيل مصلحة العالم أجمع».
أما موقف رئيس الحكومة اللبنانية في ذلك الوقت فؤاد السنيورة، فقد اجتمع بمساعد وزير الدفاع الأميركي إريك أدلمان في جلسة عقدت بينهما في 12 شباط/ فبراير 2008، وحضرتها السفيرة الأميركية في لبنان ميشال سيسون، ونقلت سيسون عن السنيورة قوله:
عند ردّه على طلب السفير إدلمان لمعلومات عن مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، اعترف رئيس الوزراء بأن هذا المخيم لا يزال مع غيره من المخيمات، يمثل مصدر مشاكل. استطاعت القوات المسلحة اللبنانية فرض بعض السيطرة على المخيمات وإفهام المخربين أن الحكومة اللبنانية مصرة على المحافظة على النظام، لكن رئيس الوزراء لا يزال يجد المخيمات كدويلات.
وعند سؤاله عن كيفية مواجهة الحكومة اللبنانية هذا الملف، أشار رئيس الوزراء إلى أن لبنان يحتاج إلى نموذج جديد من المخيمات، وطالب المانحين الدوليين بالتعاون على إعادة بناء مخيم نهر البارد. «يجب أن نُظهر للناس بعض التقدم، ونعطيهم أملاً بالمستقبل. دفعنا ثمناً مخيفاً للسيطرة على هذا المخيم، يجب أن نجعله نموذجاً».
حقائق :
إن قراءة هذه الوثائق تظهر ما يأتي:
1- هناك رؤية سياسية لبنانية رسمية واحدة، ومكتوبة تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهذه الاستراتيجية معتمدة من الجهات السياسية والعسكرية والأمنية.
2- هذه الوثائق تؤكد صحة ما يقوله الفلسطينيون في لبنان ويرددونه دائماً، هو أن السلطة اللبنانية تنظر إلى الفلسطينيين في لبنان من زاوية أمنية فقط، وليس لها علاقة بباقي القضايا.
3- هذه المواقف تفسّر الإجراءات القاسية التي تنفذها الأجهزة العسكرية والأمنية تجاه المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبشكل خاص تجاه مخيمي نهر البارد وعين الحلوة، وهما أكبر مخيمين في لبنان، على قاعدة أن تأديبهما يؤدي إلى تأديب كل الفلسطينيين.
4- إنَّ العبارات والمصطلحات التي يرددها المسؤولون اللبنانيون في هذه اللقاءات تظهر أنهم يعمدون إلى التعميم، فتظهر في عباراتهم أنَّ كل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان «إرهابيون»، وأنَّ كل المخيمات هي «مأوى للمنظمات الإرهابية»، وأنَّ سورية ترسل المخربين إلى المخيمات، وهذا ربطٌ مباشر بين القوى الفلسطينية المتحالفة مع سورية وبين سورية والإرهاب، وإنَّ كان هؤلاء يرددون عكس ذلك في تصريحاتهم «الطيبة» تجاه سورية والفلسطينيين.
5- تكشف الوثائق عن مواقف خطرة جداً، فوزير الدفاع اللبناني إلياس المر يقول «إنَّ الحكومة اللبنانية مجبرة على الاستمرار بتغذية النزاعات الفلسطينية الداخلية لإبقاء مختلف المجموعات غير واثقة ببعضها»، وهذا يعني بوضوح أنَّ الصراعات السياسية الفلسطينية والتوترات الأمنية داخل المخيمات وبين المجموعات الفلسطينية هي في جزء كبير منها من صناعة الحكومة اللبنانية، فكيف يُتهم الفلسطينيون في لبنان بأنهم يوترون الأجواء ويخلقون الصراعات.
6- إنه لمن الخطورة أن يقوم رئيس جهاز إستخبارات لبناني أمام وفد عسكري أميركي بالربط المباشر بين تنظيم القاعدة العالمي بعض المجموعات الفلسطينية التي يقال إنها داخل المخيمات، فهذا الربط يؤدي إلى تهيئة الأميركيين والأوروبيين وغيرهم لاستهداف المخيمات والقيام بأعمال عنف داخلها، ما يهدد حياة الفلسطينيين الأبرياء، ويوتر العلاقات الفلسطينية اللبنانية، ويكشف عن نيات لإزالة المخيمات من الوجود.
خلاصة :
إنَّ هذه الرؤى اللبنانية التي قُدمت للأميركيين لا تخدم الجهود الفلسطينية اللبنانية المخلصة لبناء علاقات لبنانية فلسطينية سليمة، وفتح صفحة جديدة في العلاقات، ولا تخدم سياسة معظم القوى الفلسطينية التي تسعى إلى تعاون لبناني فلسطيني على قاعدة التطلع للمستقبل وإزالة أسباب التوتر وتخفيف الاحتقان. إذ يبدو أن هناك من يريد "شيطنة" الفلسطينيين لأسباب ومصالح ذاتية عديدة.
المصدر: (مجلة العودة: العدد الـ40)