القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

16 أيلول 1982 مجزرة صبرا وشاتيلا: الذكرى الحية

16 أيلول 1982 مجزرة صبرا وشاتيلا: الذكرى الحية

الجمعة، 16 أيلول، 2011

في مثل هذه الايام من العام 1982، كان لبنان عرضة لعدوان صهيوني غادر، وصلت حدوده الى العاصمة، بيروت ، واكثر من ثلتي مساحته الكلية من الجنوب الى الجبل والبقاع، وامتدادات المناطق التي كانت خاضعة لنفوذ المليشيات العميلة للاحتلال، من القوات اللبنانية الى الكتائب والاحرار الى حراس الارز وغيرها...

وقد كانت الاهداف المباشرة لهذا الاحتلال البغيض تتلخص ب: تصفية المقاومة الفلسطينية، واخراج من يتبقى من مقاتليها الى المنافي البعيدة، وسحب سلاح القوى الوطنية، واقامة حكم لبناني عميل للاحتلال يوقع اتفاق "سلام" مع الكيان الغاصب، على غرار اتفاق "كامب ديفيد" مع نظام انور السادات!..

وحظي هذا العدوان، ككل الحروب والاعتداءات الصهيونية بغطاء اميركي غربي، وبصمت عربي رسمي يشبه الى حد بعيد الصمت الذي يحاصر قطاع غزة منذ اكثر من اربع سنوات، خاصة وان حرب لبنان العدوانية هذه، جاءت بعد فشل السعودية وحلفائها في قوى "الاعتدال" من تمرير مشروع الامير فهد الذي قُدم في القمة العربية المنعقدة في العام 1981 بمدينة فاس المغربية، والداعي الى تعريب "كامب ديفيد" وادخال العرب مجتمعين الى ميدان "التسوية" للصراع العربي – الصهيوني، والذي اعلنت سورية وبعض حلفائها وقوى مقاومة فلسطينية وعربية رفضها لهذا التوجه العربي الرسمي...

فكان الاجتياح الصهيوني للبنان، بدعم اميركي وغربي كلي، وبصمت عربي رسمي، يضمر الى جانب تحقيق تلك الاهداف الصهيونية المومى اليها، ازاحة العقبات المقاومة والمناوئة التي افشلت تعريب "كامب ديفيد" وسدت الطريق امامه في قمة فاس الاولى المنعقدة في 25 تشرين الثاني / نوفمبر 1981...

ورغم وصول الاحتلال الصهيوني الى مشارف العاصمة بيروت، لم تنجح غاراته وقذائفه على سكانها ومقاوميها من لبنانيين وفلسطينيين وسوريين وعرب، وحصاره المائي والغذائي الخانق لها، في دفعها للاستسلام والخضوع... ظلت تقاوم، باظافرها واسنانها وبلحمها الحي أمام مرأى ومسمع العالم "الحر" و"الديمقراطي" وكل الهيئات الدولية، وصمت الجامعة العربية، فلم يحركوا ساكنا وهم يتفرجون على الصواريخ والقذائف المتساقطة على رؤوس المدنيين بمن فيهم من اطفال ونساء وشيوخ ومرضى، ويشهدون اجتياح واحتلال وحشي همجي غادر، لبلد عربي وثاني عاصمة عربية بعد القدس..

فكان هذا الصمت المريب اعلانا واضحا، غربيا وعربيا بالشراكة الكلية في الحرب الصهيونية المفتوحة على القوى المقاومة: الفلسطينية واللبنانية والسورية، وكل من يقف معهم والى جانبهم من دول وشعوب

وحركات تحرير واحزاب وهيئات اهلية، ابتداء من الجمهورية الاسلامية الايرانية...

ان صمود المقاومين وعجز الالة الصهيونية العسكرية عن كسر ارادة المقاومة رغم الدمار والحصار، دفع بحلفاء "اسرائيل" لسلوك درب المفاوضات التي ادارها فيليب حبيب مندوب الرئيس الاميركي رونالد ريغان، لكي يحققوا بالغرف السرية ما عجز العدو عن تحقيقه في ميدان المواجهة...

فكان الاتفاق على اخراج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان في 21 آب / اغسطس، 1982 بعد مرور ثلاثة اشهر و 17 يوما على بدء العدوان الصهيوني الغادر، الى المنافي البعيدة في السودان وتونس واليمن والجزائر وغيرها برا وبحرا بحماية اساطيل الحلف الاطلسي، وبرعاية قوات دولية اميركية وغربية تتكفل بحماية المخيمات الفلسطينية...

الا ان خروج المقاومين الفلسطينيين من لبنان لم يحل دون استمرار العدوان، ولم يمنع قيادة جيش العدو الصهيوني من اجتياح بيروت ومحاصرة مخيمات الفلسطينيين، متجاوزة الاتفاق الاميركي وضاربة عرض الحائط بوجود القوات الدولية ووعودها بحماية المدنيين، وخاصة الفلسطينيين...

