القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

هكذا انتقم فلسطيني هُدم منزله في البرج

هكذا انتقم فلسطيني هُدم منزله في البرج
 
 
الإثنين 09 أيار 2011
جعفر العطار - السفير

رفع يوسف الحلو يديه فوق رأسه، كمن يبتهل بالدعاء، صارخاً: «الكلب في أوروبا ينعم بحياة لائقة وكريمة. حقوق الكلب في أوروبا مقدّسة ولا يُمس بها. إذا تعرّض الكلب في أوروبا لنكسة صحية، تقوم قيامة الجمعيات. أما الفلسطيني، فإنه...».

صمت الرجل، وهو فلسطيني في العقد الخامس من العمر، لمّا انتقل من توصيف حياة الكلاب في أوروبا، إلى وصف حياة الفلسطينيين في بلادهم المحتلة، وفي الشتات.

قاوم يوسف دموعه، وأطرق رأسه قائلاً: «هل أنا إسرائيلي حتى يأتي الجيش اللبناني ويهدم المنزل الذي أشيده فوق علبة السردين هذه؟ لقد حصلت على إذن من اللجنة الشعبية. أنا لست مخالفاً. هل راحت عليّ آلاف الدولارات التي استدنتها؟».

يقع منزله، الذي شبّهه بـ«علبة سردين»، على «حدود» مخيم «برج البراجنة»، ويطلّ على جسر طريق المطار القديم، المؤدي إلى «غاليري سمعان». يحوي المنزل ثلاث غرف صغيرة، يحتشد فيها أثاث رثّ، وتعيش فيه عائلته المؤلفة من سبعة أشخاص.

قبل ربع ساعة من صراخه ظهر أمس الأول، كانت القوى الأمنية، المؤلفة من دوريتي جيش وقوى أمن داخلي، تشرع بهدم منزل صغير شيّده الرجل فوق منزله بغية إيواء ابنه الشاب، بينما كانت زوجة يوسف واقفة ترمق الجرّافة العسكرية بنظرات جامدة، يُكسر جمودها مع كل ضربة حجر.

وبين ضربة حجر وأخرى، تناهى إلى مسمع السيدة صراخ شقيقها عدنان وردة، الذي كان محمولاً على أكتاف الشبان، والدماء تسيل من إحدى يديه. عرفت السيدة أن شقيقها لم يتحمّل مشهد هدم منزله الذي شيّده بمحاذاة منزل يوسف، فأقدم على إيذاء نفسه انتقاماً.

منزلان: الأول لابن يوسف المقبل على الزواج، والثاني لشقيق زوجة يوسف. والمنزلان، كما يقول صاحبهما، لا يُصنفان في خانة التعدّي على الأملاك العامة، بل إنهما ضمن حدود المخيّم، وقد حصلوا على موافقة القوى الأمنية والبلدية قبل وضع الحجر الأساس، وبحوزتهما أوراق تثبت صحة كلامهما. غير أن الأوراق أصبحت في أدراج مخفر «الرويس».

دخلت الزوجة بخطوات متثاقلة إلى منزلها، بعد انتهاء القوى الأمنية من عملية الهدم. راحت تبحث عن مصدر الدماء التي خضبت إحدى يدي شقيقها الأربعيني، فوجدت مرآة مهشمة، تعكس علامات الأسى على وجهها، بخطوط متكسّرة. رفعت يديها، وغطّت وجهها، وبكت.

نُقل عدنان إلى مستشفى «حيفا» في المخيم، وخرج بعد نصف ساعة من تضميد جراحه. كان يمشي بين الأزقة مترنحاً من شدّة الغضب، كأنه نسي الألم الذي أخفته الحقنات المخدّرة.

كان يحرّك جسده بقوّة محارب، يبحث عن غريم وجّه إليه ضربة قاضية واختفى، فراح يصرخ بأعلى صوته، مكسّراً كل ما يقع قبالة قدميه من طاولات وكراسي، فيما أهالي المخيم يطلّون من شرفات منازلهم، وأصحاب المحلات الصغيرة يواسونه بعبارة: «الله يعوّض عليك».

وصل عدنان إلى المنزل من الجهة الخلفية. وجد شقيقته متربعة في غرفة الجلوس، وإلى جانبها زوجها وابنهما، يحدّقون في وجوه بعضهم البعض، بصمت. قفز فوق الحفرة الفاصلة بين المنزل وبين المدخل، وراح يصرخ أمام الركام المحطّم، كأنه وجد غريمه: «ماذا فعلنا بحق السماء حتى صرنا من المغضوب عليهم؟ إسرائيل تهدم منازلنا في فلسطين، ودول الشتات تحرمنا من كل حقوقنا....».

لم تنجح محاولات الجيران، والمارة، من تخفيف غضبه. كانت عروقه تكاد تنفجر من قوة الصراخ: «هل ارتاحت الدولة الآن؟ تبخّرت أموال الدّيَن بعدما أخذت إذناً من المعنيين. لو أنهم منعوني، فإنني ما كنت لأشيد هذا المنزل اللعين. لكن لا ظهر لي، ولشقيقتي. ولا مال عندنا لندفعه رشوة. هل تحققت العدالة الآن؟ هل طُبّق القانون الآن؟ على رؤوس من؟ رؤوس من لا حقوق لهم في هذا البلد؟».

نهض عدنان من بين الركام، بجسد واهن لا يشبه جسد «المحارب»، وقفز فوق الحفرة الفاصلة بين المدخل وبين المنزل. تكوّم على كنبة بجوار شقيقته وزوجها وابنهما، محدقاً في وجوههم، بصمت يشبه الشيء الوحيد الذي لم يُهدم مع الحجارة: علم فلسطين مرفرفاً فوق المنزل.

هدمت القوى الأمنية، إلى جانب منزلي وردة والحلو، أربعة محال تقع على «حدود» مخيم «برج البراجنة»، باعتبارها «مخالفة ولا تتبع إلى نطاق المخيم»، بحسب ما أفاد مصدر أمني «السفير». ولفت المصدر إلى أن «اللجان الشعبية الفلسطينية فعلاً سمحت للعائلات بالبناء، لكن بلديات البرج والحارة والغبيري لا تعترف دائماً بتصريحات اللجان».