يوم مع عائلة
دوابشة... المقاومة بين الحياة والموت
الخميس، 13 آب، 2015
تغطّ ريهام دوابشة في نوم
عميق بفعل الأدوية المنوّمة، في قسم العناية المكثفة، في مستشفى شيبا ــ طال هشومير،
قرب تل أبيب، الذي زارته "العربي الجديد". لا تدرك ريهام شيئاً عمّا يجري
حولها، فيما يوجد طفلها أحمد (5 سنوات) في قسم العناية الفائقة في مبنى آخر مخصص للأطفال.
أصبح أحمد وحيداً لأمه بعد إحراق رضيعها علي وزوجها سعد حتى الموت، في عملية إرهابية
نفّذها مستوطنون إسرائيليون. بين المبنييْن اللذين يبعد كل واحد منهما عن الآخر نحو
7 دقائق مشياً على الأقدام، يتنقّل حسين دوابشة والد ريهام وزوجته ستيرة وابنتهما ريم
مرات عدة كل يوم. يحدوهم الأمل أنّ ريهام ستعيش من أجل طفلها ومن أجلهم، وهي لا تدرك
بعد ما حلّ بزوجها وأطفالها.
تصعق العائلة ببعض الشائعات،
التي يتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي يومياً، أنّ ابنتهم فارقت الحياة أو
ماتت موتاً سريرياً، فيما لا يسمع المرء في غرفة ريهام إلّا طنين جهاز المؤشرات الحيوية
المتّصل بسريرها، الشاهد الوحيد على أنفاسها. أمّا في غرفة أحمد، فتدب بعض الحياة،
لكنها لا تشبه طبعاً تلك التي كانت تدبّ في غرفة بيته قبل الحريق، إذ كان سالماً معافى،
محاطاً بوالديه وشقيقه. يقضي أحمد معظم وقته نائماً بفعل الأدوية، وعندما يستفيق (نادراً)
يتحدث، وقد يشاهد إحدى قنوات الأطفال. الدخول إلى غرفته مهمة صعبة، ويقتصر الدخول على
أفراد العائلة فقط، بسبب وضعه الصحي.
"علوش.. علوش، يتمتم
أحياناً في نومه، منادياً شقيقه الأصغر علي. ذلك الرضيع الذي قضى بعد إلقاء زجاجة حارقة
على منزل العائلة في قرية دوما قضاء نابلس، لن يستطيع الردّ على أحمد"، بحسب ما
روته خالته مريم لـ"العربي الجديد"، هي التي تلازم سريره، وتربطه بها علاقة
مميّزة منذ نشأته الأولى. تتابع أنّه عندما يستيقظ من نومه، لا ينفك يسأل عن أمه، معاتباً
أنّها لم تأت لزيارته بعد. لا يعلم أحمد بحالها، لكنّه يعرف أن والده سعد "صار
في الجنة"، بحسب ما أخبره أفراد العائلة، الذين لا تفارق الدموع عيونهم، بعيداً
عن أنظار أحمد.
تضيف مريم: "يبكي أحمد
باستمرار، لكني أحاول التخفيف عنه. يوم الجمعة الماضي، أي في اليوم الذي استشهد فيه
والده متأثراً بحروقه، استفاق أحمد من غيبوبته، مردداً، حَرَقونا.. طفونا.. افتحولي
الباب..". وتتابع مريم أن "أصعب ما نواجهه هو عندما يسأل عن أمه، نحاول إلهاءه
بمواضيع أخرى وتعويضه عن غيابها، آملين أن تستفيق هي الأخرى لتبقى إلى جانب ابنها الذي
تبقّى لها". "خوفي الأكبر على حالة أختي الصحيّة، والصدمة التي يمكن أن تواجهها
في حال تجاوزت وضعها الصعب، بمعرفة مصير طفلها وزوجها"، تقول مريم.
لا نحتمل فراق
ريهام
وجه والدة ريهام، ستيرة
دوابشة يصف الوضع بأكمله؛ "نمر بأيام صعبة جداً، يساورنا قلق كبير"، تقول
لـ"العربي الجديد". وتضيف أنه "لا يمكننا أن نقوم بأي شيء سوى الصلاة.