مجزرة صبرا وشاتيلا!..

لم يدر في خلد اي من سكان بيروت، ان صمت العاصمة بعد خروج المقاومين الفلسطينيين منها، سيشكل ستارا لواحدة من ابشع مجازر القرن العشرين، واكثرها وحشية وايلاما لكونها تجري برعاية اميركية وغربية وصمت رسمي عربي يشبه صمت القبور...

كان سكان بيروت والمخيمات يلملون جراح اشهر العدوان والحصار، ويحصون نتائجه المؤلمة على مناحي الحياة المختلفة قبل ان يستفيقوا على اخبار مجزرة اتخذت من عملية اغتيال بشير الجميل قائد "القوات اللبنانية" العميلة (رئيس الجمهورية اللبنانية الآتي على الدبابات الاسرائيلية) مبررا وغطاء، استهدفت بكل اشكال القتل البشعة والمجرمة واساليبه ووسائله الوحشية سكان صبرا وشاتيلا من فلسطينيين ولبنانيين...

ففي ظل الحصار الصهيوني المحكم لمنطقة صبرا وشاتيلا، وتحت وابل من القذائف والصواريخ، وبرعاية مباشرة من وزير حرب العدو (آنذاك) أرئيل شارون، اندفعت عصابات القتل والارهاب الفاشية الى داخل المنطقة في 16 ايلول / سبتمبر، منفذة مجزرة بشرية تندى لها جبين الانسانية التي وقفت متفرجة على الدم الفلسطيني واللبناني والعربي يراق بابشع اساليب القتل واكثرها وحشية، مستهدفة الاطفال والنساء والشيوخ، والمرضى والعجزة، الذين ودعوا للتو اولادهم وشيعوهم في مواكب الابعاد والترحيل الاميركية في مرفأ بيروت.

وعلى مدى ثلاثة ايام ظلت منطقة صبرا وشاتيلا تحت نيران الحقد الصهيونية الفاشية، فامتلأت طرقات

وازقة المنطقة بمئات وآلاف الجثث الذين سطروا بدمائهم الزكية فصلا مأساويا من فصول السيرة الفلسطينية، مثلما اضاف الصهاينة وعملائهم الفاشيين اللبنانيين صفحات سوداء في تاريخهم الدموي الارهابي...

فلم تحل اتفاقية فيليب حبيب مع القيادة الفلسطينية وبالرعاية الاميركية المباشرة دون اجتياح العاصمة، ولم تمنع القوات الدولية ورعايتها المباشرة للوضع اللبناني، والتي تعهدت بحماية المخيمات الفلسطينية، الصهاينة وعملائهم من تنفيذ واحدة من ابشع مجازر القرن العشرين واكثرها دموية وهمجية...

فالعدو الصهيوني الذي دفع بالميليشيات الفاشية الى صبرا وشاتيلا، كان يسعى لتحقيق هدف مشترك تحدث عنه بشير الجميل كثيرا، يقضي باخراج الفلسطينيين كليا من بيروت وخاصة من منطقة صبرا وشاتيلا التي وعد الجميل بتحويلها الى ساحة عامة... ناهيك عن ان انتشار اخبار المجزرة قد يدفع باعداد كبيرة من الفلسطينيين بالتفكير جديا بترك لبنان كليا وليس بيروت فقط، والهجرة الى المنافي البعيدة، وهو ما يشكل هدفا صهيونيا دائما ومتواصلا...

دروس وعبر!..

ان مرور ثلاثة عقود على مجزرة صبرا وشاتيلا، لم يطفىء النيران الفلسطينية المشتعلة في الصدور، التي زادت الفلسطينيين قناعة بالثوابت التي اطلقها قادتنا العظام من الشيخ الجليل عزالدين القسام، الى المجاهد عبدالقادر الحسيني، الى الشيخ احمد ياسيين الى الدكتور فتحي الشقاقي الى سيد المقاومة اللبنانية حسن نصرالله، ان صراعنا مع هذا العدو الغاصب صراع وجود وليس نزاعا على حدود... وان المقاومة هي اقصر الطرق وانجحها لتحرير الارض وانتزاع الحقوق، اما دروب المفاوضات ومساربها السرية والعلنية فلن تفضي الا الى المزيد من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية، وليس ادل على ذلك سوى مسيرة اوسلو التي اعترف اصحابها بخيبتهم بعد 18 عاما من الدوران في الحلقة المفرغة في نفق مظلم لا نهاية له...

في الذكرى التاسعة والعشرين لمجزرة صبرا وشاتيلا، قناعتنا ارسخ، واملنا اكبر بان مواسم الهزيمة والمجازر الى تراجع وآفاق المقاومة المرسومة في لبنان وفلسطين مفتوحة على الحرية والنصر الاتي.

المصدر: القدس للأنباء