قلبي يحترق خوفاً على ابنتي وحفيدها. أنا خائفة، أتنقلّ مرات عدة يومياً بين المبنييْن.
أصلّي لهما ولا أحتمل مجرد التفكير بأن يحدث شيء أسوأ ممّا حدث".
ولأنّ على الأب أو الجدّ
أن يقوما بدور الواعي والمدرك لكل الأمور، لم يحدّثنا حسين دوابشة، والد ريهام عن خوفه
وحزنه، قال "كانت أسرة متحابة ومتفاهمة جداً. سعد كان يعمل في مجال البناء، فيما
تعمل ريهام مدرّسة رياضيات. كانت حياتهم هادئة حتى جاءت تلك العملية الإرهابية وأحرقتهم".
ويتابع، "سمعت صوت انفجار خلال وقوفي على سطح بيتي، شعرت بخوف عندما انكشف لي
أن مكان الانفجار قريب من منزل ابنتي. قدت سيارتي بجنون، متوجّهاً إلى منزلها. كانت
لحظات مؤلمة عندما أدركت أنّه المنزل نفسه. حاول الجميع إخماد النار والمساعدة. ذلك
المشهد لا يفارقني".
ويضيف حسين: "ريهام
أدركت أن شيئاً ما قد حدث، لأنّها ظلّت مستيقظة بعد وصولها إلى المستشفى لبعض الوقت،
لتفقد الوعي كلّياً جرّاء الأدوية التي تتناولها". ويستدرك، قائلاً، "لكنها
لا تدرك التفاصيل وما حلّ بعائلتها. منذ ذلك اليوم تغط في نوم عميق، فالأطباء يفضّلون
إبقاءها على هذا الحال لشدة حروقها". يخاف حسين كما بقية أفراد العائلة من أن
تستيقظ ريهام وتدرك ما حلّ بعائلتها. يطمئن حسين لوضع ابنته وولدها، بحسب ما قاله له
الأطباء، إنّ وضعهما الصحي مستقر، "لكن وجودهما في العناية الفائقة، يقلقنا، إلّا
أنّنا لم نتوقف عن الصلاة يوماً". يقول الوالد.
يعاتب الوالد من هم
"بلا ضمير"، ومنهم صحافيون، "يقتلوننا يومياً بنشرهم أخباراً كاذبة.
أنا شخصياً متُّ عشرات المرات، كلّما تم تداول شائعات حول موت ابنتي. لا نغادر المستشفى،
ولو حدث أي شيء، فنحن أوّل من يعلم". ويتساءل: "ألا يكفينا ما نحن عليه؟
لماذا يعمل البعض على تعذيبنا أكثر؟ لا يمكنني أن أتخيّل أن يحدث شيء لريهام. نحتاج
من يمدّنا بالأمل لا من يحبط عزيمتنا".
بكاء الزائرين
يقوم عدد كبير من الناس
بزيارة العائلة، ويرون أن من واجبهم مواساة العائلة والوقوف إلى جانبها في هذه المصيبة،
كما أنّها "قضيتنا جميعاً وليست قضية عائلة دوابشة فقط"، يقول ناجح معروف،
الذي صادفت زيارته مع وجود "العربي الجديد" برفقة العائلة. ويقول الزائر
إنّ "ما حصل مع عائلة دوابشة، أصابنا جميعاً، فقد تأثرنا بهذا الحادث الأليم والعملية
البشعة، والمخاوف الكبيرة من أن تتكرر مثل هذه الجرائم".
زائر آخر، كان هذه المرة
إسرائيلياً، عندما رأى حسين دوابشة يقف عند باب قسم العناية، توجه إليه، وكان قد عرفه
بعد مشاهدته عبر وسائل الإعلام. بدا متأثراً، وقال "الله ينتقم منهم اليوم قبل
الغد. عندما رأيت مشهد الرضيع المحترق بكيت. من فعلوا ذلك لا يستحقون الحياة، الله
لا يرضى بهذا ولا يقول لنا أن نقتل ونحرق الناس". يؤكد حسين لـ "العربي الجديد"،
أنّ زواراً كثراً، يأتون من كل حدب وصوب، لمواساة العائلة والاطمئنان إليها، متأثرين
بما حصل".
المصدر: العربي الجديد